الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تعظيم الله في القلب

14 سبتمبر 2007 01:11
يقع الإنسان دائما فى مواقف عصيبة قد تكون واقعة عليه أو على أحد من أهله، قد تكون مصيبة فى بدنه أو عمله أو فقدا لأعز الأحباب إليه، فيشكو ويتألم وهذا هو حال الإنسان منا، أما السؤال فهو يشكو إلى من؟ هل يشكو إلى الله؟ أم يشكو ما وقع عليه إلى الناس؟ فالمسلم ينظر فى كل أحواله إلى الله بكل الوقار وعدم الشكاية، فهذا حق من الحقوق الواجبة لله على العبد وهى من الحقوق والواجبات التي تدخل الجنات، وهو حق تجاه خالق الأرض والسموات، وبه نصل إلى جنته ونكون بجوار سيد مخلوقاته، وهو حق عظيم ألا وهو وقار الإله وإنصافه وعدم شكواه· فمن أعظم الظلم والجهل أن تطلب التعظيم والتوقير لك من الناس وقلبك خال من تعظيم الله وتوقيره، فإنك توقر وتحترم المخلوق وتجله أن يراك في حال ولا توقر الله أن يراك عليها، يقول الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله (ما لكم لا ترجون لله وقارا) (نوح: 13)، وقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره أقوال العلماء في هذه الآية فقال: قال الحسن ما لكم لا تعرفون لله حقاً ولا تشكرونه، وقال مجاهد: لا تبالون عظمة الله، وقال ابن زيد: لا ترون لله طاعة، وقال ابن عباس: لا تعرفون حق عظمته· وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد وهو أنهم لو عظموا الله وعرفوا مقدار عظمته لوحدوه وأطاعوه وشكروه· وقار الله في القلب فطاعته سبحانه وتعالى واجتناب معاصيه والحياء منه بحسب وقاره في القلب، ولهذا قال ابن الجوزي في كتاب ''الفوائد'': قال بعض السلف: ليعظم وقار الله في قلب أحدكم أن يذكره عندما يستحي من ذكره، ومن وقاره ألا تعدل به شيئاً من خلقه لا في اللفظ، بحيث تقول والله وحياتك، ما لي إلا الله وأنت، ما شاء الله وشئت، ولا في الحب والتعظيم والإجلال ولا في الطاعة فتطيع المخلوق في أمره ونهيه كما تطيع الله، بل أعظم· كما عليه أكثر من لا يوقرون الله ولا في الخوف والرجاء، ويجعله أهون الناظرين إليه، ولا يستهين بحقه، ويقول هو مبني على المسامحة والعفو· ولا يعطي المخلوق في مخاطبته قلبه وعقله ويعطي الله في خدمته بدنه ولسانه دون عقله وقلبه''· فهذه الأشياء كلها فاعلها يكون غير موقر لله عز وجل، وهذا كله من عدم وقار الله في القلب، ومن كان كذلك فإن الله لا يلقي له في القلوب وقاراً ولا مهابة بل يسقط وقاره وهيبته من قلوبهم، وإن وقروه مخافة شره فذلك وقار بغض وكره لا وقار حب وتعظيم، ولذلك يقول بعض الصالحين ''إذا رأيت من نفسك ثلاثا فاحكم عليها أنها من أهل السعادة: الهيبة للعزيز الجبار، والحرمة للنبى المختار، والحياء من الأبرار والأخيار''· ومن وقار الله أن يستحي من إطلاعه على سره وضميره فيرى فيه ما يكره فهو القائل: (وإن تبدو ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) (البقرة: 284)، ومن وقاره أن يستحي منه في الخلوة أعظم مما يستحي من أكابر الناس· وبعد الوقار يأتي إنصاف الجبار، فالمسلم دائماً وأبداً يقر لربه بالعلم وبأن كل ما يفعله الله هو خير له في الدنيا والآخرة، فينصف الله من نفسه ومن غيره، ويتذكر دائماً قول الحق عز وجل (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) (البقرة: 216)، فطوبى لمن أنصف ربه، فأقر لنفسه بالجهل في علمه والآفات في عمله والعيوب في نفسه والتفريط في حقه والظلم في معاملته، فإن آخذه بذنوبه رأى عدله، وإن لم يؤاخذه بها رأى فضله، وإن عمل حسنة رآها من منته وكرمه عليه، فإن قبلها الله منه فمنة منه وصدقة وإن ردها فلكون مثلها لا يصلح أن يواجه به، وإن عملت سيئة رآها من تخليه عنه وخذلانه له وإمساك عصمته عنه، وذلك من عدله فيه فيرى في ذلك فقره إلى ربه وظلمه في نفسه، فإن غفرها له فبمحض إحسانه وجوده وكرمه، فالمسلم بذلك ينظر إلى فضل الله الجليل وإلى عمله القليل ويعلم أنه سبحانه وتعالى جابر لتقصيره وناظر إلى أعماله، وأن الله تبارك وتعالى يقبلها منه ويكثرها له فسبحانك يا عظيم، يا من تهب الكثير وتجبر القلب الكسير وتغفر الزلات وتقول هل من تائب مستغفر أو سائل أقضي له الحاجات؟ أرحم الراحمين فالعارف والمنصف إنما يشكو إلى الله وحده، وفي القرآن خير مثال لذلك، يقول العزيز الرحيم في القرآن الكريم على لسان سيدنا يعقوب (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) (يوسف: 86)، وأعرف العارفين الذي يشكو نفسه إلى الله عز وجل، فهو ناظر إلى قول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) (الشورى: 30)، وقوله تعالى (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) (النساء: 79)، وقوله تعالى (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) (آل عمران: 165)، فالمراتب في ذلك ثلاث أخسها وأقلها وأحقرها أن تشكو الله إلى الناس، وأعلاه وأجلها أن تشكو نفسك إليه، وأوسطها أن تشكو خلقه إليه، فإذا ما وصل المسلم إلى وقار الله وإنصافه وجب عليه عدم شكواه لخلقه، فالمسلم يعلم علم اليقين أن شكاية الله إلى أحد من خلقه هي الجهل بعينه، أي أنه جاهل، فلو عرف الله حق معرفته ووقره وأنصفه ما شكاه لأحد من الناس، ولو عرف الناس لما شكا إليهم· ورأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى رجل فقره وحاجته وضرورته فقال له يا هذا والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك وفي ذلك قيل: وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم وإذا رأى إنسان إنسانا يتألم من مرض أو غير ذلك ويقول: الله ارحمه، أي من هذا الابتلاء الذى هو فيه فينادى عليه ''أأرحمه مما به أرحمه'' أي أرحمه من المرض والابتلاء الذى هو سبب الرحمة له· ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©