الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عروض مسرحية عالمية تقدم الجسد في تجلياته الروحية

عروض مسرحية عالمية تقدم الجسد في تجلياته الروحية
15 ابريل 2009 23:29
تدفق الجسد في عروض «الملتقى الإبداعي السادس للفرق المسرحية المستقلة: أوروبا ـ البحر المتوسط» لينطق بكل المعاني الإنسانية وليخلق رؤى شديدة الخصوصية لما يحمله الإنسان من هموم وأزمات في عالم يزداد ضجيجه توحشا وعنفا، كاشفا أن الجسد الإنساني على ضفتي المتوسط يعيش نفس الأوجاع وإن اختلفت أشكالها وأحجامها، فجاء عرض الافتتاح «من الباب للشباك» ليختزل العديد من الأغاني الراقصة الشهيرة مثل «شبح الأوبرا» و»القطط» و»كباريه» و»إيفيتا» و»البؤساء» وغيرها ويقدمها بمعزل عن سياقها الطبيعي ـ أقصد العرض الخاص الذي قدمت خلاله ـ حيث حققت بعض هذه الأغاني شهرة أكبر من العروض التي خرجت منها، هذه الأغاني/ التابلوهات الراقصة تلمست معاناة الجسد العاشق، صراعات القلب والعقل بحثا عن لذة الحب. لكن التجلي الأكثر حميمية ورقة وقدرة تعبيرية فقد كان مع عرض الفرقة الفرنسية (الفجر) من خلال مسرحيتها الراقصة «شم النسيم» التي توهجت فيها الروح المصرية القديمة، فلوحات هذه المسرحية كانت وكأنها تخرج من جدران المعابد القديمة حاملة الأنوثة المتفجرة للمرأة التي نحتها المصري القديم علي جدران المعابد، وأوغل جسد الراقصات الأربعة اللاتي قدمن العرض في تلك الروح حتى تجلت في رقصاتهن روح نهر النيل الممتلئة بروح الحياة الخالدة. في «شم النسيم» تكشفت غزارة الأنوثة وقدرتها علي خلق الحياة، وتتباين فيها أصوات الأسلاف العميقة مع موسيقى النيل التي كتبها جورج كازازيان واستعان فيها بآلات موسيقية تراثية مثل الدف والأرغول والكولة، لقد كانت وجوه وأيدي وصدور وأرداف وسيقان الراقصات تحيي صورا حقيقية لانفلات الجسد الأنثوي للتعبير عن حريته وحياته، قد ذكرني الرقص برقصات بنات الأهل والأقارب في الأفراح والمناسبات السعيدة في صعيد مصر، حتى رابطة الرأس (الطرحة) التي كانت تربطها الراقصات جاءت متطابقة مع رابطة الرأس التي تربطها المرأة الصعيدية والشمالية في مصر حتى الآن. وإذا كان عرض «شم النسيم» قد أكد علي وحدة المشاعر البشرية عبر تاريخها الإنساني الطويل، فقد جاء العرض السويسري «يوميات راقصة» ليكشف عمق المأساة الإنسانية التي يعيشها الإنسان المعاصر ومدى فجاجة قسوة المدنية وسطوتها علي قلبه وعقله وجسده وروحه، هو رقصة هدفها الإصرار علي تحدي يوميات الحياة في صخب القاهرة، حيث تتكشف خبرات المكان وتتابع وتكرار الأصوات والقصص والمحادثات ضمن صورتها الحركية، كي يحكي الجسد المسكوت عنه أزماته مع القوة القاهرة للمدينة، يدخل العرض بدعاء ديني غنائي لمحمد الصاوي. في ظل ذلك تبدأ الراقصتان قطع خشبة المسرح جيئة وذهابا بخطو بطيء أولا سرعان ما تزداد وتيرته، ليتحول بعد ذلك إلى لهاث لتبدأ رقصات الجسد تعبيرا شفافا عن معنى الحياة في حضور إشارات تبحث عن المعرفة والحرية والحب والجنس، ويتحول الغناء إلى موسيقى شرقية/ غربية تبادلتا الشجن شجن المدينة/ القاهرة وحركتها، حيث عبر الجانب الشرقي عن الروح والجانب الغربي عن المدينة. لقد أبدع الجسد في حمل أحوال الإنسان والمكان في القاهرة فتارة هو نوراني الروح وتارة صاخبها، لكن التجلي الذي شعرنا به كان هو المحاولة القوية لإعلاء شأن الفرد. عرض الأطفال «البسكويت» لزدينكا ميسورا الذي قدمته فرقة مسرح عرائس مدينة سبليت أحد أقدم مسارح العرائس في كرواتيا والذي يقدم عروضه محليا ودوليا منذ أكثر من ستين عاما، كان عرضا غنائيا راقصا فكاهيا، قدمه راقصان ولاعبا عرائس وراقصتان، وعلى الرغم من اختلاف اللغة حيث قدم العرض بالكرواتية وجمهوره يتحدث العربية إلا أن كثيرا من الضحكات انطلقت من أفواه الأطفال والكبار، فنحن في مطعم لصناعة المخبوزات يعمل به رجلان وامرأتان إحداهما شابة والأخرى في العقد الرابع من العمل وهي صاحبته وهي شخصية متسلطة، من عجينة الخبر يصنع رجل وامرأة ويدور الحوار الغنائي في جو من المرح الصاخب. وقدمت فرقة (1 2 3 Schtunk) السويدية الشهيرة علي مدار ساعتين ونصف الساعة مسرحية وليم شكسبير «ريتشارد الثالث» من خلال مهرجين جادين يحاولون تمثيلها، هذه المسرحية التي يتفنن فيها شكسبير برسم ملامح بطله الشيطانية، فيجعل منه نموذجاً خصباً للشخصية المصابة بجنون العظمة ذات الحب الهيستيري للملك والسلطان..‏ وقد عاش ريتشارد هذا ما بين (1452 ـ 1485م)، منذ كان دوقاً في عهد الملك هنري السادس أخذ يخطط لاستلام السلطة. فرسم خططه الجهنمية المحبوكة بهدوء وطول بال... فقتل الملك هنري وابنه، ممهداً بذلك طريق العرش لأخيه ادوارد، وعندما مات ادوارد قام بقتل نصف أفراد عائلته، وتزوج من ابنة أخيه. دام حكمه سنتين (1483 ـ 1485م) تحولت فيهما انكلترا إلى جحيم لا يطاق، كابوس مرعب، غطس الجميع فيها ببركة الدم والحقد اللامتناهية التي ابتدأها ريتشارد.‏ وقد استطاع المهرجون أن يقدموا تلك المعاني، وحملت الأقنعة بألوانها الفاقعة مع الارتجال بعدا إنسانيا ألقى بظلال قوية على الواقع الآن. ومن قسوة العالم وقهر السعي إلى السلطة في «ريتشارد الثالث»، إلى الاغتصاب اغتصاب الجسد والروح والكرامة الإنسانية والذي تجلى في العرض الزائر من مهرجان دمشق الرابع عشر «صوت ماريا» للمؤلفة ليديا شيرمان هوداك والمخرج السوري مانويل جيجي، إنه مونودراما ـ تمثيل فدوى سليمان ـ تدور أحداثها حول قصة اغتصاب امرأة وابنتها في حرب أهلية في بلد ما، في زمن ما، ومعاناتها وموت الابنة أثناء الوضع، والصراع الذي يدور في ذهن الأم/ الجدة حول تبني هذا الطفل، ثمرة الاغتصاب، ويستند العرض بالإضافة إلى نص الكاتبة هوداك إلى مجموعة من الأشعار المأخوذة من دواوين محمود درويش ونزيه أبو عفش، وبندر عبد الحميد.الفكرة المطروحة في العرض يمكن إسقاطها على كل الحروب حيث إن الاعتداء على النساء وقت الحروب أمر مسكوت عنه لأسباب كثيرة أهمها ما يتصل بالعار. وإن أشد أنواع الاغتصاب هو اغتصاب كرامة الإنسان وحرية في أن يكون «أنا» لا أن يكون «أنت»، فإذا اغتصبت المرأة حملت بالجنين وإذا اغتصب الرجل حمل أيضا ولكن بالجنون.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©