السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صلاح بوسريف: ليست أخطاء.. ولكنها توليفات إيقاعية

15 ابريل 2009 23:24
بعد أن قررت دار رياض الريس للكتب والنشر إعادة طبع ديوان الشاعر الراحل محمود درويش «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» إثر ما أثاره هذا الديوان من زوبعة وسلسلة احتجاجات قادها نقاد وشعراء نبهوا إلى وجود أخطاء تتعلق ـ كما قال الريس ـ بالوزن والتقطيع والتنقيط والتحريك، ما كان يمكن للشاعر الراحل أن يرتكبها لو كان حياً. وهذه الأخطاء أساءت كثيراً إلى سمعة الشاعر وقيمة الديوان. للناقد والشاعر المغربي صلاح بوسريف وهو أحد أبرز أصدقاء محمود درويش صلاح بوسريف، رأي فيما جرى، خص به «الاتحاد الثقافي»: تابعتُ ما كُتِبَ حول الديوان الأخير للشاعر الراحل محمود درويش. لم أقرأ الديوان بعدُ، فهو لم يصل إلى يدي. لكن ما وَقَفَ عنده مَنْ كتبوا بشأن حُدوث أخطاء في الديوان، أو في بعض نصوص الديوان، تَوَقَّفُوا بشكل خاص عند ما سَمَّوْهُ بـ «الأخطاء العروضية»، وهؤلاء، جميعُم شُعراء ممن يكتبون شعر التفعيلة. فيما قرأتُهُ لم يتوقف أحد عند الأخطاء اللغوية، أو عند ما يُمكن أن يكون خطأً في اللغة. هنا علينا أن نتساءلَ؛ لم تَمَّ حصر الموضوع كاملاً في سياقه العروضي، هكذا حصراً، إلى درجة أنَّ الشاعر اللبناني شوقي بزيع ذهب إلى حدَّ المطالبة بإشراف ما سماه بعروضيين كبار على تصحيح الديوان ومُراجعته عَروضياً! ويتساءل صلاح بوسريف: لماذا التركيز على العروض دون غيره، ولماذا جاء الأمر من شاعرين يكتبان بالوزن، لا بغيره، وهل معنى هذا أن دواوين محمود الأخرى تخلو من مثل هذه الالتباسات العروضية، أُسَِّميها هكذا، حتى لا أَسْقُطَ في معيارية الصِّحَّةِ والخطأ، وهذا أمر، في التصور الإيقاعي الأوسع، الذي كتبتُ عنه في أكثر من كتاب، وناقَشْتُهُ في أكثـر من مكان، يحتاج إلى كثير من الحَذَر، قبل أن نُقْدِمَ على ما أقدم عليه الذين قاموا بما سمَّوْهُ تصويبات عروضية، علماً بأن شخصاً كتبَ في جريدة «الحياة»، يُعيدُ تبرير، أو تأويل، ما جاء في الديوان، ويعتبره، سليماً من الناحية العروضية، إذا أعدنا قراءة الجمل، أو الكلمات قراءةً، معها يُصبح الوزن غير ما تصوَّرَهُ غيرُه. في أعمال محمود الأخرى التي صدرت في حياته، طُرِحَ هذا الموضوع، ومثل هذه الالتباسات موجودة في أعماله، وهي ليست أخطاء، بقدر ما هي تنويعات، وتوليفات إيقاعية، حرص محمود على مُرافَقَتِها لطبيعة اللغة التي بَدَت عنده قريبة من (النثر). وهذا يعود بي إلى الندوة التي حضرتُها مع محمود في مدينة الرباط، حين توقفتُ معه عند هذا النوع من الالتباسات الإيقاعية، وقلتُ لمحمود، إنك في هذا العمل، أي في ديوان «لماذا تركتَ الحصان وحيداً»، يبدو كأنك كنتَ تستجيب لِضُغُوطات «قصيدة النثر»، علماً بأن الديوان موزون. كان جواب محمود أن ناقداً عربياً معروفاً لم ينتبه للوزن في الديوان، واعتبره «قصائد نثر». وأعمال الندوة منشورة بأحد أعداد مجلة «آفاق»، التي تصدر عن اتحاد كتاب المغرب. المسألةُ، في نظري تحتاج إلى حذر شديد، وليس إلى تصويباتٍ، أو إلـى عروضيين كبار! أو صغار، بقدر ما تحتاج إلى رؤية إيقاعية أشمل لطبيعة الكتابة الشعرية كما تَوَخَّاها محمود في أعماله الأخيرة، وفي الشعر العربي المعاصر، بكل مُقتَرَحاته الشعرية، وليس بالنظر إلى محمود كصَدًى للخليل، أو حارس لنمط إيقاعي، لم يكن محمود يلتزمه كُلياً في تجربته، وخصوصاً، فيما أحدثه من انزياحات في كتاباته، بدءاً من «أحد عشر كوكبا». ويتابع صلاح بوسريف قائلاً: لا أحتاج ربما إلى التذكير بما عيب على المتنبي في هذا الباب، وعلى أبي تمام، وأبي العتاهية، وما اعْتُبِر خارج الشعر، في مُجمهرة عبيد بن الأبرص، وهؤلاء كلهم من كبار الشعراء. يحتاج الموضوع إلى معرفة شعرية حديثة، وإلى معرفة بسياقات التجربة كاملة، ولا ينبغي أن ننسى أن محمود، كان يحرص على شفاهية المكتوب، كما كَتَبْتُ عن تجربته، في جريدة عربية، منذ أكثر من أربع سنوات. في الشفاهة، تحدُثُ التباسات القراءة، وتحديد أوضاع الجُمَل والصور، وهو ما يترتب عنه تداخُل التفاعيل، أو انتقالُها من بحر إلى غيره، وهو ما قد يكون مقصوداً، أو يأتي، في وضع النص ذاته، يخدم التجربة، والحالة. لا أنفي وُجود أخطاء قد تكون الطباعة، أو الكتابة في الأصل المرقون، كما توصَّل به الناشر؛ السَّبَبُ في حُدوثها، وهي أزلية فيما يُنشر، ولا كتاب ينجو منها، سواء قلَّت أو كثُرت. وهذه قابلة للمعالجة. أما أن نحصر الأمر في العروض وحده، وفي ديوان درويش، فهذا فيه نوع من حصر الشعر في هذا العُنصر، والنظر إلى الإيقاع، بهذا الأفق الضيق، وكأن الشعر العربي لم يُخْلَق إلا بهذا الإيقاع، لا بغيره. أوَدُّ أن أتوقَّفَ عند نازك الملائكة التي كانت رفضت التشكيلة الخماسية في «الشعر الحر»، واعتبرتها تُسيء للأذن العربية، وأن الشعر العربي لا يستسيغُها، فهي في رسالة لصلاح عبدالصبور، أعادت «أخبار الأدب» نشرها، تُشير في النص الذي أرسلته له للنشر أنها كتبت وفق هذه التشكيلة، وهذا في نظرها مغامرة، لا تعرف كيف سيتم تَقَبُّلُها، وهي قَبِلَتْها حين وجَدَتْ نفسها مدفوعة للكتابة وفق هذا التوزيع العروضي الذي كانت رفضته. علينا من خلال هذا المثال، أن نُوسِّع أفق الرؤية أكثر، وأن ننظر للشعر، بغير هذا الحصر، وأن نقرأ النص وفق رؤية إيقاعية أوسع، خارج الوزن وحده، وخارج الإيقاع كدال مهيمن، حتى لا نُقلِّص من تَوَسُّعات الإيقاع في الشعر المعاصر، وفي الكتابة تحديداً. ونصير عروضيين، أكثر مِنْ شُعراء، لنا إحساسُنا الخاص بالأشياء، وبما أصبح يفِدُ علينا من أصوات، ونغمات، ليس الانسجام، بالضرورة، هو ما يحكمها، ولا هي حُداء إبِلٍ، فالمدينة، ليست هي الصحراء، ولا هي بادية نَجَدٍ، أو حيثُ كانت بُهْمُ قيسٍ ترعى قبل أن يُصِبِها الكِبَر. «الكرمل» تحتفي بمؤسسها محمود درويش مع صدور العدد 90 يكون قوس «الكرمل»، كما جاء في الافتتاحية، قد اكتمل، وتكون إحدى أبرز الدوريات الأدبية في العالم العربي قد وصلت إلى نهاية الشوط، بعد سبعة أشهر على رحيل مؤسسها، ورئيس تحريرها، الشاعر محمود درويش. ظهر العدد الأوّل من المجلة في شتاء العام 1981 في بيروت، واستمرت في الصدور حتى العدد الأخير، بالرغم من فترة انقطاع أولى أعقبت الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، حيث صدرت من العاصمة القبرصية نيقوسيا، وفترة انقطاع ثانية في أوائل التسعينيات، صدرت بعدها من رام الله، في الضفة الغربية، في العام 1996. وقد تعاقب على تحرير الكرمل، إلى جانب الشاعر محمود درويش، كل من إلياس خوري، وسليم بركات، وزكريا محمد، وحسن خضر، الذي تولى تحرير العدد الأخير. وكانت منذ ظهورها مرآة للثقافة العربية، وجسرا للتواصل مع الثقافة العالمية من خلال ترجمات ومتابعة لأبرز الأصوات الأدبية والفكرية في العالم. جاء العدد الأخير كتحية إلى محمود درويش في الذكرى الثامنة والستين لميلاده، على أمل أن يتحوّل يوم الثالث عشر من آذار من كل عام إلى مناسبة سنوية لإحياء ذكرى الشاعر، والاحتفاء بميراثه. وفي هذا السياق صدرت الكرمل في رام الله وعمّان وتم توقيت صدورها مع ظهور الديوان الأخير لمحمود درويش بعنوان «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» عن دار رياض الرّيس للنشر في بيروت. ضم العدد 90 قصيدة لمحمود درويش، لم تُنشر من قبل، بعنوان «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، إلى جانب مقالة لإلياس خوري سرد فيها كيفية العثور على القصائد الأخيرة لمحمود درويش، بعد رحيله، والضوابط التي حكمت تحقيق القصائد، وعنونتها، وترتيبها ضمن الديوان الجديد الصادر عن دار الرّيس. كما ضم ثلاث دراسات لكل من صبحي حديدي وفيصل درّاج وكاظم جهاد، تناولت جوانب مختلفة في عالمه الشعري، ومقالات لستيفن هيث، وانجيليكا نويفيرت، وأمجد ناصر، وقاسم حداد، إلى جانب شهادات لأكرم هنية، وليانة بدر، ومحمود شقير، وحسن خضر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©