السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مهاجرو المكسيك... والتحايل العرقي

11 سبتمبر 2007 23:24
في مدينة كنساس الأميركية يحقق مسؤولون فيدراليون مع أعضاء قبيلة هندية يزعم اتجارها بعضوية القبيلة وبيعها للمهاجرين غير الشرعيين، مشفوعة بوعد لحماية تلك الأوراق لهم من خطر استبعادهم وترحيلهم إلى خارج الحدود الأميركية· وورد على لسان ناطق باسم القبيلة، فقد باع ''كاويه'' الهندي ما يزيد على 10 آلاف بطاقة عضوية بأسعار تبدأ من 50 دولارا، إلا أن تقارير أخرى رفعت تلك القيمة إلى ما يصل إلى نحو 1200 دولار· المثير أن ما حدث إنما هو وجه واحد فحسب من وجوه الغش والاحتيال التي تستهدف فئات المستهلكين الأكثر ضعفاً وعرضة للخطر في الولايات المتحدة· كما أنه حدث يعكس مدى تعلق الكثيرين من المهاجرين غير الشرعيين بأي قشة تنجيهم من جحيم اللاشرعية وتساعدهم على تقنين إقامتهم في أميركا· أما الناحية الأخرى فهي حقيقة تاريخية محضة، لها صلة بتاريخ طويل من ممارسات مهاجري المكسيك وتحايلهم العرقي في سبيل تحسين أوضاعهم الاجتماعية· فخلافاً لمفهوم العرق الذي يحدد في الولايات المتحدة باعتباره خصائص بيولوجية فحسب، يفهم الانتماء العرقي في المكسيك بخصائصه الثقافية والطبقية، إضافة إلى خصائصه البيولوجية المتمثلة في الحمض النووي· فأن يكون المرء هندياً هناك، لا يكفي أن تجري دماء الهنود في عروقه، وإنما المقصود بالوصف ذلك الفرد الذي يحمل الصفات الهندية في طريقة حديثه ولبسه وسلوكه العام· أما أولئك الأفراد الذين ينحدرون من أصول بيولوجية هندية ويعيشون نمط حياة ''الهسبانك'' -نقيض حياة الهنود الأصليين- فيطلق على الفرد منهم صفة ''ميستيزو'' أي الهندي الخليط أو الهجين· وليس المقصود بهذا أن العرق في المكسيك خال من مضمونه الاجتماعي، فمنذ القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر، فرضت إسبانيا نظاماً تراتبياً عرقياً على سكان مستعمرتها المكسيكية، مع العلم أنه نظام يعطي الأولوية والأفضلية بين المواطنين لأولئك الأكثر قرباً من التراث الثقافي الأوروبي ومن ذوي البشرة البيضاء· وبموجب النظام نفسه تحددت علاقات مختلف التصنيفات العرقية من مكسيكيين بيض وسود و''ميستيزو'' وهنود بالثروة والسلطة والجاه، على أن يكون الفارق بينهم تراتبياً وهرمياً حسب الأفضلية العرقية المشار إليها آنفاً· ولكن الذي حدث على امتداد السنوات والعقود، هو ذوبان تلك الفوارق وانهيار النظام الذي فرضه الاستعمار، نتيجة لتزايد الاختلاط والتمازج بين شتى الانتماءات العرقية، غير أن هذه الفوارق لم تلغ تماماً، وهذا ما يفسر إعادة تعريف مستوطني ولايات تكساس وكاليفورنيا إلى اليوم من هؤلاء المهاجرين لأنفسهم على أساس عرقي، بهدف تحسين وضعهم الاجتماعي· وبموجب معاهدة ''جوادالوب هيدالجو'' التي وضعت حداً للحرب الأميركية-المكسيكية في القرن التاسع عشر، ووسعت رقعة المواطنة الأميركية حتى حدود تكساس وولايات الجنوب الغربي، فقد منحت الجنسية الأميركية للمكسيكيين قبل وقت بعيد من حصول المهاجرين السود والآسيويين، بل والمواطنين الأصليين الأميركيين أنفسهم عليها· ليس ذلك فحسب، بل إن المكسيكيين لم يكونوا من المصنفين بين البيض أصلاً، إلا أن الإحصاءات السكانية التي أجريت في أميركا بين الأعوام 1850 و1920 وضعتهم في خانة السكان البيض· هذا هو ما حفز المهاجرين المكسيك على رفع لافتات الاحتجاج متى ما جرى التمييز بينهم وبقية الأميركيين البيض في المدارس أو العمل وغيرهما· كان الوطنيون الأميركيون قد حاولوا الحد من تدفقات هجرات المكسيكيين في الجزء الأخير من العقد العشرين وطوال عقد ثلاثينيات القرن الماضي، عن طريق حذف العرقية المكسيكية من قائمة ''البيض'' في الولايات المتحدة، معتمدين على نصوص قانون 1924 الذي يحظر دخول المهاجرين بناءً على جنسيتهم· ولكن لم تصمد هذه الاستراتيجية طويلاً بعد أن جرى اختبارها عملياً في قضية ''توميتو أندرياس ضد جاليسكو'' التي رفضت فيها محكمة عقدت في بافالو بولاية نيويورك طلب الأخير -جاليسكو- اعتماداً على جنسيته المكسيكية· ولكن ما أن أثبت أنه هندي بنسبة 98 في المائة ومكسيكي بنسبة 2 في المائة فحسب، حتى وافقت المحكمة العليا على منحه حق الهجرة إلى الولايات المتحدة· ثم حدث تحول كبير في هذا المسار كله، بحلول عقد السبعينيات ما أن تمكن الناشطون من تغيير مسألة اللون إلى مسألة حقوق أقليات أميركية· وبالنتيجة فقد صدرت تشريعات مغايرة تماماً مثل قانون الفعل الإيجابي ورعاية حقوق الأقليات، بما فيها منح أفرادها حق التصويت والانتخاب· وهذا هو ما يفسر قصة قبيلة ''كاويه'' هذه· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©