الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القيادة اليابانية في مفترق طرق

القيادة اليابانية في مفترق طرق
8 سبتمبر 2007 23:44
تمثل انتخابات الغرفة العليا للبرلمان الياباني تحذيراً حقيقياً لرئيس الوزراء ''شينزو آبي''؛ ذلك أن حزبه -''الحزب الديمقراطي الليبرالي'' الحاكم- كان قد خسر الأغلبية في الغرفة العليا لأول مرة منذ تأسيسه عام ،1955 وهو ما جعل ''آبي'' في وضع ضعيف أمام خصومه السياسيين الذين قد يسعون إلى عرقلة ومنع تشريعات قادمة مهمة والضغط عليه من أجل الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها في الغرفة السفلى للبرلمان· وصل آبي إلى السلطة قبل عام تقريباً -في سبتمبر 2006- على إثر وعود بمواصلة السياسات الإصلاحية التي كان قد بدأها رئيس الوزراء السابق ''جونيشيرو كويزومي'' ذو الشعبية الكبيرة· والحال أنه شتان ما بين تقديم الوعود والوفاء بها، ففي 2005 سجلت معدلات التأييد الجماهيري لـ''كويزومي'' ارتفاعاً لافتاً -بعد ركود طويل- نتيجة تخلصه من الأعضاء المناوئين للإصلاحات في حزبه والذين كانوا يعارضون باستماتة خصخصة النظام البريدي· وقد عُدت خصخصة النظام البريدي في اليابان تحديداً خطوة جريئة وشجاعة من جانب ''كويزومي'' على اعتبار أن مهمة ''بريد اليابان'' لا تقتصر على توصيل الرسائل والطرود، وإنما يعد المؤسسة الرئيسية لحفظ المدخرات والتأمين في البلاد، بودائع يقدر مجموعها بنحو 3 تريليونات دولار· غير أن ''آبي''، وخلافاً لـ''كويزومي''، قام بإعادة تنصيب عدد ممن يطلق عليهم في اليابان لقب ''المتمردين البريديين'' -في إشارة إلى المناوئين لخصخصة البريد داخل ''الحزب الديمقراطي الليبرالي'' والذين كان ''كويزومي'' قد نحاهم من الحزب في 2005- مقابل وعود بالطاعة في المستقبل· والحقيقة أن سجل ''شينزو آبي'' على صعيد التجارة كان مخيباً للآمال أيضاً، فعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الياباني شدد كثيراً قبل انتخابه على تطلعه إلى التوقيع على اتفاقات للتجارة الحرة مع جيرانه مثل كوريا الجنوبية وأستراليا لمواجهة القوة الاقتصادية المتنامية للصين، إلا أنه سمح بالمقابل لوزير الزراعة بمعارضةِ محاولةٍ لإلغاء العراقيل المفروضة على الواردات الزراعية، باعثاً بذلك رسالةً ضمنيةً إلى مزارعي الأرز مفادها أنه ليس لديهم ما يخشونه، وأن امتيازاتهم ستظل مصانة!· بعد عام على وجوده في السلطة، من الواضح أن رئيس الوزراء قد اتخذ موقفاً حذراً في سياساته؛ غير أن ضغوط الحرس القديم داخل ''الحزب الديمقراطي الليبرالي'' جعلت ''آبي'' يبدو إصلاحياً دون ما كان المراقبون السياسيون يتوقعونه بعد الخطاب الذي طبع حملته المثالية العام الماضي· وعلاوة على ذلك، فإن أزمة المعاشات المتواصلة جعلت آبي يظهر بمظهر الزعيم غير الكفؤ· ثم جاء انتحار وزيره في الزراعة الذي كانت تلاحقه الفضائح، ليكرس هذه الصورة ويزيد متاعب حكومة ''شينزو آبي''· وإضافة إلى ذلك، يظل الشعب الياباني قلقاً بخصوص مستقبل نظام الرفاه الاجتماعي، الذي من المتوقع أن يعاني من صعوبات كثيرة خلال المقبل من العقود، بسبب انخفاض النمو الديمغرافي في البلاد· كما يشتكي اليابانيون كذلك من انعدام المساواة وما ينظر إليه كثير منهم باعتباره رئيس وزراء غير مهتم بالقضايا اليومية التي تشغل بال المواطنين اليابانيين· مما لا شك فيه أن لدى آبي ما يكفي من الوقت لترميم وإصلاح ما لحق بصورته من أضرار؛ بل ربما تكون الانتكاسةُ الأخيرة في الانتخابات دافعاً بالنسبة لرئيس الوزراء الياباني لانتهاج طريقة جديدة· ولكن التحديات كبيرة، فاليابان في حاجة ماسة إلى إصلاح اقتصادي، وتحسين نظامها الصحي، وسياسة تجارية تستفيد من قوتها الاقتصادية (تجدر الإشارة هنا إلى أن اليابان تظل ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة)· واللافت حتى الآن أن الصين أثبتت أنها أكثر حذقاً ومهارة على صعيد الدبلوماسية التجارية في شرق آسيا، حيث شهدت السنوات القليلة الماضية عدداً كبيراً من اتفاقات التجارة الحرة الثنائية ومتعددة الأطراف· السؤال الذي يفرض نفسه بقوة اليوم هو: هل سيشهد الخريفُ المقبل ظهورَ ''آبي'' جديد استخلص الدروس والعبر اللازمة من انتخابات يوليو الماضي؟ الواقع أن الوقت كفيل بالإجابة على هذا السؤال بطبيعة الحال، غير أنه إذا كان ''آبي'' حريصاً على الحفاظ على منصبه، فربما ينبغي عليه أن يتبنى مقاربة سلفه الجريئة، ويعيد أجندة الإصلاحات إلى مسارها· والواقع أن له من الصفات ما يساعده على النجاح في هذه المهمة؛ إذ من المعروف عليه أنه صادق وصريح، ويذهب إلى المطاعم المحلية بدون حراسة حيث يدخل مع الناس في حوارات بدون تحفظ· يحب آبي كثيراً استعمال عبارة ''يابان جميلة''· واللافت أن هذه العبارة لم تلفت انتباه الجمهور بعد؛ إلا أنها تُظهر مدى سعيه إلى خلق هوية إيجابية لبلاده· والواقع أنه إذا استطاع صقل وتلميع صورته وتمرير الإصلاحات التي يريدها اليابانيون، فربما مازال لدى آبي وقت لتدارك ما فات· رئيس معهد هادسون الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©