السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خربشاتي الأولى

14 ابريل 2009 22:39
لا أعلم متى بدأت «خربشاتي» الأولى، ومتى واتني فعل الكتابة هذا، وشدني إلى أعماقه، كموج يلتهم راكبه، غير أنني أذكر ذات مرة، «شخبطت» خاطرة على دفتري المدرسي، دونت بعض الكلمات التي قدرت على جمع حروفها، وتضمينها عبارات نابعة من قلب صغير، إلى أقرب قلب خفق له، وطار نحوه وجدا وعشقا. تلقيت أول رد فعل على ذلك من أستاذ في المدرسة، تفاجأ بما حواه دفتر مادته، حبذ أن يكون إطراؤه بطريقته الخاصة، فراح يقرأ خاطرتي على طلاب الصف، الذين أطلقوا ضحكاتهم وسخرياتهم، وتقاذفوا التعليقات على العاشق الصغير، ثم أتبعهم المدرس بالويل لهذا التلميذ، الذي انصرف إلى كتابة الخواطر و«الكلام الفاضي»، بدلا من أداء الواجبات، ومراجعة دروسه.. كان درسا قاسيا وغير منسي، لهذه الخربشة، التي اختفت ردحا من الزمن، حتى عادت بهيئة أخرى، وكيفية مغايرة. استرجعت ذلك، وأنا اقرأ عن أمسية «الخربشات الأولى» لمجموعة من الكتاب والأدباء في السلطنة، الذين عادوا بذاكرتهم لأيام الطفولة والشباب ـ بالنسبة لبعضهم ـ، ونهلوا من معين أيامهم حكايات وذكريات، كانت مثار دهشة وفرح وحزن في بعض الأحايين، لم تسلم من عصا المدرس لبعضهم، أو لعنات الأسرة للبعض الآخر، تذكرت ـ ما حدث لي، وللذين سردوا حكايات خربشاتهم الأولى ـ كيف إننا كثيرا ما نهمل، أو نجافي بواكير الإبداعات والمواهب الطفولية، التي لا تتعدى شخبطة بالألوان، أو جملة من بضع كلمات ترتسم على دفتر مدرسي، هو الأقرب لها. قلة من الآباء والامهات، وحتى الأساتذة والمدرسين ينظرون إلى هذه الشخبطات، كمواهب جديرة بالاهتمام، والتوجيه، والصقل، وهو ما حدث ـ مثلا ـ بالنسبة لرب أسرة، وجد في ابنائه حب الرسم والكتابة على الجدران، فقرر أن ينمي مواهبهم هذه، ويشبع رغباتهم الابداعية، بتخصيص غرفة مزودة بكل ما يلزم للوصول إلى سقفها وجدرانها، لتفريغ شحنات الابداع فيها، بدلا من الشخبطة على الجدران الأخرى للمنزل، وتلقي العقاب والتوبيخ على ذلك، أو وئد الموهبة في مهدها. مثل هؤلاء الصغار، يمكن أن نتنبأ بمستقبل باهر لهم، ونتأمل خيرا في ابداعاتهم الفنية، بحيث يمكن أن نراهم ذات يوم، مبدعين يجيدون الرسم على اللوحات كما على الجسور والأبنية والشوارع. وهكذا هي سيرة العظماء والعباقرة في شتى الآداب والفنون، إذ ان أول ما يقابلنا ـ في حياتهم ـ هو تأثير البيئة عليهم، ودور الأسرة في تشجيع اهتماماتهم، ورعايتهم، أو طمس موهبتهم، ودفن نبوغهم قبل نموه، وذلك هو المسار الذي يحدد ماهية الإبداع كيف يكون، وعلى أي صورة يتشكل. وبالنسبة لي .. فلأن مدرس ما في الابتدائية، زمجر وتوعد تلميذ، أراد أن يسلك أول خطواته في الكتابة، ولأن الأخير خاف من عقاب أكبر، فيما لو عاد لشخبطة الخواطر، وكلمات الحب على دفتره المدرسي، وانصرف عن الخربشة، وأجل فعل الكتابة، فإن موهبة كبيرة، كان سيكون لها شأن عظيم، توارت، وتأخر نموها، ولم تعد بالقدر الذي يضع اسم التلميذ ضمن قائمة المبدعين والأدباء.. وبدت «كتاباته» واهنة، وهي تشق طريقها، وتحاول أن تؤسس لخربشات لا تطولها «غضبة» أخرى، تقضي على آخر انفاسها. خلفان الزيدي khmz@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©