الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أمل دُنقل... الروح الشعرية عندما تحلق عالياً

أمل دُنقل... الروح الشعرية عندما تحلق عالياً
4 سبتمبر 2007 22:40
نص ''الطيور'' للشاعر المصري الراحل ''أمل دنقل'' كان قد كتب في مرحلة عصيبة من حياته وهي مرحلة مرضه، حيث كتبه الشاعر في العام 1981 أي قبل وفاته في مايو ،1983 ومن هنا تتأتى أهمية النص بوصفه حالة إسقاطية أو مرآوية لما يحدث في عالم الطيور فيسقطه الشاعر أو يعكسه على عالمه ومن ثم عالم البشر، والنص مكتوب بطريقة شفافة وتكاد تكون صادقة، فليس أمام إنسان يموت سوى الشفافية واليقينية المبدعة، إن طيور أمل دنقل وحسب ما سوف نفصله لاحقا كناية عن مصير الإنسان ورحلته الوجودية، ما يواجه الطيور يجانس ما يواجهه الإنسان، فالهجرة والتشرد أو حتى التدجين والقتل والسجن هي عوالم تعيشها الطيور ويعيشها الإنسان على السواء، وهو ما يلمح إليه النص بلغة شعرية شفيفة، إن شعرنة عالم الطيور بهذه اللغة المبدعة، وإسقاطها على عالم الشاعر، هو ما يلتقطه الشاعر أمل دنقل وهو ما سنبينه في قراءتنا لهذا النص· مستوى التكنيك النص على مستوى التكنيك متكون من ثلاثة مقاطع مرقمة بالأرقام ،1 ،2 3 على التوالي، المقطع الأول يتكون من جزءين، أما الثاني والثالث فهما ينطويان على جزء واحد لكل منهما، ولو بدأنا بالمقطع الأول (رقم 1)، لقرأنا عن طيور يسميها الشاعر ''مشردة''، هذه الطيور المحلقة عاليا على شكل أسراب أو فرادى، لا وطن لها وهي مندفعة بشكل غريزي إلى المجهول، إنها مشردة لا مكان لها على الأرض، وبيوتها هناك في أعالي الرياح،:- الطيور مشردة في السموات/ ليس لها أن تحط على الأرض /ليس لها غير أن تتقاذفها فلوات الرياح/ ربما تتنزلُ··/كي تستريح دقائق)· الطيور لا يمكنها أن تنزل أنى تشاء، بل هنالك أمكنة معينة هي ما يجب أن تقف وتستريح عليها،: - فوق النخيل - النجيل - التماثيل -/ أعمدة الكهرباء -/ حواف الشبابيك والمشربيات/ والأسطح الخرسانية)· في الجزء الثاني يلتفت الشاعر إلى نوع ثان من الطيور وهي الطيور الباقية في بلدانها ويصفها بالطيور المعلقة في السماء:-الطيور معلقة في السماوات/ ما بين أنسجة العنكبوت الفضائي: للريح/ مرشوقة في امتداد السهام المضيئة/ للشمس)· إن هذه الطيور والتي ليس لها القدرة على الهجرة هي طيور معلقة في سماء بلدانها، وكأنها ثريات تتلاعب بها الأنسجة العنكبوتية للريح وتتقافز من على أجسادها السهام المضيئة لأشعة الشمس، إن هذا النوع من الطيور كناية للناس التي لا تستطيع مغادرة أوطانها فهي لا تستطيع أن تعيش في وطن آخر، أما لضيق ذات اليد أو حبا في البقاء في وطنها الأم، ولكن مع ذلك فإن الشاعر يطالبها بالحركة والطيران:- (رفرفْ··/ فليس أمامك-/ والبشر المستبيحون والمستباحون: صاحون - /ليس أمامك غير الفرار··/ الفرار الذي يتجدد· كل صباح!) إن المقطع أعلاه مكتوب بين قوسين، وهو كمن يخاطب نفسه عندما وجد نفسه بين أناس ارتضت أن تكون مابين مستبيح ومستباح، إن الشاعر وجد أن لا طائل من مصير ليس له القدرة على تغييره، وليس هنالك سوى الفرار، وهو قرار يكاد يتجدد كل صباح· المستوى الإبلاغي على المستوى التقني نقرأ تشاكلا بين جزأي المقطع الأول، فهنالك وصف ثم استدراك، أي هنالك إخبار عن حالة ثم استدراك بصيغة المخاطب وهو متمثل في المقطعين الذين يبدأآن بفعلي الأمر (اهدأ وكذلك رفرفْ)، ولكن كما أسلفنا فإن المقطع الأول يتكلم عن طيور مشردة (مهاجرة) ليس لها وطن أو لفظتها أوطانها، وفي الجزء الثاني يتكلم عن طيور معلقة لا تبارح مكانها ولكنها تمارس لعبة مزرية بحق نفسها تتناوب فيها على دور الجلاد والضحية· في المقطع الثاني نقرأ عن طيور من نوع آخر، وهي طيور لا تطير وليس لها القدرة على الطيران، هذه الطيور هي الطيور الداجنة، وهي ليس لها قدرة على تغيير مصيرها، إذ إن مصيرها بيد الآخرين، وهي سعيدة على ماهي فيه، وراضية على أسرها بسعادة غامرة: -والطيور التي أقعدتها مخالطة الناس،/ مرت طمأنينة العيش فوق منا سرها··/ فانتفخت،/ وبأعينها·· فارتخت،/ وارتضت أن تقاقئ حول الطعام المتاح/· في الأخير نقول إن هذا النص المرهف للشاعر أمل دنقل يعبر عن صراع الإنسان مع الحياة ، وإذا علمنا بأن الشاعر كان قد كتبه في أيام محنته ومرضه، فهو يحيل إلى رسالة يريد الشاعر إيصالها للمتلقي والقارئ في كل حين، وهي رسالة معبرة وتدل على روح شاعرة وشفافة تصارع الموت بكل نبل، إن الشاعر أمل دنقل كان طائرا معلقا ومرفرفا في سماء مصر عاش ومات فيها، إلا أن عمر جناحه قصير، فأورثه حياة بعد حياته ومكانة يستحقها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©