السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فضيحة روتينية

فضيحة روتينية
13 ابريل 2009 22:31
كنت سيء الحظ والأداء والتفكير والحالة المعنوية في ذلك الاختبار الذي تعقده المصلحة التي أعمل بها للموظفين ، وكانوا يجرونه علينا في المركز الرئيس بالقاهرة.. هكذا مررت بلحظات أليمة، ولكني تلقيت درسًا قاسياً هو أن علي أن استعد للاختبار القادم بصورة أفضل .. لي صديق في شؤون الموظفين اتصل بي هاتفياً وقال في ارتباك: ـ»احم .. هناك تقرير قد وصل المصلحة من المركز الرئيس، وهو تقرير شديد السوء .. أقترح أن تسلمه للمدير بيدك لأنه سيمر على عشرين موظفاً لو تم تسليمه بالإجراءات المعتادة .. أعتقد أنك لا تحب أن يقرأه كل موظف وكل ساع في المصلحة ..» شكرته بشدة وفي الصباح هرعت إلى مكتبه لآخذ التقرير .. كان في غاية السوء طبعاً يتضمن عبارات مثل: «تبين أن أداء السيد (عبد العظيم عبد العظيم) في منتهى السوء، وأنه لا يفقه شيئاً في مهنته، وأنه نموذج سيء للموظف، وأنَّ عقله كعقل بعوضة .. مع جزيل الشكر». هكذا أخذت التقرير الرهيب في حقيبة مغلقة وحملته للمدير بعد ما تأكدت من أن مكتبه خال، فألقى عليه نظرة عاجلة.. كان يثق بعملي ويرتاح لي، لذا لم يعلق كثيراً.. وضعه في درج مكتبه، فعرفت أن الأمر انتهى.. لكني نسيت أنني في مصر حيث ولدت البيروقراطية، وحيث هناك حرب ورقية مستعرة بين الجهات المختلفة طيلة الوقت. هكذا فوجئت بسكرتيرة المدير تتصل بي لتقول في حرج إن هناك مذكرة سيئة ترغب في أن أسلمها بنفسي للمكتب الرئيس في القاهرة بدلاً من أن يتداولها ألف موظف.. هرعت لمكتبها فوجدت رد المدير مطبوعاً بأناقة: «السيد مدير المركز الرئيس. وصلتنا مع الشكر مذكرتكم المؤرخة بتاريخ ...... بخصوص السيد (عبد العظيم عبد العظيم)، والتي تفيدنا بأن أداءه في منتهى السوء، وأنه لا يفقه شيئاً في مهنته، وأنه نموذج سيء للموظف، وأن عقله كعقل بعوضة .. وقد تمت إحاطتنا بهذا مع الشكر». أخذت الورقة وسافرت بها إلى المركز الرئيس في القاهرة وسلمتها بنفسي، وعدت ... عدت لأجد بانتظاري مذكرة من المركز الرئيس تقول: «السيد مدير مصلحة (.....).. نشكركم على إخبارنا بأنكم تلقيتم تقريرنا الخاص بالسيد (عبد العظيم عبد العظيم)، والذي يفيد بأن أداءه في منتهى السوء وأنه لا يفقه شيئًا في مهنته وأنه نموذج سيء للموظف، وأن عقله كعقل بعوضة .. ونحن نعتمد عليكم في إبلاغ الأقسام الخاصة كل حسب تخصصه بالتقرير مع إخطارنا بأية تغييرات...... وتفضلوا بقبول وافر الشكر» بصعوبة أنقذت هذا التقرير اللعين ودخلت به إلى المدير ، فقرأه بسرعة ثم وضع عليه تأشيرة تقول: «تخطر الأقسام جميعًا بهذا». حملت صورة من التقرير إلى إدارة المحفوظات، فكتب مدير الإدارة إلى مدير المصلحة: «السيد مدير مصلحة (.....).. نشكركم على إخبارنا بالتقرير الخاص بالسيد (عبد العظيم عبد العظيم)، والذي يفيد بأن أداءه في منتهى السوء وأنه لا يفقه شيئاً في مهنته، وأنه نموذج سيء للموظف، وأن عقله كعقل بعوضة .. وسوف نتخذ الإجراءات اللازمة مع الشكر». هكذا مررت بصور التقرير على كافة أقسام بالمصلحة كي أقلل من عدد الأيدي التي تتعامل معه. وفي النهاية صدر تقرير من مكتب المدير يقول: «السيد مدير المركز الرئيس . بناء على مذكرتكم المؤرخة بتاريخ ...... بخصوص السيد (عبد العظيم عبد العظيم)، والتي تفيدنا بأن أداءه في منتهى السوء، وأنه لا يفقه شيئاً في مهنته وأنه نموذج سيء للموظف، وأن عقله كعقل بعوضة .. تمت إحاطة كافة أقسام المصلحة بذلك بناء على تعليماتكم، وتفضلوا بقبول وافر الشكر». رد المركز الرئيس بمذكرة حرصت على أن استلمها بنفسي قائلاً: «نشكركم بشدة على إبلاغ كل أقسام المصلحة بأن أداء السيد (عبد العظيم عبد العظيم) في منتهى السوء، وأنه لا يفقه شيئاً في مهنته، وأنه نموذج سيء للموظف، وأن عقله كعقل بعوضة .. ونرجو لكم دوام التوفيق». الآن أنا ألاحق هذا التقرير منذ عام .. ويبدو لي أنه قادر على التوالد ذاتياً كالبكتريا والفيروسات، وقد وجدت أنني نجحت في تقليل عدد من عرفوا الحقيقة إلى 1600 موظف بدلاً من أن يكونوا 1700.. من الصعب وسط كل هذه البيروقراطية أن يمر تقرير مرور الكرام. على إنني سعيد الحظ لأنهم لم يبلغوا الفضائيات بالأمر.. لكني كلما فتحت التلفزيون توقعت أن تقول المذيعة الحسناء: «جاءنا الآن ما يلي .. تبين أن السيد (عبد العظيم عبد العظيم)، له أداء في منتهى السوء، ولا يفقه شيئاً في مهنته، وهو نموذج سيء للموظف، وعقله كعقل بعوضة .. نلتقي الآن مع مراسلنا في القاهرة لنعرف التفاصيل».. لم تأت هذه اللحظة بعد، لهذا ما زلت أعتقد أن (السر في بير)..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©