السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دارفور... تعقيدات الصراع ومخاطر الصوملة

دارفور... تعقيدات الصراع ومخاطر الصوملة
3 سبتمبر 2007 23:50
لقد بدأ البعض -من ذات القبائل العربية المتهمة بارتكاب المذابح الجماعية ضد المدنيين في الإقليم- بتوجيه الأسلحة نفسها إلى بني قبيلته، جراء نشوب نزاعات فيما بينهم حول غنائم الحرب ومنهوباتها، مع العلم أنها خلفت وراءها مئات القتلى وعشرات الآلاف من الذين شُرِّدوا من ديارهم وقراهم· فخلال الأشهر السبعة الماضية، خاضت كل من قبيلتي ''الترجم'' و''المهرية'' معارك ضارية فيما بينهما سواء من على ظهور الجمال أم من سطح مركبات الشحن الصغيرة، وكلتاهما من القبائل العربية المسلحة بالأسلحة الثقيلة، وقد وصفهما مسؤولون من الأمم المتحدة بأنهما مارستا جرائم الاغتصاب والقتل الجماعي بحق المدنيين في الجزء الجنوبي من إقليم دارفور، ضمن الجرائم المنسوبة لمليشيات ''الجنجويد'' سيئة السمعة· وحسب المعلومات الواردة من عمال الإغاثة والمقاتلين أنفسهم من كلا الطرفين، فقد شنت كلتاهما الغاراتِ العنيفةَ المتبادلةَ على القرى، مما أسفر عنه نزوح أعداد كبيرة من القرويين العرب هذه المرة، والتحاقهم بذات مخيمات النازحين التي زج إليها عشرات الآلاف من المواطنين الأفارقة في الإقليم· وذكر مسؤولون من الأمم المتحدة أن آلاف المسلحين من كلا الجانبين المتقاتلين، بمن فيهم القادمون من مسافات تبعد مئات الأميال، قد توافدوا على منطقة ''وادي بلبل'' التي تعتبر منطقة استراتيجية لموارد المياه، في ذات الوقت الذي تصاعدت فيه المواجهات المسلحة بين قبيلتين عربيتين أخريين هما ''الهبانية'' و''السلامات'' في الجزء الأقصى من جنوب دارفور· وعلى الرغم من أن النزاع الدارفوري كثيراً ما وصف بأنه مذابح جماعية ترتكبها المجموعات العربية المدعومة من قبل الحكومة المركزية في الخرطوم، بحق المدنيين المنتمين إلى القبائل غير العربية في الإقليم، إلا أن المواجهاتِ العربيةَ-العربيةَ الجاريةَ الآن تشير إلى مدى تعقيد هذا النزاع وصعوبته· وسرعان ما تحوّل ما كان قد اندلع بالأمس باعتباره تمرداً مضاداً وحشياً في هذا الجزء الغربي من السودان قبل أربع سنوات، إلى نزاع حر معقد وفوضوي مفتوح أمام الكل، تتقاتل فيه عشرات القبائل الإقليمية مع بعضها البعض، إضافة إلى فتحه البابَ على مصراعيه أمام انتشار المليشيات والعصابات المسلحة، التي تواصل القتال فيما بينها، إلى جانب استهدافها المستمر لعمال الإغاثة هناك· ومن جانبهم قال مسؤولون من المنظمة الدولية إن عدد قتلى هذه النزاعات الداخلية، قد فاق كثيراً عدد قتلى النزاعات الدائرة بين فصائل التمرد والقوات الحكومية نفسها خلال الفترة الأخيرة التي انحسرت فيها نسبياً النزاعات بين جانبي التمرد والحكومة· وعلى رغم أن عدد قتلى النزاعات العربية-العربية هذه لم يبلغ بعدُ عدد قتلى ذروة النزاعات التي دارت بين التمرد والحكومة أو المليشيات المدعومة من قبل الحكومة، إلا أن مسؤولي الإغاثة بالذات يبدون تخوفاً من أن يخرج النزاع القبلي الجاري حالياً عن السيطرة· وعلى حد تصريح ''موريزيو جوليانو''، مسؤول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالسودان ''فإن هذا التشرذم الحادث بين المجموعات القبلية نفسها في الإقليم، لفي مقدمة اهتمامنا، لكونه يخلق أوضاعاً أكثر صعوبة وتعقيداً سواء بالنسبة لمواطني الإقليم أم لعمال الإغاثة الذين يحاولون مساعدتهم ومد يد العون لهم''· هذا وقد علقت خريطتان على حائط مكتب السيد جوليانو في الخرطوم، توضحان مناطق النزاع والخطر الأمني في الإقليم· وتعود إحدى الخريطتين إلى شهر مايو من عام ،2006 حيث لم يسد اللونان البرتقالي والأصفر سوى جيوب صغيرة متفرقة من الإقليم· أما الخريطة التي تعود إلى شهر يونيو الماضي من العام الحالي، فيكاد اللونان الدالان على نسبة ومدى الخطر، يطغيان على المنطقة بأسرها· هناك من مسؤولي الأمم المتحدة من يعتقد أن المليشيات المسلحة هذه، تكثف من جهودها الآن على أمل الحصول على السلطة قبل النشر المتوقع للقوات الدولية الهجينة، المؤلفة من قوات دولية وأخرى تابعة للأمم المتحدة في الإقليم بحلول نهاية العام الحالي· والنتيجة أن تصاعدت النزاعات بين القبائل العربية نفسها، في ذات القرى التي أحرقت بالأمس وسالت فيها أنهر من دماء المدنيين· وعلى الرغم من إلقاء الكثير من الدبلوماسيين الغربيين وعدد آخر من المنتقدين باللائمة على حكومة الخرطوم، متهمين إياها بتسليح القبائل العربية في بادئ الأمر، وهو الاتهام الذي طالما نفته حكومة الخرطوم، إلا أن عدداً من المراقبين المستقلين يرون أن الحكومة ليست طرفاً في الدفع بالنزاع إلى هذه المرحلة التي تشكل أخطر مراحله على الإطلاق· هذا وقد صرح الكولونيل ''جيمس أوديبا''، قائد عام قوات الاتحاد الأفريقي بمدينة ''نيالا'' نافياً أن تكون الحكومة لا تزال تواصل تسليحها لمليشيات الجنجويد· وأكد ''أوديبا'' أن المشكلة الحقيقية الآن هي نشوب النزاعات الداخلية بين الفصائل والعصابات المسلحة نفسها· إلى ذلك ذهب بعض مسؤولي الإغاثة إلى تشبيه ما يحدث في دارفور بما تشهده الصومال، مع العلم أن النزاع الصومالي هو الأطول على الإطلاق في تاريخ النزاعات المسلحة الحديثة، وقد بلغ حد الفوضى العارمة التي تحكمها بنادق .AK-74 فالذي يحدث الآن في إقليم دارفور هو استمرار وتواتر دوريات العصابات التي يتخفى مقاتلوها في الزي الأخضر الذي ترتديه القوات النظامية، ويتربص هؤلاء بالشاحنات المسافرة في الطرق البرية، والتي عادة ما تستخدم لنقل البضائع والمسافرين على حد سواء، فينزلون جميع الركاب منها لممارسة السطو على الممتلكات واغتصاب النساء· بل بلغ الحد بهؤلاء، تنفيذ أوامر لوردات الحرب القاضية بجبي الضرائب من المواطنين· وبالنتيجة فقد امتدت مجرات كاملة من أشكال وأصناف التمرد والنزاع القبلي في الإقليم: حركة تحرير السودان الكبرى، جنود القوات الشعبية، مجموعة السودان الديمقراطية، وغيرهم من القادمين الجدد·· لتتسع دائرة النزاع المسلح، في ذات الوقت الذي ينكمش فيه الفكر والأيديولوجيا السياسية· ولكي نتفادى التعميم، فإنه يلزم القول إن المذابح الدموية التي ارتكبت بحق المجموعات الأفريقية من مواطني الإقليم في عام ،2003 لم تشارك فيها جميع القبائل العربية هناك· غير أن هناك من الأدلة ما يؤكد مشاركة قبائل ''المهرية'' و''الترجم'' المقتتلة فيما بينها الآن· ومكمن الخطر في هذا كله، التراجع الملحوظ في عدد عمال الإغاثة العاملين في الإقليم نتيجة لتصاعد وتائر العنف والنزاعات· فقد انخفض عددهم الآن إلى 12,300 فحسب، بما يعادل نسبة 16 في المئة قياساً إلى العام الماضي· مراسل نيويورك تايمز - نيالا -دارفور ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©