الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بستان السعادة..

بستان السعادة..
1 سبتمبر 2007 02:40
لم يدفعني أي لقب في هذه الدنيا إلى التفكير فيه أكثر من لقب ''صاحب السعادة''؛ فحامله يدّعي أنه يمتلك أجمل معنى يطمح إليه الإنسان في حياته ألا وهي السعادة، فلا أجمل من العيش ''سعيداً'' بهذا العالم، وليس هنالك أمنيه أسمى من أن ترى أبناءك وأهلك والأقربين سعداء· وبما أنني كنت لا أرى أصحاب السعادة إلا في التلفاز أو في الصحف والمجلات ولم تسمح لي الظروف يوماً بالاقتراب منهم، فقد كنت أراهم أشبه ما يكونون من عالم ثانٍ، كيف لا وهم يمتلكون السعادة على الرغم من عيشهم في خضم هذا العالم المملوء بالأحداث غير السعيدة فابتداءً من الأخبار السياسية ومروراً بالاقتصادية والاجتماعية وحتى الرياضية لا تسمح لك بأن تكون سعيداً؛ فإذا سمعت نشرة الأخبار آلمك ما يجري بالعراق وفلسطين والصومال ولبنان، وإذا تركتها وذهبت باحثاً عمّا يسمى في الإعلانات بـ ''متعة تسوُّق''، فوجئت بزيادة أسعار البضائع، أما إذا تابعت أخبار الرياضة فستجد أنك مضطر للحزن على عدم فوز فريقك، فتضطر إلى سماع نشرة الأحوال الجوية لتجد اعاصير هنا وفيضانات هناك وشرحاً عن الاحتباس الحراري حتى تشعر أنك في رعب مناخي· جميع هذه الأخبار تحزنني ناهيك عن اقتراب بدء المدارس ورحلتي الطويلة مع أقساطها، وطلبات الأولاد، ورسوم الرحلات المدرسية شبه الأسبوعية· لكن الجميل في كل هذا أن صاحب السعادة مستمر في سعادته كما أظن· فأقول لنفسي: إن الخلل بالتأكيد فيَّ، وفي إدارتي للأمور ما دمتُ لم أستطع أن أصل إلى السعادة كمثل أصحابها· ظل هذا اللقب الجميل يراودني كحلم، ويشهد الله ليس كون هذا اللقب يعني مركزاً وظيفياً أو اجتماعياً أو حتى سياسياً، فقط لأن صاحبها يمتلك السعادة، وهو ما افتقده ويفتقده معي كثيرون، على الأقل أصدقائي ممن ليسوا من أصحاب السعادة· حتى شاءت الظروف أن أتعرف في يوم ما على صاحب سعادة فما أكبر فرحتي فقلت في نفسي لأتقربن له عسى أن يدلّني يوماً على سره الذي أوصله إلى السعادة فانقطعت عن أصدقائي الذين تعوّدت الجلوس معهم والخوض في أمور لا تمت إلى السعادة بصلة سوى من بعيد، وزاد ابتعادي عنهم واقترابي من صاحب السعادة الذي لم أره يوماً سعيداً كما توقّعت، بل تمنيت فعللّتُ ذلك بأن السعادة سر خطير لا يبوح لي به بسهولة فلم يكن أمامي إلا الصبر لأن نهايته امتلاك سر السعادة، وبما أني لا أستطيع كثيراً الابتعاد عن أصدقائي القدامى، فذهبتُ إليهم يوماً كعادتي السابقة وفوجئتُ بهم قد سعدوا برؤيتي بعد غياب، فتبادر إلى ذهني أن أحد أسباب السعادة هو لقاء الأحبَّة والأصدقاء، وهذا ما لم أره في صاحبي الذي لازمته من أجل سر السعادة· بعد الحديث مع أصدقائي، قررّت أن أبوح لهم بسر انقطاعي، فقلت لهم إن انقطاعي عنكم هو للصالح العام، فأنا قررّت أن أجعلكم أصحاب سعادة جميعاً بعد أن أعرف طريقها من صاحبها الرسمي وشرحت لهم· اقتنع أصحابي المساكين بذلك وتأمَّلوا خيراً سوى واحد منهم كان صامتاً حتى قاربنا من الانتهاء من الحديث فقال لنا: أتعلمون ما سبب تسمية صاحب السعادة ومن أين جاءت؟· فلم نجد جواباً، فقال: إن سبب هذه التسمية جاءت من الدولة العثمانية حيث كانت عاصمتها الآستانة وهي اسطنبول حالياً، وفيها مقر الخليفة العثماني، وكان لقصر السُّلطان الرسمي بابان أحدهما اسمه ''الباب العالي''، والآخر باب يسمى ''باب السعادة''، فإذا استدعاكَ السُّلطان، وأدخلوك عليه من الباب العالي استحققتَ لقب ''معالي''، وإذا دخلت عليه من ''باب السعادة'' استحققت لقب ''صاحب السعادة''· هالنا ما سمعنا وأُحبطنا فسكتنا فافترقنا من دون سلام ولا كلام فهو قد أسقط في أيدينا أكبر أمل لنا في إيجاد أقصر الطرق للحصول على السعادة· ومن يومها كنتُ كل ما أرى صاحبي صاحب السعادة أعرف أنه مثلي لا يعني اللقب الذي يحمله بأنه سعيد· f.hawas.hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©