الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الزحام يخنق المطارات العالمية

الزحام يخنق المطارات العالمية
30 أغسطس 2007 21:08
كثيراً ما يتبادر إلى أذهان مبرمجي حركة الطيران في المطارات العالمية الكبرى السؤال المهم: هل من الأفضل استخدام عدد كبير من الطائرات الصغيرة، أم عدد قليل من الطائرات الكبيرة من أجل حل مشكلة ازدحام المطارات؟· وهل هناك ثمة طريقة لتجنب ظاهرة تأخر الرحلات وتجنّب ما تثيره من اضطراب في حركة المطارات ذاتها؟· لا شك في أن التوصل إلى أجوبة دقيقة وشافية عن هذه الأسئلة يتطلب الكثير من البحوث الميدانية المعقدة· وتهتم الكثير من مراكز البحوث الآن بهذه القضايا الشائكة بعد أن لاحظت مدى التعقيد الذي تنطوي عليه المشكلة المعقدة على الرغم من أن بعض المطارات العالمية أصبحت من حيث ضخامتها أشبه بمدن صغيرة· ونشرت صحيفة (ذي وول ستريت جورنال) تقريراً تحت عنوان: (الطائرات التجارية الصغيرة تزيد من حالات تأخير الرحلات في المطارات) جاء فيه أن استطلاعاً للرأي أجري مؤخراً في العديد من مطارات الولايات المتحدة أثبت أن الغالبية العظمى من المسافرين تفضل السفر بالطائرات الصغيرة· وهذا الاختيار يمكن أن يزيد الضغوط على الطواقم المتخصصة بتنظيم حركة الإقلاع والهبوط في المطارات لأنه يزيد عدد الرحلات المبرمجة فيها· ويعرض التقرير مثالاً حيّاً يمكنه أن يوضّح بطريقة عملية مدى الارتباك والتأخر في الأداء الذي تشهده بعض المطارات الأميركية نتيجة كثافة الحركة الجوية· ففي الساعة الخامسة من صباح يوم الأربعاء الموافق 8 أغسطس الماضي، كان صفّ طويل من الطائرات المحلّقة فوق مطار (لاجوارديا) في نيويورك ينتظر الإذن بالهبوط· وبعد ساعة كاملة كان من المفترض حسب جداول الهبوط أن تهبط على المدرجات 41 طائرة على نحو متتابع، إلا أن المدرّجات لا يمكنها استقبال هذا العدد الكبير من الطائرات خلال هذه الفترة القصيرة مما أدى إلى تأخر 33 طائرة عن الهبوط في الوقت المحدد وبلغ زمن التأخر بالنسبة لإحداها ثلاث ساعات كاملة· ومع تفاقم هذه المشكلة بشكل مستمر، يمكن للمخططين أن يتخيلوا أن من الأفضل بالنسبة لشركات الخطوط الجوية أن تستخدم طائرات عملاقة يمكنها أن تنقل عدداً كبيراً من الركاب في الرحلة الواحدة· واتضح من الإحصائية المذكورة أن من بين الطائرات التي بلغ عددها 41 كانت هناك 21 طائرة صغيرة، أو بمعدل النصف· فلو كانت كلها من الطائرات العملاقة لما تعرض المطار لهذا الضغط الكبير· وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نظام السفر الجوي في الولايات المتحدة بلغ في بداية الصيف الجاري عنق الزجاجة، وسجلت 30 بالمئة من مجمل الرحلات المبرمجة في شهر يونيو الماضي حالات تأخير· ووصل المعدل العام للتأخير إلى رقم قياسي لم يسجل مثله من قبل حيث بلغ 62 دقيقة للرحلة الواحدة· وكان لهذا الواقع المحبط الذي يسود المطارات المزدحمة في العالم أجمع أن يثير جدلاً واسعاً حول ما إذا كان من الضروري إنفاق مليارات الدولارات على تحديث وعصرنة نظام التحكم بحركة الطائرات في المطارات، أم أن المشكلة تكمن في شركات الخطوط الجوية ذاتها بعد أن اتضح أن العديد منها أصبحت تختار الاستثمار في نقل الركاب بالطائرات الصغيرة وتركز على الخطوط التي تتجه نحو المطارات المزدحمة· وهذا يؤدي ببساطة إلى زيادة عدد الرحلات لنقل عدد محدد من الركاب وما يتبع ذلك من زيادة في كثافة حركة الإقلاع والهبوط في المطارات والممرات الجوية القريبة منها· وتظهر الإحصائيات أيضاً أن نصف عدد الطائرات التي تستخدم مطار (لاجوارديا) في نيويورك هي طائرات صغيرة، وهي الظاهرة نفسها التي تلاحظ في مطار (أوهير) المزدحم في شيكاغو والذي ينفق الآن مليارات الدولارات لتوسيع مدرجاته وزيادة أعدادها· ووفقاً لدراسة أنجزتها شركة استشارية تدعى (إكلات كونسالتينج)، فإن الأمور لا تختلف كثيراً في كل من مطار (نيوآرك ليبرتي) في نيوجيرسي أو مطار (جون كينيدي) في نيويورك وحيث تبلغ نسبة الطائرات الصغيرة التي تستخدم هذين المطارين 40 بالمئة· ويمكن لمجمل أعداد الطائرات من الفئات المختلفة التي دخلت الخدمة في الولايات المتحدة خلال عام 2006 أن تفسّر الكثير من أسباب هذه الأزمة· ووفقاً لإحصائيات نشرتها شركة (إيرلاينز مونيتور) لدراسات الطيران، فقد أدخلت شركات الخطوط الجوية الأميركية في الخدمة 385 طائرة عملاقة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2006 إلا أنها ضمّت إلى خطوطها خلال الفترة ذاتها 1029 طائرة صغيرة للرحلات الداخلية أو الإقليمية· وبدأت قضية الازدحام الجوي تملأ صفحات الصحف وتشغل وسائل الإعلام· وبدأ بعض كبار الخبراء وصنّاع القرار في الإدارة الفيدرالية للطيران المدني في الولايات المتحدة بالتعبير عن اعتقادهم من أن مشكلة تأخر الطائرات يمكن التخفيف منها (وليس حلها تماماً) عندما تقتنع شركات الخطوط الجوية بضرورة استبدال الأعداد الكبيرة من رحلات الطائرات الصغيرة بعدد أقل من رحلات الطائرات الكبيرة· إلا أن هناك مشكلتين أمام هذا الحل، تكمن الأولى في أن شركات الخطوط الجوية تفضّل العمل بنظام الرحلات الكثيرة بطائرات صغيرة من أجل تخفيض معدل الكيلومترات المقطوعة بالمقاعد الفارغة، وتكمن المشكلة الثانية في أن معظم الركاب يفضلون السفر بالطائرات الصغيرة بدلاً من الكبيرة· ومن الجدير بالذكر أيضاً الإشارة إلى أن عدد العمليات في كل واحد من مطارات الولايات المتحدة عادة ما يكون محدداً سلفاً من قبل الإدارة الفيدرالية للطيران المدني بحسب حجم بنيته التحتية ومستوى الحركة الجوية التي يشهدها· ويقصد بـ (العملية الواحدة) إما إقلاع أو هبوط طائرة ما، كبيرة كانت أم صغيرة· ومن ذلك مثلاً أن الإدارة حددت أقصى عدد للعمليات في مطار (لاجورديا) في نيويورك بـ 75 عملية في الساعة الواحدة عندما تكون حالة الطقس ممتازة· وينخفض هذا العدد عند هبوب العواصف أو الرياح القوية، وفي مثل هذه الحالات تطلب الفيدرالية من شركة الخطوط الجوية إلغاء أو تأخير رحلاتها حتى يتمكن المطار من مواجهة هذه الحالة المعقدة· وفي بعض الأوقات، لا يحدث الاختناق في الحركة الجوية بسبب ازدحام مدرّجات الهبوط والإقلاع، بل يأتي من السماء عندما تزدحم الممرات الجوية المؤدية إلى المطارات وللدرجة التي تجبر الطائرات على تغيير مساراتها مما يؤدي إلى تأخرها في الوصول· العملاقة في المطارات الكبرى خلال العام الماضي، حاولت الإدارة الفيدرالية للطيران المدني التصدي لمشكلة ازدحام الحركة الجوية في المطارات الأميركية من خلال خطة معقدة تفرض على شركات الخطوط الجوية زيادة حجم طائراتها المتوجهة إلى المطارات الكبرى كمطار (لاجوارديا)· إلا أن هناك أوجهاً أخرى لهذه المشكلة تجعل من مثل هذه الحلول مجرد إجراءات ارتجالية، ومنها مثلاً أن المدن الصغيرة في الولايات المتحدة تحتاج إلى طائرات صغيرة تربطها بنظام النقل الجوي العام ومنها مثلاً مدينة ماديسون بولاية ويسكونسين، ومثل هذه المدينة لا تحتاج إلى طائرات عملاقة للنقل الجوي بسبب صعوبة تأمين العدد الكافي من الركاب· فهل يعني هذا أن يمتنع مطار (لاجوارديا) عن استقبال المسافرين الذين سيصلون جواً من مطارات تلك المدن؟· وتفضّل شركات الخطوط الجوية الاستثمار بالطائرات الصغيرة بسبب انخفاض تكاليف التشغيل· ويكون من أسباب هذا الانخفاض أنها تستخدم لقيادة هذه الطائرات طواقم تقلّ أجورها عن تلك التي تقود الطائرات الكبيرة· ويضاف إلى ذلك أن شركات الخطوط الجوية تسعى إلى ضمان تحليق الطائرات بأقل عدد ممكن من المقاعد الفارغة، وهو الهدف الذي يمكن تحقيقه بسهولة عند استخدام طائرات ذات عدد محدود من المقاعد· ثم إن استخدام عدد كبير من الطائرات الصغيرة على خط معين يعني زيادة عدد الرحلات واختلاف مواعيدها، وهذا يتفق مع الحركة السريعة والمفاجئة لرجال الأعمال· وقد يفسر كل ذلك السبب الكامن وراء ازدهار ونجاح شركات الخطوط الجوية الداخلية في الولايات المتحدة مثل (ديلتا إيرلاينز) و(يونايتد إيرلاينز)· ومعظم الطائرات التي تستخدمها هذه الشركات تقل طاقتها الاستيعابية عن 100 مقعد· الطائرات الصغيرة أفضل يضع خبراء صناعة الطيران تفسيراً غريباً لإقبال شركات الخطوط الجوية العالمية على الاستثمار في الطائرات الصغيرة عقب الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر من عام ·2001 ومن ذلك مثلاً أن الانخفاض الكبير في الطلب على السفر الجوي الذي سجّل عقب تلك الأحداث، صرف تلك الشركات عن الاهتمام بشراء الطائرات الضخمة· أما الآن، فلقد سجلت العودة القوية لقطاع الطيران التجاري، إلا أن شركات الخطوط الجوية ما زالت تشغّل طائراتها الصغيرة، بل وجدت أمامها أيضاً فرصة أتاحتها الأسواق لتشغيل هذه الطائرات على الخطوط الدولية لمواجهة هذه الطفرة المفاجئة في الطلب على السفر الجوي والتي تعود للزيادة الكبيرة في معدل النمو الاقتصادي في العالم وما رافقها من انفتاح تجاري بين مختلف الدول· وربما كانت هذه هي أهم الأسباب التي جعلت شركات الخطوط الجوية في الولايات المتحدة تتردد في زيادة أعداد الطائرات العملاقة على خطوطها الداخلية والدولية· ومع التزايد المتواصل في أعداد المسافرين والرحلات الجوية، كانت مشكلة تأخر بعض الرحلات عن الوصول في الأوقات المحددة تتفاقم منذ عام ·2003 وهذه الظاهرة تزداد سوءاً كل عام وفقاً لدراسة أنجزها مكتب إحصائيات النقل في الولايات المتحدة· ففي الفترة الممتدة بين بداية يناير ونهاية يونيو من عام ،2003 وصلت 83 بالمئة من الرحلات في أوقاتها المحددة مقابل 72,7 بالمئة خلال الفترة ذاتها من العام الجاري· وتكمن المشكلة في أن تأخر أي طائرة عن الوصول في الوقت المحدد يعني أيضاً تأخرها في الإقلاع للرحلة التالية وبالتالي تأخرها عن الوصول حسب الجدول المعمول به في مطار الوصول· وعندما تكثر هذه الحالات إلى الحدود التي تصبح معها شائعة في معظم المطارات العالمية فإن ذلك يسبب لطواقم تنظيم الحركة الجوية الكثير من الإرباك والتشوّش الذي يضاف إلى مشكلة ازدحام الأجواء بالمزيد من الطائرات ومحدودية القدرة الاستيعابية للممرات الجوية· الرسوم مقابل الوزن من بين الحلول المقترحة لمشكلة ازدحام المطارات في الولايات المتحدة، تغيير نظام دفع رسوم الهبوط· فالمطارات تحدد هذه الرسوم بحسب وزن الطائرة، حيث تدفع الطائرة الصغيرة رسوماً أقل من التي تدفع عن هبوط طائرة كبيرة على الرغم من أن عملية الهبوط هي نفسها بالنسبة لحركة تشغيل المطار· ولهذا السبب اقترح بعض الخبراء تحديد رسم موحّد لهبوط الطائرات الصغيرة بصرف النظر عن حجم الطائرة· وهناك اقتراح آخر يقضي بفرض رسوم هبوط أكبر على الطائرات الصغيرة من أجل تشجيع شركات الخطوط الجوية على استخدام الطائرات الكبيرة· واقترح خبير آخر فكرة تعويم قيمة الرسوم المفروضة على الهبوط بحيث ترتفع قيمتها كلما زاد الطلب خلال اليوم، حيث تبلغ أعلى قيمة لها في ساعات ذروة الحركة الجوية· ويمكن لهذا الإجراء أن يشجع شركات الخطوط الجوية على توزيع أوقات رحلاتها بشكل أكثر تباعداً على مدار الأربع وعشرين ساعة بدلاً من تركيزها على أوقات الذروة من أجل ضمان امتلاء مقاعد طائراتها بالمسافرين· وهذا الحل هو من بنات أفكار خبيرة تدعى دوروثي روبين تعمل مستشارة في مجموعة (براتل جروب) وكانت تشغل منصب مستشارة لشؤون الطيران في إدارة الرئيس بيل كلينتون· ويعلق مسؤولو شركات الخطوط الجوية على مثل هذه الإجراءات بالقول إن أي تغيير في رسوم الهبوط التي لا تزيد عن 2 بالمئة من مجمل تكاليف التشغيل لن يمثل بالنسبة لهم دافعاً يمكنه أن يحملهم على تغيير سلوكاتهم وخاصة لأن زبائن الطائرات الصغيرة يبحثون عن الخدمات التي تناسبهم من حيث أوقات الوصول· وتدرس الفيدرالية الأميركية للطيران المدني العديد من الحلول المساعدة الأخرى مثل منع شركات الطيران من اعتماد طريقة (الرحلات الوسيطة) التي تقف فيها الطائرة في مطار وسيط (ترانزيت) يقع بين مطار بداية الرحلة ومطار الوصول النهائي· ويتضح من كل ذلك أن ازدحام المطارات في معظم المدن العالمية الكبرى أصبح من المشاكل المعقدة التي لا يبدو أنها ستجد حلها المناسب قريباً· نظام جديد لمراقبة الحركة تنطوي عملية تنظيم حركة هبوط وإقلاع الطائرات ومتابعتها وهي على مساراتها الجوية، على الكثير من الصعوبة والتعقيد· وفي الوقت الراهن، يتم توجيه الطائرات المحلقة إلى مقاصدها من خلال سلسلة من محطات الرادار· وتبدأ هذه السلسلة من برج المراقبة في المطار الذي تقلع منه الطائرة، وقد تمر الطائرة بمدى استشعار واحدة أو اثنتين أو أكثر من محطات المراقبة الرادارية التي يبلغ عددها 22 والمتوزعة في أماكن متباعدة من سطح الأرض· وتتابع كل واحدة من هذه المحطات مسار الطائرة عندما تصبح على ارتفاع 18 ألف قدم أو أكثر عن مستوى سطح الأرض· وتستمر هذه الحال حتى تدخل الطائرة مدى استشعار رادار برج المراقبة لمطار الوصول الذي يتدخل لتوجيهها بشكل صحيح إلى مدرج الهبوط· وتكمن مشكلة نقص دقّة الرادارات المستخدمة حالياً في أنها تستغرق 36 ثانية حتى تتمكن من تحديد إحداثيات موقع الطائرة في السماء بعد استشعارها· وهو وقت طويل بالنسبة لطائرة تحلق بسرعة 500 ميل في الساعة (800 كيلومتر في الساعة) أو ما يعادل ثلثي سرعة الصوت· وهذا يؤدي إلى الافتقار للدقة الكافية في التوجيه وخاصة عندما تقترب الطائرة من مطار الوصول· وتعمل الإدارة الفيدرالية للطيران في الولايات المتحدة على ابتداع نظام جديد لتوجيه الطائرات يخلو من كل العيوب المذكورة ويلغي العمل بالنظام التقليدي المستخدم الآن· وهو لا يعتمد أبداً على نظام محطات الرادار الأرضية بل على النظام الفضائي لتحديد الموقع (جي بي إس)· يطلق على النظام الجديد اسم (نيكست جين) NextGen اختصاراً لعبارة إنجليزية تعني (الجيل التالي) وتتلخص وظيفته بتقديم معلومات فورية بالغة الدقة عن الإحداثيات التي تتواجد عليها الطائرة في أية لحظة وعند كل الارتفاعات· وهو يحدد لكل طائرة وبطريقة آلية بحتة مسارها الخاص الذي يضمن لها عدم الاصطدام بالطائرات الأخرى؛ كما يحدد لها المسار الجوي المباشر من دون الحاجة لتغيير المسار مرات متعددة أثناء التحليق· ويتم الاتصال بالأقمار الاصطناعية لتحديد الموقع من جهاز خاص يثبت في واجهة قيادة الطائرة يعرف بالرمز ADS-B ويعمل بشكل آلي على مراقبة حركة الطائرة ووجهتها الدقيقة حتى الوصول إلى المطار المقصود·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©