السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفرقاء العراقيون... عقبة أمام المصالحة السياسية

الفرقاء العراقيون... عقبة أمام المصالحة السياسية
26 أغسطس 2007 03:57
يدلل التقويم الذي نشرته وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية الخميس الماضي، على أنه رغم زيادة عدد القوات في العراق، فإن ذلك لم يدفع باتجاه التسوية السياسية، التي كان يمكن أن تؤدي إلى الأمن والاستقرار طويل الأمد، والنمو الاقتصادي· بيد أن ما لم يوضحه هذا التقويم هو السبب الذي جعل التوصل إلى تلك التسوية أمراً صعباً· يرجع ذلك إلى أن العراق لا يزال مكاناً ينتشر فيه العنف والخوف، بدرجة تجعل من الصعب تحقيق هذه التسوية، خصوصاً بعد أن تحوّل- كما يقول بعض المعلقين والمسؤولين السياسيين- إلى دولة ''خليوية'' أي دولة منقسمة إلى خلايا يتزايد عددها باستمرار، وتنخرط في صراعات ضد بعضها بعضاً، ويجد معظمها أنه يمكن أن يحقق من خلال استمرار العنف ما لا يمكن أن يحققه من خلال التسوية· ففي معظم المناطق في العراق اليوم، أصبحت الحكومة المركزية إما غير ذات أهمية أو غير موجودة، وهو ما أدى إلى تحويل تلك المناطق إلى ساحات تدور فوقها الصراعات بين القوى المتنازعة· وقد نتج عن هذا الوضع أن الطوائف الدينية والعرقية الرئيسية في بلاد الرافدين، وهي الشيعة والسُّنة والأكراد- أو على الأقل فصائل داخلها- قد توصلت إلى خلاصة مؤداها أنها تستطيع تدبير أمورها بشكل أفضل من الحكومة· حول هذه النقطة يقول ''نبيل محمود'' أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بغداد: ''لا يمكن لأي أحد أن يعتمد على سياسيين يختلفون معه في الرؤية، ولا يوجد بينه وبينهم مصالح مشتركة''· وفي الحقيقة، إن مبدأ الاعتماد على الآخرين غائب تماماً عن فكر القوى السياسية المشاركة في الحكومة العراقية، وما يحدث في الواقع، هو أن كل قوة من تلك القوى تعمل من أجل الحصول على ما تعتبره نصيبها المستحق من المناصب والموارد''· والأكراد بفضل ما يتمتعون به من حكم ذاتي، يجدون أنفسهم اليوم في وضع أفضل من غيرهم فيما يتعلق بالاستفادة من إخفاقات الحكومة· فحماية الأميركيين لهم خلال السنوات الأخيرة من حكم صدام حسين، أدت عملياً إلى فصل إقليمهم عن باقي العراق، ووفرت لهم الظروف التي ساعدت على ازدهار ذلك الإقليم اقتصادياً، وهو ما تتبدى مظاهره في أبراج المكاتب ذات الواجهات الزجاجية التي ارتفعت في سماء مدن مثل ''أربيل''، وفي العمال الأجانب الذين تدفقوا على مختلف مدن الإقليم من أجل فرص العمل· وفي بداية هذا الشهر، أقدم الأكراد على اتخاذ خطوة أخرى في إطار عملية النأي بأنفسهم عن بقية العراق، وذلك عندما مرر البرلمان الكردي قانوناً إقليمياً للنفط، سيجد طريقه للتحقق الكامل، إذا لم يتم وضع قانون النفط الوطني موضع التنفيذ· مع ذلك تظل الطائفتان الشيعية والسُّنية هما الطائفتان اللتان تتحملان معظم المسؤولية عن الجمود السياسي الحالي في العراق، والطائفتان اللتان يمكنهما تحقيق أكبر قدر من المكاسب من بقاء الوضع الحالي المتدهور على ما هو عليه· والشيعة بالذات، نجحوا في الاستفادة من ضعف الحكومة المركزية بعدد من الطرق: فالمليشيات الشيعية في المدن ذات الأغلبية الشيعية مثل البصرة تخوض في الوقت الراهن قتالاً علنياً ضد بعضها بعضاً من أجل السيطرة والنفوذ والمناصب ولا يتورع مقاتلوها عن قتل المسؤولين والمحافظين في تلك المدن· ونظراً للثروات النفطية الهائلة في تلك المنطقة، فإن تدخل الحكومة المركزية فيها يعد من الأمور غير المرحب بها على الإطلاق من جانب القوى الشيعية· وفي العاصمة بغداد تم افتتاح مكاتب تديرها مؤسسة ومليشيا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر· ويُقال إن تلك المليشيا المعروفة باسم ''جيش المهدي'' قد أصبحت تتحكم الآن في إدارة طائفة من المشروعات المتنوعة التي تشمل تجارة العقارات والثلج والغاز والسلاح· ويقول أحد قادة هذه المليشيا إنها تسيطر على ما يقرب من 70 في المائة من محطات البترول في المدينة· وعلى الرغم من أنه من الصعب التحقق من دقة هذا الرقم، إلا أن ما قاله هذا المسؤول، يتفق في مضمونه مع ما يقوله المسؤولون الأميركيون وهو أن ''جيش المهدي'' قد أصبح يدير شبكة معقدة من المصالح بأسلوب يمزج فيه بين الوحشية وبين البيزنس· ولم يكن غريباً والحال هكذا أن يطلق السفير الأميركي في بغداد ''رايان سي· كروكر'' على جيش المهدي اسم'' مؤسسة المهدي المساهمة''· ويلعب مقتضى الصدر دوراً بارزاً في الحكومة، ويسيطر على بعض الوزارات المهمة مثل وزارة الصحة، ويقول المراقبون إنه لولا دعمه للمالكي لما أصبح الأخير رئيساً للوزراء· ولكن ما حدث مؤخراً هو أن الصدر وأتباعه- كما فعل آخرون غيرهم- قد انقلبوا مؤخراً على السيد المالكي وتكرر انسحابهم من الحكومة تعبيراً عن الاستياء·· ولكن الأمر لم يصل إلى حد إقدام الصدر شخصياً على المطالبة بتغيير المالكي· ويقول المراقبون هنا إنه لم يفعل ذلك لأنه يدرك أن احتمال ذهاب المالكي وقيام حكومة قوية، يمكن أن يجعله هدفاً لحملات من جانب مثل تلك الحكومة· يعلق على هذه النقطة ''قاسم داوود'' وهو عضو شيعي في البرلمان بقوله: ''إن جميع الناس الذين يعملون خارج إطار القانون بمن فيهم المليشيات والإرهابيون وزعماء القبائل يستفيدون من الأوضاع الحالية··· فهم جميعا أناس يتعيشون على الأزمة، ويحققون نفوذاً من خلال استمرارها''· علاوة على ذلك تكونت مراكز قوى من الجماعات السُّنية في الأنبار، التي تلقت مئات الملايين من الدولارات من الأميركيين مقابل التعاون معهم، في القضاء على مسلحي تنظيم ''القاعدة'' في بلاد الرافدين، كما تكونت أيضاً مراكز أخرى للقوى السُّنية في محافظة ديالى وفي المناطق التي تسكنها أغلبية سنية في بغداد وما حولها· وعلى رغم أن زعماء السُّنة يصرحون بأنهم يودون الانضمام للحكومة، فإنهم يشترطون أن يحصلوا أولاً على الأموال والسلاح وحرية الحركة· ويقول الأميركيون إنهم لا يعرفون ماذا سيفعل السُّنة بعد أن يحصلوا على ما يطالبون به وما يعتبرونه نصيبهم في السلطة· ويقول تقويم الاستخبارات الوطنية إنه إذا لم تقم الحكومة العراقية بالتحرك بسرعة من أجل استيعاب القبائل، فإن الدعم الأميركي لتلك الحكومة، قد ينتقل بسرعة إلى المحافظات والمناطق الأخرى، وهو ما سيقوض الجهود الرامية لفرض سلطة مركزية، ويعيد مجدداً تنشيط المقاومة المسلحة لحكومة بغداد· سيعني ذلك أن الاستراتيجية الأميركية في المناطق السُّنية التي وصفت على نطاق واسع بأنها مبشرة، قد ينتهي بها المطاف إلى تشجيع الطائفية وتقويض الديمقراطية التي سعت أميركا دوماً من أجل دعمها في العراق· والقادة السُّنة العرب الذين انسحبوا من الحكومة يقولون إنه ليس أمامهم من خيار سوى البقاء في المعارضة، لأن السيطرة الشيعية على الحكومة غير شرعية، ولأن مشاركتهم في تلك الحكومة ومصادقتهم على قانون النفط العراقي الجديد يعتبر من المحرمات بالنسبة لهم· في الحقيقة، إنه وبالنسبة للعديد من العراقيين فإن رؤية الحكومة وهي تعمل كيد واحدة- في الوقت الذي يستثمر فيه الآخرون من أجل إبقائها ضعيفة- يشكل مدعاة للانزعاج أكثر مما يشكل سبباً للابتهاج·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©