السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

موسيقى السكن الأفقي

24 أغسطس 2007 03:10
أمضيت خمس سنوات من حياتي في أبوظبي أسكن في شقق عدة كان أغلبها في منطقة النادي السياحي وبعضها في شارع خليفة· ضرورات حياة المغترب أو الوافد تفرض عليه الانتقال من مكان إلى آخر بين أحياء المدينة، وكان نصيبي في مطلع هذا العام أن انتقل بسكني من وسط أبوظبي إلى منطقة المُشرف على تخوم مركز المدينة، انتقل من طبيعة سكنية عمودية إلى أفقية، ومن مجتمع سكني أدمن العيش في أبراج عمودية إلى مجتمع اعتاد العيش في دور ومساكن ذات أحواش وحدائق أفقية لا يتجاوز أعلاها الطابقين· ومن مجتمع اعتاد العيش في إيقاع صاخب الحركة إلى مجتمع يعيش في إيقاع حركة هادئ· تنبض حركة الحياة في المنطقتين موسيقى؛ ففي فجر كل يوم تبدأ حركة الناس في أبوظبي بوضوح تام، لكنه أوضح في المُشرف لأن ساكنها يرى في الأفق أشخاصاً نمطيين في ظهورهم اليومي، إذ ترى موزع الخبز يلفُّ على البيوت، وترى بعده موزِّع الصحف، وتلاحظ أيضاً عمال التنظيف يمارسون عملهم الخدمي، وترى بعض الشغيلة من الأيادي الآسيوية في حركة نشطة لقضاء خدمات يومية نمطية· وبين السابعة والسابعة والنصف صباحاً تبدأ مركبات الساكنين بالتهيؤ للانطلاق نحو أعمالهم ليعود الهدوء، بعد ذلك مطْبقاً، في شوارع المدينة الفرعية لساعات تصل إلى ما بعد الظهر· في السكن العمودي لا ترى من وجه جارك سوى بوز عابس، وترى في عين الناطور رقيباً لا يملُّ من دسِّ أنفه في كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة· في السكن الأفقي لعل الأمر يختلف، فجارك يلاقيك بوجه نشط، بل وجه تساؤلي فيما كنتَ بحاجة إلى حاجة ما يمكنه إجراؤها لكَ· وأطفال الجيران مرحون معك لأن فسحة المكان الأفقي تجعلهم في حرية أكثر للعلاقات مع الناس، أكثر من تلك التي تمنحها لهم ردهة أي طابق في سكن عمودي· ولا يبدو المكان مُضاقاً بالسيارات سوى القليل ما يعني أن متسعاً من الأمكنة هي لسيارتك في أي وقت تأتي بيتك أو تذهب عنه إلى داخل المدينة أو إلى أي مشوار آخر· في أيّام المدارس تبدو الحياة في السكن الأفقي ألذُّ؛ فالتلاميذ كالزهور يخرجون من بيوتهم صوب مدارسهم، وكالحمامات الشائقة عندما يعودون إلى بيوتهم، ترى في فسحة المكان المبسوطة حركتهم اليومية بوضوح، والباصات الملوَّنة التي تأتي لنقل بعضهم إلى مدارسهم تضفي على الشوارع بهاء الطفولة حتى لتكون ساعة ذهابهم وساعة عودتهم موعداً للبراءة البشرية التي يحنُّ إليها أي إنسان تقادمت عليه سنوات العمر· في المُشرف، حيثُ أسكنُ راهناً، لم أجرِّب بعدُ أيام رمضان، لكنني أعتقد أنها ستكون بطعم روحاني خاص هذه السنة، ثمَّة أربعة جوامع رائعة العمران جميلة الكيان تحيط بشارعي الذي أسكن فيه، ولعل نسمات أيلول ستكون طيِّبة الريح هذه المرَّة، وأتمنى على هذا الأيلول أن يكون كما قال الشاعر ابن الرومي: يا حبَّذا ليل أيلول إذا بردت فيه مضاجعنا والريح سجواءُ· كل عام والمُشرف بل وأبوظبي والإمارات وجميع العرب والمسلمين بخير· rasmad8@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©