السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رماد الذهب

23 أغسطس 2007 06:07
تأتين·· من غابة الليل، بيضاء، وفي يدك الشمس تأتين·· برائحة ملساء، في عزلة النوافذ، في الضجر الخفيف، العابر على شعرك، وأنت المتصدعة على جسدي، رخام يهيم برخام، والقمر ينزف لأنه معتم في جسدك.. وأقول: كيف خسرت الضوء، وأنا المقيم في وهجك، أقتل الخسران كي ينتصر عليّ، علّ الهواء يأتي بك من محبس العطر، علّ الريح تجوب في سنابل الموتى، وتدغدغ أجسادهم في ضباب الأبد· تأتين.. أنت فقط، من قسوة الماء، من حرير محنط تأتين، أقبل يديك·· وفي شظاياك أنكسر، أقبل جبينك وأتلاشى، وها أنا في هدير الملائكة أذوب، وفي رفيف الأجنحة أتبخّر، ولا أراك، أصطدم بسراب وحوريات في عراء النقطة، أناديك بفم دائخ، ومن شدة وضوحي لا أراك، أنادي على ''السدرة'' وظلها المقبور في النسيم، ولا أسمعك، وكأن البراري تؤذن للفناء، وكأنك حارسة الأشلاء، وحاضنة الخراب، يدك على جرحي، وجرحي شاهق كالندم· ظفرت بك في النأي، في شهوة المعدن للحم، في شبق ''الرمرام'' للندى، اقتنصتك من العافية ومرضت، وما كانت علتي من سأم أو ضلال، بل من الوجد الذي لا يوجد إلا فيك، ولا يكتمل إلا في نقصان حضورك، هو التراب الذي سال على الطين، وهو الطين الذي تخلّق في الطير وحلّق· أزورك في هجرة النارنج، وترنح التبغ على خيط دخان، أزورك في حدائق رمادية، قبل ولوج الحب في إبرة السم، وقبل اندلاعك في قلبي مثل حربة، أسيل على السرير، وأسبح في نسغك، أحمل العظمة الثقيلة للوقت، وفي بحيرات النوم أغيب، وها أنا كأجمل الموتى أفيق، وألقي بعصاي الكفيفة لوديان وكوابيس وأفواه عميقة، صحبة تماسيح ولقالق، ورفقة زهور متوحشة في غرف الرهبان، أجوع وأشرب غيابك، وأتخبط كالضمآن في السراب والحجرات الفسيحة، أنا الخنجر المتأمل في الطعنة، أنا جسدك الغريب في ألفة الأجساد، أنا ماؤك الشحيح، الفالت في القيظ، والمنفي عن الآبار· مقترن باليباب، ومحفوف بالوهن، أتيتك من سابع المحبة، وصدري فراديس وحمم، أتخبط في سراب وأصحو، وكل النهارات موصدة، فائض على النبع وألهث، وفوقي غمام نحيل، يروق لي الغيث فأتحجر، ويشفع لي الطير فأتهاوى، أمرّ على جنتك وأتصبب، أمرّ على غرف حوتك وأتبدد، هذا هواء (الكافور) يتمزق في الذكرى، هذا سيل من حصى، يغسلني بدم فضّاح، يداري سوءة النهر ويرميني للضفاف، أراك في عناق التماثيل، في منتهى الشرفات أراك، أحرر العصافير بنغم باطل، والنايات في فمي جمرات، فأي عافية للصبر وأي سلوى، ضجّت المدائن بالخواء، فكل درب بهاوية، وكل طفل بقبر، ناخت الأيام على رملها، والشياطين ارتوت من طيشي، وكنت أراك، وكان الغبش يحيطني من كل ناحية وصوب، وكان الصدى يتقشّر في دهاليز منسية، وهناك من يطرق الغابة ويناديني، وأنا في المفازة محشور في الغبار، والصوت أسمعه، لكنه ذابل وأجوف، وفي المدينة أطوف، ولا بيت يدعوني، أميل على الجدران، فتميل بي على هاويات وحُفر، وأقول: سوف تمطر، وسوف يزول غبار قديم بين أصابعي والغيم، وسوف أراك في صحو النوافذ، وجلاء الرواق، وسيهطل غناؤك مثل رماد الذهب، ونثار الصواعق·· ولا تأتين ! ibrahimalmulla@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©