الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصر الحصن.. مهد البناء الأول

قصر الحصن.. مهد البناء الأول
5 فبراير 2015 21:00
نسرين درزي (أبوظبي) بيئة صحراوية لا تحدها إلا أشجار النخيل ومكعبات الطين في البناء القديم، يقف قصر الحصن شامخاً، محافظاً على هيئته الأثرية، ولا تظهر عليه علامات الكبر، وكأنه يأبى بمحياه الأبيض أن يشيخ. ومع الاهتمام المتزايد بتعزيز الدور التاريخي للقصر «الأسطورة» كأقدم مبنى في مدينة أبوظبي، يتحول هذا الصرح الذي يعود لأكثر من 252 عاماً إلى وجهة سياحية تفاخر بالكشف عن أصالة المجتمع المحلي. شاهد أمين إلى جانب مئات ناطحات السحاب والأبراج المبهرة على امتداد إمارات الدولة، سيكون بإمكان زوار العاصمة التعرف إلى أمجادها من خلال ألبوم الصور الحية التي تبثها مرافق قصر الحصن، المتربع وسط المدينة كشاهد أمين على عصر تروي كل حبة رمل فيه كيف تصنع الحضـارات، وتبنــى الأوطان. هي جولة لا تشبه أي جولة سياحية أخرى على أرض الإمارات التي غدت مرآة للأيقونات المعمارية العصرية، إذ تحتفظ مع كل خطوة بمفهوم آخر للسفر إلى الماضي، تشبع من خلاله الفضول المتعطش لزيارة البدايات. ومنذ اللحظة الأولى لعبور البوابة العريقة التي تتجلى فوقها أحرف قصر الحصن، وتتوزع زخرفات أقواسها، يسكن شعور بالوقار ينبع من الرهبة التي تنشرها خيوط الماضي على سعة الساحات المحيطة بالمقر الأول والاستكشافات الأولى. ويمزج قصر الحصن بما يمثله كمعلم تاريخي في ذاكرة الوطن بين الماضي والحاضر في توليفة تضيء على القيمة الحقيقية للموروث الشعبي. وتكشف أجنحة القصر ووحداته الداخلية والخارجية طبيعة الحياة قديماً عندما كان الأجداد يمارسون حرفهم التقليدية في مواجهة تحديات البيئة الصحراوية. وتنعم الوفود السياحية الزائرة للقصر بجولات تعريفية على التصاميم الأثرية والأدوات المعيشية لمجتمع أبوظبي، والتي تظهر من خلال معارض توثيق التطور المعماري والحضاري للدولة على مدار قرنين ونصف القرن. وتتمثل في البناء والشعر وفنون الحياكة بالخوص والتلي والمشغولات المستوحاة من التراث، وتعكس لوحات من الفلكلور، تتجلى في العروض الشعبية ورقصات اليولة والعيالة. ولا تقتصر هذه المشاهدات الحية لتاريخ أبوظبي على فعاليات مهرجان قصر الحصن الذي يقام سنوياً، وإنما تمتد لتشمل برنامج زيارات، يتم تنظيمها بالتعاون مع هيئة السياحة والثقافة على مدار العام. أولى الحكايات أولى الحكايات تمتد إلى القرن الثامن عشر عندما ظهرت المياه العذبة في جزيرة أبوظبي، وكان لابد من تشييد برج لمراقبة المكان الذي سرعان ما تحول إلى حصن منيع، وأصبح فيما بعد مقراً لإقامة أسرة آل نهيان الحاكمة. والتفصيل المثير في هذه المبادرة التي اعتبرت سابقة في ذلك العصر، أن المواد المستعملة لبناء قصر الحصن كانت من الأحجار المرجانية والبحرية. وفي حينه لم يكن من السهل اعتماد طلاء مناسب للظروف المناخية، حيث وقع الاختيار على خليط من الكلس والرمال والأصداف المطحونة. أما الأرضيات التي لايزال جزء كبير منها على حاله فهي مغطاة بخشب أشجار القرم والأسقف المصممة بأسلوب لافت لدقة البناء التقليدي. وكلها أدوات جمالية تحولت إلى معجم أساسي لفنون العمارة الأصيلة. وهذه الأحداث الثابتة التي تروى أمام زوار القصر تفاخر به كأول مبنى تم تشييده في إمارة أبوظبي، وبالدور البارز الذي لعبه كدليل للتجار المقبلين على المدينة من مختلف أنحاء المنطقة. وتظهر صوره القديمة كيف تحول محيطه إلى ما يشبه القرية الصغيرة التي تنتشر حولها الأكواخ المصنوعة من سعف النخيل. ومع تراجع تجارة اللؤلؤ في المنطقة، حان وقت التنقيب عن النفط، الذي ترافق مع أعمال التوسعة التي شملت مختلف أجزاء القصر مع خمسينيات القرن التاسع عشر. وفي الثمانينيات قرر المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، أن يتم إجراء أعمال تجديد شاملة على مبنى قصر الحصن، ليحوله من مقر إقامة للأسرة الحاكمة إلى متحف ومعرض لمجموعات أثرية، ترتبط بتاريخ أبوظبي ومنطقة الخليج. ومن المحطات البارزة التي يتعرف إليها زائر قصر الحصن المتتبع لملاحم أبوظبي وإنجاراتها أن المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، أمر في أواخر الستينيات ببناء مقر المجلس الاستشاري الوطني خارج جدران القصر. وقد شهد هذا المقر انعقاد الاجتماعات التي ناقشت اتحاد الدولة عام 1971. عرس تراثي مع اقتراب الدورة الثالثة من مهرجان قصر الحصن في الفترة من 11 إلى 21 فبراير الجاري، الذي تحول إلى عنوان ثابت على أجندة أبرز الأحداث السياحية والثقافية في أبوظبي، أورد بطي المهيري، عضو اللجنة المنظمة، أن مهرجان قصر الحصن أصبح أحد أبرز الفعاليات الثقافية والتراثية في الدولة. وهو يضم باقة من الفعاليات، التي تحتفي بالتاريخ والثقافة والتراث المادي والمعنوي والفنون الشعبية، التي تقام في رحاب الصرح الوطني الشامخ، وفي أجزاء من مبنى المجمع الثقافي. وقال إن زوار المهرجان يحظون بتجربة تفاعلية تمتزج بعروض الفنون والحرف الشعبية والأنشطة العائلية وتلك المخصصة للأطفال، والتي تسهم في تعزيز الهوية الوطنية، وتسرد ملاحم سطرها أجيال من الإماراتيين تغلبوا على تحديات الحياة في الصحراء، وأرسوا دعائم مجتمع حديث. أحدث الإضافات أعمال الترميم تسير على مدار العام على قدم وساق ضمن مربع قصر الحصن، الذي يشهد زيارات متعاقبة لاستشاريين ومهندسين، شغلهم الشاغل الإبقاء على مفردات العمارة الأثرية فيه، مع وضع لمسات ضرورية لمنحه هذا الوميض اللامتناهي كصرح تاريخي. وأحدث هذه الإضافات إعادة استخدام نظام البرجيل التقليدي للتهوية، الذي يعد من أقدم الأساليب المتبعة في التبريد من خلال الأقواس المتراجعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©