الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أطفال يربون آباءهم

أطفال يربون آباءهم
5 فبراير 2015 21:00
خورشيد حرفوش (أبوظبي) يحتاج الطفل دائماً إلى من يقول له «لا» عند الخطأ أو الخطر، شرط أن نستطيع الجمع عند قولها بـين «الحنان والحزم».. لأن التربية السليمة لا تعني «إطلاق الحبل على الغارب» أو «تصيد أخطاء الطفل» في ظل حاجته إلى رقابة مستمرة. ولفتت دراسة اجتماعية إلى أن أهم ما تتوخاه التنشئة السليمة، المساهمة في بلورة ضمير الطفل، في الوقت الذي تكسبه تلك التنشئة قيم الدين والأخلاق والنظام، وحب العمل، واحترام الغير، وحرية الآخرين، وقيمة الوقت، والنظافة، والتعاون، ومعنى الملكية العامة والخاصة، ولياقة التعامل، وغير كل ذلك من مفردات القيم والمثل والأعراف والتقاليد التي تكون ثقافته منذ وقت مبكر. وأوضحت أنه الكبار يسوقون نصائحهم وتوجيهاتهم وتحذيراتهم للصغار، وأحياناً يغيب عنهم درجة استيعاب الطفل لما يقال.. فعندما يجد الوالدان صعوبات في منع الطفل من الاستغراق كلياً في اللعب وإقناعه بأن هناك وقتاً للجد، ووقتاً للطعام والنوم، ووقتاً للعب، يكتشفون أنه أصبح تدريجياً أحرص أفراد الأسرة على النظام، وتتفاجأ الأم أو الأب بأن الابن ينبهما إلى كل ما هو خطأ، فإذا وقعت عيناه على خطأ ما سيتدخل ويقول «لا». وحذرت من تعالى الأب أن يراجعه طفله الصغير في بعض القواعد التي تعلمها منه في السابق أو تلك التي تعلمها من المدرسة أو خلال مشاهداته للتلفاز، لكن إذا كان عالم الكبار مصدراً لـ «الحق والواجب»، و«الخير والإثم»، و«الصواب والخطأ»، فكيف يتأتى لهم أن يقبلوا بتوجيه الصغير؟. يقول الدكتور عبد الرحمن عيسوي، أستاذ علم نفس النمو: «اعتراف الكبير بالخطأ البين يسعد الطفل كثيراً، لما له من دلالة على مصداقية ما تعلم واكتسب، إنه يقوي في أعماقه القدرة على الضبط الاجتماعي، ويمدّه بالسعادة، لأنه سيدرك أن عالم الكبار لم يعد المصدر الأساسي الذي يستقي منه التعليمات أو المعرفة، وأن ضميره ينمو باعترافنا له بالخطأ عندما نخطئ، لأنه يبدو كالقاضي الذي لا يقبل أي مخالفة لقانون الضمير، فالعالم عنده فقط أحد اللونين «الأبيض أو الأسود» فقط. وكشف عيسوي عن أن الطفل يجد في قواعد الدين ما يؤكد له شخصيته، وتبدأ قيم العبادة والعقيدة في التكون كأساس مهم من أسس تكوين الشخصية المستقلة، حيث نجد أن الطفل خلال رحلة الأعوام الستة التي تبدأ من العام السادس وتنتهي عند العام الثاني عشر، ينمو لديه مشاعر الحب، وتعلم قواعد الأخلاق، والقدرة على الضبط الاجتماعي بدءاً من تعلقه بالأم وانتمائه إلى الأب، ثم خروجاً من دائرتهما إلى عالم الاستقلال الشخصي، والقدرة على إدراك العالم الخارجي، وإدراك معنى الرب، والعبودية للرب، ومعنى الطاعة والامتثال لمبادىء الدين والقيم المجردة التي تدعو لها الأديان، ومفهوم محاسبة النفس، والضمير، وغير ذلك من مفاهيم هي في حاجة إلى توضيح، ودعم، وتفسير من قبل الأسرة والمدرسة والمجتمع». ويضيف الدكتور عيسوي: «إن أفضل دور للأب هنا في هذه المرحلة أن يكون صديقاً للابن، يوجهه بهدوء وحزم ومن دون قسوة عند الحاجة، ويجب أن نتعامل مع الطفل خلال هذه الأعوام الستة على أنه شخصية مستقلة، لأن ذلك ينمي في الطفل الإحساس بالمسؤولية والكرامة ومعرفة الصواب من الخطأ». وقال إن الرحلة التي يقطعها الطفل في هذه السنوات الست تمر في الظاهر بالتمرد على قوانين الأسرة، لكنه تمرد يحوي داخله إحساساً بالمسؤولية الاجتماعية، وإنه يتدرب على الدور المطلوب منه في المجتمع، ويبحث عن موهبته وإيمانه، ويبحث عن الصداقات التي يرتبط بها، لافتاً إلى أنه كلما عاملنا الطفل على أنه كائن مستقل، كلما استجاب لما نتمناه منه، نظافته، وقواعد السلوك، والقيام بالواجب والقدرة على التعامل مع المجتمع، وكلما دخلنا معه في مناقشات لا يجب أن نسيطر فيها بالرأي، لكن نشرح له التجربة كلما ازدادت ثقته بنا، وكلما ساعدناه في رحلة الاستقلال عنا، لأن الهدف الأهم هو أن يكون مستقلاً عن عالم الكبار، وذلك لن يتأتى إلا باكتمال نضج «آلة» أو جهاز «بوصلة» الضبط الداخلي الخاص به، وهو الضمير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©