الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ماركيز: لست مشعوذاً يغسل أظافره بماء الذهب

ماركيز: لست مشعوذاً يغسل أظافره بماء الذهب
12 أغسطس 2007 01:45
حاولت، الناقدة الأدبية ''بنيلوب ارمانيز'' أن تخدش، ولو قليلاً، تخوم الروح لدى ابن بلدها الحائز على جائزة نوبل للأدب ''جابرييل جارسيا ماركيز'': مقاربة متعددة الأبعاد لشخصيته، قبل أن تتوقف لتقول: ''كما لو أنك تحاول أن تعثر على موطئ قدم للسنونو داخل اللغة''· تغيّر كبير حصل في مسار صاحب ''مائة عام من العزلة''، ولكن هل يتغيّر الأديب أم ينكسر أم يبتعد؟ هكذا تختزل الكولومبية ''بنيلوب أرمانيز''، وهي ناقدة أدبية، السيناريو الذي وضعته لإلقاء الضوء على مناطق، ربما كانت لا مرئية، في حياة ابن بلدها ''جابرييل جارسيا ماركيز''، الذي طبقت شهرته الآفاق، حتى أن الأميركي الراحل ''جيمس بولدوين'' قال فيه: ''هو الذي يجعلنا أمام العذاب كما لو أننا في حفل زفاف''· ذات يوم، كان العذاب يتألم· الآن، تحت الأضواء يرتدي الياقة البيضاء· سألته ''أرمانيز'' ما إذا كان هذا العذاب حاجة بشرية، فأجاب ''لو لم أتعذب في أزقة بوغوتا لبقيت قدماي عند ذاك البقال العجوز الذي كان يخترع الحكايات ويتلذذ بها· أجل، كان رجلاً يصنع حكاياته ثم يأكلها''· لذا لم تبق قدما ''ماركيز'' هناك، بل انه عندما وضع ''مائة عام من العزلة'' كتبت ''اللوموند'' الفرنسية ''في هذا اليوم اكتشفنا النكهة المقدّسة للأدب''· ولكن هل حقاً ثمّة نكهة مقدّسة للأدب؟ ''بنيلوب أرمانيز'' تحاول الآن أن تقدم عملاً هو مزيج من السيرة الذاتية، والفانتازيا الفلسفية، واللعبة الأدبية فتقول : ''سعيت، من خلال مؤلفاته، أن أخدش بأصابعي، ولو قليلاً، تخوم روحه لكي أرى كيف يكون الضجيج في لحظة الخلق· لا، ليس صحيحاً ان ''ماركيز'' هو الأقل التباساً· لقد ارتجفت أصابعي كثيراً، وشعرت بالرهبة· كما لو أنك أمام روح متعدّدة الأرواح· حين جلست إليه، ازددت اقتناعاً بأنه ليس من أولئك الذين - كما السحرة - ينفخون في اللغة، لعلني أبالغ، أو لعلني أكون أكثر واقعية، حين أقول ان صاحب ''خريف البطريرك'' يجرّ اللغة وراءه''· لم تحاول أن تسأله إلى أين؟ هذا سؤال يلحق الأذى بالوعي، أيضاً باللاوعي· حيث يدافع عن الثروة التي بين يديه بقوله: ''قال لنا كاهن عجوز إن الماضي يشبه، في أوقات كثيرة، الشيطان· هذا ليس صحيحاً· الحياة حافلة بالانكسارات، وبالأشياء التي نلقي بها، رغماً عنا، في صندوق القمامة· لكنني شخصياً لم أنكسر· ان باستطاعتكم أن تشاهدوا هيكلي العظمي دون الحاجة إلى الأشعة ما تحت الحمراء''· ''بنيلوب أرمانيز'' أجرت لقاء طويلاً، مع ''ماركيز''· كل أشكال الأسئلة وجهتها إليه· سألها ذات مرّة ما إذا كانت تريد إجراء عملية جراحية له، ربما لكثرة ما سألته ما إذا كان قد تشكل لديه هاجس الموت· قالت له: ''أجل، أجل· إن أسئلتي جراحية حقاً، ولا أريد الانزلاق، مجرد الانزلاق، على الورق''· فجاءت كلماته الضاحكة: ''إنني مركب على نحو غريب· ولذلك يساورني الإحساس بين الفينة والأخرى كما لو أنني قد أتفكك كأي رجل آلي لم أعد صالحاً للاستعمال، مع ان النقاد، وأساتذة الأدب، يقولون انني، كشخص، ما زلت أصلح للاستعمال· على الأقل أستطيع أن أتفوّه بكلمات غريبة· لقد صدمني أحدهم في احدى صحف نيويورك حين قال إنني ألعب على الهذيان، وان أصابعي جفت· هذا أفزعني كثيراً· رحت أتأمل أصابعي لكي أتأكد ما إذا كانت لا تزال إياها· لقد ترهلت فعلاً، لكن كمية الجمر لم تتناقص أبداً· الجمر هو لغتي···''· لهذا قال ''ستيفن سبيلبرغ'' عندما قرأ احدى رواياته وبحث في إمكانية نقلها إلى الشاشة ان ''ماركيز'' يشعل الحرائق ثم يرحل، فيما المطلوب منه أن يكون ''أكثر وثنية''، أي أن تكون ساعة النار هي ساعة التجلي· يقول ''ماركيز'': ''هذه نظرة ميكانيكية جداً لما أفعله· حقاً انني أرحل، كما ترحل النيران، وأرفض أن تكون زوجتي··· الثلاجة''· أما عن رأي الكاتب الكولومبي الشهير بالثقافة المعاصرة فيقول : ''المشكلة الآن ان الفصل بات مستحيلاً بين ثقافة الجهاز الهضمي وثقافة القلب''· هذه اوديسه اللهاث التي فرضتها الحضارة الحديثة، كنت أحب كثيراً القطارات التي تسير بالفحم الحجري· كانت، حقاً، تشبه آباءنا الذين كانوا يسيرون، في خط مستقيم، إلى النهاية· ألا تلاحظين ماذا نفعل الآن؟ أحياناً نتسلق عقارب الساعة كما القردة، وأحياناً نجثو أمام تماثيل القديسين· من الضروري أن نكون على هذا المستوى من الارتباك كي نصبح أكثر توهجاً· كان الناس في ذلك الحي القديم في بوغوتا يطفئون القناديل باكراً كي ينام الليل· لاحظوا الآن، كيف يزدهر الليل حين نزدهر''· تسأله''بنيلوب'': ''ولكن ماذا عن أولئك الذين ما برحوا نزلاء الأرصفة؟''· فيقول: ''هؤلاء ملأوا قصصي ورواياتي· أناس يولدون من دون وجوه ويموتون من دون وجوه· تمنيت، من خلال كتاباتي، أن أجعل من وجهي وجهاً للآخرين· فقراء كثيرون تابعوا رواياتي بشغف، لكنني أعرف أنني، بالنسبة إلى فقراء كثيرين في أميركا اللاتينية، مجرّد مشعوذ يغسل أظافره بماء الذهب· لم أفكر يوماً بأن لي أظافر· ليس صحيحاً البتة انني بتّ أمشي بخيلاء فوق الأنين· الكاتب جريح زمن أوشك على الانتهاء· صدفة التقيت امرأة وسألتني ما إذا كانت تشبه احدى بطلات رواياتي· قلت لها ان كثيرات منهن يشبهن الغروب وأنتِ كذلكِ''· الغريب أن الخيال في نصف الكرة الآخر يتوقف عند ألف ليلة وليلة، حين تسأل ''بنيلوب أرمانيز'' ''ماركيز'' عن علاقته بالشرق، يقول انه قرأ أشعار طاغور، كما أذهلته ألف ليلة وليلة· كل أولئك الكتّاب العرب، إذاً، في حالة اصطفاف عبثي بين شهريار وشهرزاد·· ذات يوم، قال لنا ''نجيب محفوظ'' ان الأدب بحاجة إلى تسويق، إلى علاقات عامة، كي لا يبقى داخل الصناديق، أو داخل لحظة جغرافية محددة· لا ندري ماذا نفعل من أجل ذلك· ابعثوا بكتبكم إلى ''ماركيز''، على الأقل مترجمة إلى الاسبانية! قال ''ماركيز'' انه الآن حائر بين جاذبية الظل وجاذبية السفر· الحالتان، في نظره، هما تعبير عن رحيل·· الرحيل الأخير شيء آخر: ''استيقظت ذات صباح، فإذا بفكرة غريبة تطرأ في رأسي: أن أتحدث إلى الموت كصديق قديم· وضعت الورقة أمامي، وحاولت الكتابة· لنحو ساعة على الأقل بقيت الورقة بيضاء، لم أستطع أن أحلل ما حدث لي· ربما كان الموت ماراً، بالصدفة، آنذاك قرب النافذة''· يخشى أن يكون الموت قد ترك أثراً··
المصدر: أورينت برس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©