الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أولوية أوباما الكامنة.. الصين والباسيفيكي

أولوية أوباما الكامنة.. الصين والباسيفيكي
1 ابريل 2016 01:10
دخل الرئيس «باراك أوباما» البيت الأبيض باعتباره «ابناً من أبناء الباسيفيكي»، حيث ولد في هاواي، وترعرع هناك، ثم عاش أربع سنوات من طفولته في إندونيسيا. وآسيا بالنسبة لأوباما، تمثل المستقبل، وتستحق من الولايات المتحدة اهتماماً أكبر بكثير من الاهتمام الذي تلقاه منها بالفعل، كما كتب «جيفري جولدبرج» في مقال يُستشهَد به كثيراً هذه الأيام. لكن الرئيس لم يستطع الاهتمام بآسيا على النحو الكافي منذ توليه منصبه، حيث وجد نفسه عالقاً في الشرق الأوسط بدلاً من ذلك. وللتعبير عن هذه الحالة يقتبس جولدبرج في مقاله سطراً من رواية «الأب الروحي» (التي تحولت إلى فيلم شهير يحمل نفس الاسم)، وهو ذلك الذي يصرخ فيه «مايكل كورليوني» في غضب قائلا: «في اللحظة التي اعتقدت فيها تماماً أنني قد أصبحت خارج عالم الجريمة، وجدت رجلي تنجر مرة ثانية إليه». نحن بالطبع نعرف ذلك، ونعرف أكثر منه عن أفكار أوباما ومشاعره الكامنة في مجال السياسة الخارجية، وهي الأفكار والمشاعر التي أبرزها «جيف جولدبرج» في مقاله المنشور في دورية «ذي أتلانتيك»، والذي أصبح حديث المدينة (واشنطن العاصمة) في الوقت الراهن. وقد خصص «ديفيد برووكس»، الصحفي في «نيويورك تايمز»، عموداً كاملاً للتعليق عليه، وهو ما فعله أيضاً «برنت ستيفنز» في صحيفة «وول ستريت جورنال». الرؤية الشاملة عند قراءة المقال الذي كتبه جولدبرج (نحو 20 ألف كلمة) من منظور آسيوي، لا يسع المرء سوى الاندهاش من ضآلة حجم المناقشة التي تحظى بها هذه المنطقة المهمة من العالم. فملفات مثل «الانفتاح» على كوبا، والأوضاع في سوريا وليبيا، على سبيل المثال لا الحصر، تحظى بقدر من الأهمية مكافئ لذلك الذي تحظى به العلاقات الأميركية الصينية، رغم الأهمية الحيوية لهذه العلاقات بالنسبة للمصالح الأميركية الاستراتيجية العليا، والتي تتضاءل إلى جانبها أهمية الملفات المذكورة. وخصص الكاتب جزءاً كبيراً من مقاله، لاستشكاف الأسباب التي حدت بالرئيس الأميركي للإحجام عن التدخل في سوريا، وللحديث عن التحديات التي يمثلها تنظيم «داعش»، وانهيار عدة دول في الشرق الأوسط. والرئيس يشير، كما ورد على لسانه في المقال، إلى الوضع في تلك المنطقة على أنه يمثل «ورطة»، وإن كان يرى أن الولايات المتحدة ليست مدعوة لإيجاد حل لها. وهكذا، ففي حين يعترف أوباما -كما ورد في المقال- بأن قوى في الشرق الأوسط تمنعه من تحويل محور اهتمامه إلى المكان الذي يجب أن ينخرط في شؤونه، فإنه مع ذلك يستهين بتلك القوى. فهو يقول لجولدبرج إن التهديد الذي يمثله «داعش»، مبالغ فيه إلى حد مفرط، وإن عدد الأميركيين الذين يلقون حتفهم سنوياً جرّاء حوادث إطلاق النار من أسلحة شخصية وحوادث السيارات أوبسبب السقوط في الحمامات، يفوق عدد من يلقون مصرعهم بسبب الإرهاب. عندما يقرأ المرء ذلك الكلام، لابد أن يتوقع على الفور أن كل ذلك سيقود أوباما حتماً لبذل قصارى جهده، لانتشال الولايات المتحدة من «الورطة» التي تجد نفسها عالقة فيها في الشرق الأوسط، ثم العمل بعد ذلك على استثمار قدر أكبر بكثير في المحور الجديد، الذي كثيراً ما يشار إليه هذه الإيام، والذي يطلق عليه أحياناً «إعادة التوازن باتجاه جنوب شرق آسيا». لكن ذلك ليس هو المكان الذي يشير الضوء الباطني للرئيس باتجاهه. وبدلاً من ذلك نقرأ أنه قد قال لجولدبرج، فيما يشبه الرؤية الشاملة لأولوياته الدولية: «داعش لا يمثل خطراً وجودياً على الولايات المتحدة.. التغير المناخي يعتبر خطراً وجودياً محتملاً للعالم بأسره، إذا لم نفعل شيئاً حياله». بموجب هذه الرؤية يمكن النظر إلى الصين باعتبارها شريكاً جيداً، لأنها تقدم يد العون في التعامل مع الموضوع الذي يلح على ذهن الرئيس أكثر من أي موضوع آخر وهو: إنقاذ العالم من ارتفاع الحرارة إلى درجة لا تحتمل. نبذ الصراعات ولفهم رأي أوباما في الصين والمناخ، يجب علينا أن نتذكر أن الرئيس ينفر بطبيعته من الصراعات، ويميل أكثر للتركيز على الإرث الذي سيخلفه من بعده. فحياة الرئيس المبكرة، فرضت عليه أن يكون همزة وصل بين شعوب مختلفة، وثقافات متباينة: كان أوباما في طفولته، وباعتباره نصف أبيض ونصف أسود، مضطراً للتعامل مع التوتر القائم بين أمه الأميركية، وأبيه الكيني قبل انفصالهما، ثم بعد ذلك بين أمه وزوجها الإندونيسي عندما انتقل للعيش معهما في إندونيسيا. وعندما التحق بكلية القانون بجامعة هارفارد، حرص أوباما دائماً على عدم الانحياز للبيض أو للسود في الكلية، حيث كان الجانبان عالقين في صراع مرير. وعندما قرر خوض الانتخابات الرئاسية، فإن تركيزه الأساسي كان منصباً على التقريب بين الناس. وبعد أن دخل البيت الأبيض، سارع بمد يده إلى خصوم الولايات المتحدة مثل إيران، وروسيا، وكوبا. بل مدها فيما بعد إلى الجمهوريين الذين عملوا دائماً على تعويق جهوده في مجلسي الكونجرس. وفيما يتعلق بإرث أوباما، علينا أن نتذكر أنه عند توليه الرئاسة، قطع على نفسه عهداً بعمل أشياء تترك أثراً دائماً في الولايات المتحدة، إن لم يكن في العالم بأسره. وفي هذا الإطار، عارض الرئيس التركيز على الأزمة الاقتصادية، وأنفق جزءاً كبيراً من رأس ماله السياسي على تقديم خطة قومية للرعاية الصحية، وكانت حجته في ذلك أن الرؤساء الذين يتعاملون مع حالات الركود، سرعان ما يتوارون في غياهب النسيان، أما هؤلاء الذين يقدمون برامج تحتوي ولو على عنصر واحد من العناصر التي اشتمل عليها برنامج «العهد الجديد» (البرنامج الذي وضعه الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1933 للخروج من الكساد الكبير الذي ضرب أميركا في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي)، والذي كثيراً ما يتم الاستشهاد به، فإن ذلك يكفي بحد ذاته للاحتفاء بمثل تلك البرامج لأجيال متعاقبة. والتغير المناخي، من هذا المنظور، يتفق مع أولويات هذا الإرث الذي يريد أوباما أن يخلفه وراءه بعد انتهاء فترة ولايته كرئيس. الصين وإندونيسيا كل ذلك يساعدنا على تفسير الطريقة التي ينظر بها الرئيس إلى الصين؛ وكما ورد على لسانه في المقال المشار إليه: «إذا ما أقمنا العلاقات الأميركية الصينية بالشكل الصحيح، واستمرت الصين في صعودها السلمي، فسيكون لدينا في هذه الحالة شريك تزداد قدراته على الدوام، بما يمكنه من أن يتقاسم معنا مسؤوليات المحافظة على النظام العالمي». ويضيف الرئيس: «أما إذا أخفقت الصين، ولم تتمكن من المحافظة على مسار تقدم يرضي مواطنيها، ووجدت نفسها مضطرة للعودة مرة أخرى للتركيز على المشاعر القومية، باعتبارها من المبادئ المنظمة لحركتها على المسرح الدولي، وإذا ما شعرت بأنها باتت منهوكة القوى، إلى درجة لا تمكنها من الاضطلاع بالمسؤوليات التي يجب أن تضطلع بها دولة في حجمها، في مجال الحفاظ على السلام والنظام الدولي، فإننا في هذه الحالة لن نرى فحسب احتمالاً للدخول في صراعات مع الصين، وإنما سنعاني أيضاً من صعوبات جمة عند التعامل مع التحديات الأخرى التي ستواجهنا حتماً». وإذا ما افترضنا جدلاً بأن تلك السطور يمكن أن تُقرأ بطريقة مختلفة، فإن أفضل ما يمكن لأي منا القيام به، هو أن يقارنها بالعديد من البيانات والتصريحات الصادرة عن هؤلاء الذين يزعجهم صعود الصين أيما إزعاج. وهؤلاء لا يقتصرون -كما قد يتبادر للأذهان للوهلة الأولى على الجناح اليميني فحسب؛ فهيلاري كلينتون مثلا -وهي شخصية ديمقراطية بارزة- تقول: «أنا لا أريد أن يعيش أحفادي في عالم يهيمن عليه الصينيون». وفي مقابل ذلك، يوضح الرئيس موقفه، عندما ينهي حديثه في المقال المشار إليه بقوله: «لقد كنت واضحاً تماماً، عندما قلت إننا يجب أن نخاف من الصين المنهكة والمهدَدة، أكثر من خوفنا من الصين الناجحة والصاعدة». أوضاع إندونيسيا نوقشت أيضاً، ليس باعتبارها جزءاً من الجهد الرامي لاحتواء الصين، وإنما انطلاقاً من اهتمام الرئيس وقلقه من نمو جماعات شبيهة بـ«داعش» في تلك الدولة التي عاش فيها جزءاً من طفولته. كما نوقشت فيتنام أيضاً، ليس من زواية تحالفها العسكري الجديد مع الولايات المتحدة، وإنما بسبب مشاركتها في اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، ومن أجل إلزامها باحترام اتحادات العمال لديها. الخلاف مع البنتاجون أوباما واضح تماماً، لدرجة أنه كي يظل وفياً لأجندته ونهجه غير الصدامي مع الصين، يضطر للدخول في نزاع مع البنتاجون ومقاومة الضغوط التي يمارسها عليه. يكتب جولد برج في مقاله عن ذلك قائلا: «قبل أربع سنوات، كان الرئيس يعتقد أن البنتاجون قد شوش عليه بشأن إرسال أعداد إضافية من القوات لأفغانستان. وفي الوقت الراهن، وبشأن سوريا، بدأ الرئيس يشعر بأنه يتعرض للتشويش مرة أخرى». وبالنسبة لهؤلاء الذين قد يتساءلون عن السبب الذي دفعني للقراءة أكثر من اللازم في هذه المقالة، فإني أحيلهم إلى التقرير الذي نشرته «الواشنطن بوست» في الآونة الأخيرة، وجاء فيه ما يلي: «إن جنرالاً أميركياً رفيع المستوى، اقترح استئناف الضربات الجوية ضد طالبان، وهو ما يكشف عن وجود فجوة بين البنتاجون من جانب، وكبار مسؤولي الإدارة الأميركية من جانب آخر بشأن دور الولايات المتحدة في الحرب في أفغانستان، وفقاً لمسؤولين عسكريين». وكنت قد أشرت من قبل، إلى أن تأكيدات حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، والتي قدمها العسكريون الأميركيون، قد أثارت غضب البيت الأبيض. وقبل ذلك أيضاً، كانت هناك تقارير مفصلة عديدة عن مداولات سياسية في البيت الأبيض، لم تتضمن أي إشارة تفيد بأن الرئيس وافق -أو حتى راجع مجرد مراجعة- خطة البنتاجون الرئيسية بشأن الكيفية التي ستتم بها مواجهة الصين، إذا ما دعت الضرورة، من خلال غزو البر الصيني الرئيسي، والتي كانت تسمى بخطة «AirSea Battle» (المعركة الجوية البحرية)، والتي تم تغيير تسميتها لتصبح الآن «المفهوم المشترك للاقتراب والمناورة في المشاعات العالمية» (Joint Concept for Access and Maneuver in the Global Commons)، وهو اسم لا يكشف عن شيء كما نرى، كما يصعب معرفة «المشاعات العالمية» Global commons (وإن كانت تشير إلى الموارد الواقعة خارج نطاق ملكية أي دولة من الدول التي تتقاسمها). المهم أن كل ما حدث مع الخطة المذكورة، هو أنه قد جرى تحديثها فحسب. هناك عبارة اعتاد أوباما استخدامها، لوصف لقائه الناجح مع السكرتير العام للحزب الشيوعي الفيتنامي «نجوين فو ترونج»، وهي عبارة كاشفة بشكل جيد عن رؤية الرئيس الشاملة بشأن استخدام القوة. يكتب جولدبرج في مقاله المذكور عن ذلك قائلاً: «أخبرني أوباما أنه يعتبر ذلك نصراً رئيسياً في الحملة لاستبدال سياسة التلويح بالعصا بالإقناع الدبلوماسي»، وهي مقاربة من جانب الرئيس لم تعتنقها المؤسسة العسكرية الأميركية بشكل كامل حتى الآن. *أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©