الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

العلماء: الاجتهاد مسؤولية الفقهاء وحدهم

العلماء: الاجتهاد مسؤولية الفقهاء وحدهم
1 ابريل 2016 00:55
شدَّد علماء في الأزهر على أن الاجتهاد في الإسلام واجب محتم‏‏ تحمل الأمة كلها مسؤوليته على كاهلها، وهو ليس مجرد قول مرسل‏، ‏ أو رأي دارج‏، ‏ مؤكدين ضرورة أن توضع أمانة هذا الاجتهاد في رقاب العارفين بثقلها من الفقهاء والأئمة والعلماء. وأوضح العلماء أنه آن الأوان لكي تضع الأمة الإسلامية مهمة الاجتهاد في مكانتها الصحيحة وتصونها من عبث العابثين وادعاء المدعين. وحدد العلماء بعض الضوابط والشروط التي يجب أن تتوافر في المجتهد، مثل إحاطته بمدارك الأحكام من كتاب وسنة وإجماع واستصحاب وقياس، وعلمه بالناسخ والمنسوخ ومواضع الإجماع والاختلاف، ومعرفته بالعام والخاص والمطلق والمقيد والنص والظاهر، ومعرفته بما يصلح للاحتجاج به من الأحاديث من أنواع الصحيح والحسن والتمييز بين ذلك وبين الضعيف الذي لا يحتج به. المسؤولية العظمى يوضح د. محمد عبد الفضيل القوصي، وزير الأوقاف المصري الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن الناس حين يخوضون في أي ميدان من ميادين العلم ثم يتعثرون أو يخطئون‏، ‏ فهم في هذا الخطأ فريقان‏، الأول يعتريه الخطأ بعد أن يكون قد أعد للأمر عدته‏، ‏ واستنفد فيه مهارته وخبرته‏، من دون إهمال أو تقصير فيكون خطؤه حينئذ مغفورا‏ً، ‏ ومعفواً عنه‏، ‏ والثاني يقتحم الأمر في تهور من دون أن يعد له عدة‏، ‏ أو يكتسب له مهارة أو خبرة فيكون خطؤه خطيئة‏، ‏ وتهوره واندفاعه إثما وجريمة‏، وهكذا يكون الفرق بين الاجتهاد وادعاء الاجتهاد، وبين المجتهد حين يخطئ، فيكون له بمقتضى الحديث النبوي الصحيح ثواب وأجر وبين مدعي الاجتهاد الذي يقتحم الميدان ببضاعة من العلم مزجاة‏، ‏فيفتري على الله الكذب‏، ‏ فيكون خطؤه حينئذ جرماً وإثماً. وقال د. القوصي: في إشارة عميقة الدلالة إلى المسؤولية العظمى التي يضطلع بها المجتهدون: « سمى الإمام الغزالي‏‏ الاجتهاد استثماراً، كما سمي المجتهد‏ مستثمراً لكي يلفت النظر إلى أن الاجتهاد ليس انسياقاً مع الخواطر العابرة ولا انقياداً للأفكار الشاردة‏، ‏ بل هو اعتصار للذهن، وكذا للعقل على أن ينكب على المصدرين الرئيسين وهما الكتاب والسنة مستلهماً هديهما في العثور على رأي الشرع فيما يطرأ على المسلمين من نوازل الوقائع التي لم يرد لها ذكر في هذين المصدرين الرئيسيين‏، ‏ والتي تطرأ على تيار الحياة المكتظ بالأحداث‏، ومن البديهي أن لا تكون ثمرة هذا الاستثمار ناقضة للأساس الذي انطلقت منه ولا هادمة لأولياته، ومن العبث أيضاً أن يتوجه هذا الاستثمار بالبحث فيما فرغ منه هذان الأصلان بحكم قطعي صريح»‏.‏ رائحة الفقه وتساءل د. القوصي: هل يعقل أن يستثمر المجتهد تلك الأصول الإسلامية من الكتاب والسنة من قبل أن يحصل أدوات الاستثمار التي يستعين بها في فهم تلك الأصول؟، وهل يستطيع ذلك المستثمر أن يخطو الخطوة الأولى في رحلة الاستثمار من دون أن يحيط علماً بما انتهت إليه أجيال متعاقبة من العلماء أفنوا أعمارهم في فهم هذين المصدرين وفي استخلاص أحكامهما‏؟.. مؤكداً أن الملكة الذهبية والحاسة العلمية في أي ميدان من ميادين العلم‏، ‏ لا تتولد إلا من الدأب على معرفة الآراء التي يتكون منها صرح هذا العلم ومعرفة اختلافات بناة هذا الصرح بعضهم عن بعض‏، ‏ ومن لم يعرف اختلافات الفقهاء - كما قال بعض المحققين - لم يشم رائحة الفقه‏. وشدد على أنه ينبغي أن يفهم أن هذه الضوابط المتعددة التي لا بد من توافرها في المجتهد لا تعني إغلاق منافذ الاجتهاد‏، ‏ وانسداد أبوابه، فالاجتهاد في الإسلام واجب محتم‏، ‏ تحمل الأمة كلها مسؤوليته على كاهلها وهو واجب دائم بمقتضى خاتمية الإسلام للرسالات السماوية‏، ‏ لكن ينبغي أن يفهم أيضاً أن الاجتهاد يعني إيقاع حكم الله تعالى على الأحداث والوقائع وليس مجرد قول مرسل‏، ‏ أو رأي دارج‏، ‏ ومن هنا كان الحرص على أن توضع أمانة هذا الاجتهاد في رقاب العارفين بثقلها. كما ينبغي أيضاً- كما يقول د. القوصي- أن يتمتع المجتهد بملكة التوازن بين الأطراف المتقابلة وتلك مهمة تحتاج إلى أناة وتبصر وإحساس مرهف بالرقابة الإلهية لا يفتر ولا يغيب‏، ‏ فالنصوص الثابتة والواقع الزاخر بالأحداث طرفان متقابلان يقتضي التوازن بينهما، بحيث لا يجنح المستثمر إلى تأويل متعسف للنصوص الثابتة‏، ‏ ينتهي بها إلى أن تكون تبريرا للواقع بانحرافاته وسوءاته‏، ‏ وبحيث لا يكون غافلا عن تكييف الواقع بضروراته ومتطلباته في الوقت نفسه‏.‏ وتابع: الأمة الإسلامية منذ عصورها المبكرة شعرت بما يمكن أن يخطئ فيه المجتهد الفرد حين ينفرد بالاجتهاد فلا يرى من الواقعة التي يراد بيان الحكم الشرعي فيها إلا جانباً واحدا‏ً، ‏ مع الغفلة عن بقية الجوانب‏، ‏ لذلك لجأت الأمة إلى جماعة المجتهدين ليصوب بعضهم رأي بعض في ضوء الأدلة الشرعية والقواعد الأصولية‏، ‏ فها هو علي بن أبي طالب، يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم إن الأمر ينزل بنا بعدك‏، ‏ لم ينزل به القرآن ولم نسمع منك فيه شيئاً فيقول له صلى الله عليه وسلم: «أجمعوا له العابدين من المؤمنين واجعلوه شورى بينكم ولا تقضوا فيه برأي واحد‏»، فهل آن لنا أن نضع مهمة الاجتهاد في مكانتها ونصونها من عبث العابثين وادعاء المدعين. الأخطار الناجمة من جهته، أوضح د.عبد المقصود باشا،- الأستاذ بجامعة الأزهر-، أن العلماء وضعوا شروطاً وضوابط لمن يتولى مهمة الاجتهاد من أجل تلافي الأخطار الناجمة عن اجتهاد من لا تتوافر فيه مقومات الاجتهاد، ومن هذه الضوابط: إحاطة المجتهد بمدارك الأحكام المثمرة لها من كتاب وسنة وإجماع واستصحاب وقياس ومعرفة الراجح منها عند ظهور التعارض وتقديم ما يجب تقديمه منها كتقديم النص على القياس، وعلمه بالناسخ والمنسوخ ومواضع الإجماع والاختلاف، ويكفيه أن يعلم أن ما يستدل به ليس منسوخاً، وأن المسألة لم ينعقد فيها إجماع من قبل، ومعرفته بالعام والخاص والمطلق والمقيد والنص والظاهر والمؤول والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم والمحكم والمتشابه، ومعرفته بما يصلح للاحتجاج به من الأحاديث من أنواع الصحيح والحسن والتمييز بين ذلك وبين الضعيف الذي لا يحتج به، وذلك بمعرفته بأسباب الضعف المعروفة في علم الحديث والأصول، وأن يكون على علم بالنحو واللغة العربية يمكنه من فهم الكلام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©