الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

القوقاز ثقافة غنية بالأساطير المثيرة·· والعالم لا يهتم

القوقاز ثقافة غنية بالأساطير المثيرة·· والعالم لا يهتم
11 أغسطس 2007 01:25
قد تجد أولئك المستكشفين الذين يذهبون في رحلات قطبية، وباهظة الكلفة، لكي يعرفوا كيف تبيض طيور البطريق، ولكن هل ثمة جهة عالمية حاولت أن ترصد التراث في منطقة القوقاز التي إذ عرفت بخرافاتها المثيرة، فإنها تشكل منجماً لأبحاث قد تكشف الكثير عن الإيقاع الميتولوجي في المنطقة· باحث فرنسي من أصل جيورجي هو ''جورج شاراشيدزه'' كرّس حياته لهذه المهمة، فماذا شاهد؟· في بلاد العرب في العقد الماضي كان ثمة عرب يتحدثون عن القفقاس، شيء ما مثل خط التماس بين المسيحية والإسلام· لكن الواضح أنّ العديد من المفكرين، والعلماء، المسلمين وفدوا من هناك·· لعلنا نذكر الجرجاني والقزويني· الواقع أن قبائل شركسية جاءت من هناك واستقرت في سوريا والأردن ولبنان وفلسطين والعراق، إضافة إلى مصر التي فيها عائلات عدّة تتحدّر من أصل شركسي· كثيرون من الشيشان وفدوا أيضاً، ومن داغستان، حتى أنك تجد عائلة ''الداستاني'' موجودة في العراق، ومنهم من وصل إلى مراتب عالية، وفي سوريا وفي لبنان وغيرها من البلدان العربية· دائماً عُرفوا بقوة الشكيمة، ومع أنهم يدينون بالولاء العميق للمجتمعات التي حلوا فيها، فإن لديهم دائماً ذلك الحنين إلى بلادهم القديمة· أولئك القوقازيون لا يعرفون الكثير عن ثقافة وتراث المنطقة التي وفدوا منها، حتى أن الاهتمام العالمي بها محدود جداً· قد تجد الرحّالة في كل الاتجاهات، وقد تجد مَن يمضي أشهراً في القطب كي يرى كيف تبيض طيور البطريق، وكيف تظهر صغارها في ذلك المناخ الهائل، لكنك قد لا تجد مَن يعنى بالتراث القوقازي، خصوصاً في المناطق الإسلامية· في أرمينيا التي لها ظروفها الخاصة ثمّة اهتمام بالتراث المحلي· جورجيا بدأت تفكر في إنشاء معهد للدراسات القوقازية، والذي يدفع في هذا الاتجاه ''جورج شاراشيدزه'' الذي وُلد عام 1930 من أب جيورجي منفي وأم فرنسية· إنه تلميذ الباحث الشهير ''جورج دومينريل'' الذي عني بمسائل المنطقة· الوثنية ''شاراشيدزه'' كرّس حياته لدراسة القوقاز التي يتكلم عشراً من لغاتها: الاوسيتية، المينغريلينية، الابخازية، الاوبيخية وغيرها، كما أنه وضع عدّة كتب منها ''النظام الديني في جيورجيا الوثنية''، و''بروميثيوس أو القوقاز''، والذاكرة الهندو - أوروبية في القوقاز·· الرغبة في الاهتمام بالقوقاز بدأت لديه في وقت مبكر، فقد كان أبوه صحافياً ونائباً، وقد حُكِم عليه بالموت في عام 1922 عقب الثورة البولشفية، فلجأ إلى فرنسا، وتزوّج من مدرّسة· يقول: ''ذهبت إلى مدرسة لأبناء الجيورجيين المنفيين، وهناك تعرّفت إلى أستاذ عجوز زاد من اهتمامي بالقوقاز؛ لأنه كان يتحدث عن تلك المنطقة كما لو أنه يمسكها بيديه· هذا جعل جيورجيا ترتبط بثقافتي، وحملني على أن أصبح باحثاً في اللغات والثقافة القوقازية''· 40 لغة لقاؤه بالعالِم الانتروبولوجي ''كلود ليفي- شتراوس'' كان مهماً أيضاً، وسافر إلى الاتحاد السوفييتي ''السابق'' بحثاً عن المراجع، كما انتمى إلى معهد متخصص: ''كان عليّ أن أمشي في تلك الأزمنة دون أن يسقط رأسي أرضاً''· لاحظ منذ البداية تلك الكثافة في الأساطير· صحيح أن المسيحية والإسلام وصلا إلى هناك، لكن العادات القديمة ظلت متجذرة، بحيث تظهر الازدواجية واضحة في العديد من الطقوس· هذا مع تراكم الثقافات، وفي أمكنة محدودة جغرافياً، الجبل القوقازي هو بمثابة مستودع للغات الشفوية، حتى أنّ الدهشة تعتري الباحثين الذين يعنون بالشمال الشرقي من القوقاز وحيث التنوّع اللغوي اللامعقول· إنك أمام لوحة بابلية بكل معنى الكلمة· في القوقاز هناك 40 لغة منها 30 في الشمال الشرقي، أي في المنطقة التي تغطي، حالياً، الشيشان وداغستان· لكن المثير أن الشعوب هنا لا تتفاهم في ما بينها لغوياً حتى وإن كانت هناك نقاط مشتركة في ما بين اللغات المحكية والتي تعود إلى آلاف السنين· الذي يثير فضول ''جورج شاراشيدزه'' هو التقارب بين تلك اللغات، ولغة الباسك في إسبانيا· يتركز ذلك، بوجه خاص، في اللغتين الشركسية والابخازية، القواعد النحوية نفسها إذا لم تكن هناك كلمات مشتركة· الثراء الميتولوجي والواقع أنه لأسباب تاريخية، ظلت تركيا، وفي معظم مراحل القرن العشرين، المكان الأفضل لدراسة لغات القوقاز، فالمعروف أن هناك شعوباً، أو مجموعات، نزحت من تلك المنطقة، لدى الغزو الروسي في القرن التاسع عشر، إلى تركيا· الشركس وصلوا بعشرات الآلاف· آخرون وفدوا أيضاً، ولقد ذهب '' شاراشيدزه'' إلى تركيا، حيث شارك ''دومينريل'' في إعادة بناء اللغة الاوبيخية الصعبة التي تضم 24 حرفاً ساكناً· وكانت الصعوبة في أن عدداً محدوداً من الناس كان يعرف تلك اللغة في عام 1965: ''الآن، وبعد رحيل دومينريل لم يبق سواي''· تلك الخرافات التي يرددها الرعاة وفلاحو الجبال تعكس ثراء ميتولوجياً مدهشاً· إنه يبحث عن علاقة ما بين الميتولوجيا القوقازية والميتولوجيا الإغريقية، معتمداً على أبحاث ''جورج دومينريل'' و''كلود ليفي - شتراوس'' في هذا المجال· الاختلافات أكثر من التقاطعات· عند الإغريقي ''برميثيوس''، الجبار، شخصية تتسم بالبرّ والإحسان· إنه البطل الذكي بامتياز، وهو في أساس كل التقدم الذي حققته البشرية· أما ''آميراني''، عند أهل القوقاز، وإن مع بعض الاختلاف لدى الشيشان والأبخاز، فهو بطل قاس، مخيف ومدمّر·· لكن اللافت أنّ الميتولوجيا هنا تتوافق مع الميتولوجيا هناك في كراهية المرأة· إنها رمز الخصوبة، لكنها، في الوقت نفسه، تمثل الشقاء· في حالة ''بروميثيوس'' (إله النار الذي يرمز إلى الحضارة البشرية الأولى)، هي التي حملت في جرارها كل الشرور التي عرفتها الإنسانية· عند القوقاز، المرأة هي مصدر كل الأخطار، وبشكل واضح توضع إلى جانب الشياطين· عينا امرأة بالطبع، النظرة تغيّرت كثيراً، لكن الرجل في اللاوعي ما زال يحتفظ بشيء من ذلك الخط الخرافي· إذا أصابه سوء، فلا بد أن يستعيد ما شاهده، أو ما تصوّر أنه شاهده، في عيني امرأة· ولكن هل هناك حقاً من حضارة قوقازية؟ يؤكد ''شاراشيدزه'' ذلك، ليضيف أن التنوّع الديني أثَر في الايقاع الداخلي لتلك الحضارة· مع ذلك، من اللافت أن المسلمين يقدمون الأضاحي عادة في عيد الأضحى· المسيحيون يفعلون ذلك ويكثرون من الأضاحي، وإن كانوا يعيدون ذلك إلى تقليد سابق للمسيحية، وثمّة أساقفة يتحدثون عن ''ذلك الخط الرمادي داخل الشخصية اللاهوتية للمجتمعات هناك''· الأضاحي في الجبال· هناك في الأعالي، وحيث تُضرَم النيران، فيما يُسمع قرع الطبول آت من البعيد، الخرافات تصنع إيحاءات لا حصر لها· وإذا كانت تلك المجتمعات قد مرّت في مراحل بائسة، فإن هذا لم يحدّ من النظرة الاحتفالية إلى العيد، وإلى الوليمة التي هي عبارة عن مهرجان حقيقي· الناس هناك يشبهون جبالهم التي يلوذون بها عند المفترقات التاريخية الصاخبة· يقول ''شاراشيدزه'': ''لا مجال للحديث عن جدلية التاريخ هنا· إنه في القوقاز راقص متجوّل، ودموي· لا أحد يعرف متى يقرع الطبول''· ذلك المدى الميتولوجي يجعل الناس أكثر انتماءً لهويتهم· يقول الباحث الفرنسي، الجيورجي الأصل: ''قد تستطيع هنا تحطيم الجبال لكن المستحيل أن تحطم هوية الناس''· والدليل ما فعله القياصرة· الشيشان والانغوش واجهوا جحافل ''نيقولا الثاني'' على نحو أسطوري· وهذا ما حمل القيصر على إحراق كل القرى التي تمر خيوله بها، دافعاً أهل البلاد إلى المجهول· مع ذلك، في عيني كل قوقازي تجد أن الهوية لا تزال هناك!· ''أورينت برس'' قزوين والنفط في عام ،1923 دخلت شعوب القوقاز في ''الحقبة الحمراء''· وكان لافتاً أن الشيوعية التي قامت على الأمميّة لم تعمد إلى إلغاء القوميات، بل إنها استخدمت التنوّع كمادة ايديولوجية يمكن تسويقها في العالم· هذا ساعد تلك الشعوب على الاحتفاظ بلغاتها، كما بقيمها الثقافية، حتى إذا ما زال الاتحاد السوفييتي لم تعرف الراحة· التعاطي مع عالم صاخب، ومعقد، ومتعدّد الثقافات، صعب دون شك، خصوصاً مع توجيه الأنظار إلى بحر قزوين، حيث أذربيجان القوقازية تشاطئه على طول 800 كيلومتر، على انه مستودع للنفط·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©