الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا يجوز أبداً أن نخادع أنفسنا ونقيم بيننا وبين الغرب حاجزاً

لا يجوز أبداً أن نخادع أنفسنا ونقيم بيننا وبين الغرب حاجزاً
11 أغسطس 2007 01:12
في هذا الحوار يتطرق الدكتور عبد القادر بليمان، أستاذ الفلسفة في جامعة الجزائر، إلى تحديات العولمة، وكيف أن إيران وتركيا تقومان بمجابهتها بنجاح بينما يكتفي العرب بتحمُّل تبعاتها· ويؤكد أن الديمقراطية الحقيقية هي التي تجعل العرب قادرين على ''امتصاص'' آثار العولمة ومجابهتها، بينما يستبعد أي دورٍ للتراث سواء في مجابهة العولمة أو تحقيق التقدم والتطور· إليكم نص الحوار· ü يحلو لبعض المفكرين العرب اختصار تعريف العولمة بـ''الأمركة''، هل ترونه تعريفاً كافياً وافياً أم أنه نوع من التسطيح والتبسيط؟ üü القضية أعقد بكثير مما قد يبدو للبعض من أن العولمة تنحصر في الرغبة بأمْركة العالم، صحيح أن الدور الأميركي يشكل فيها العامل الأساسي، ولكن لا يمكن اختصارها في هذا الدور، سياق العولمة معقدٌ منذ مدة طويلة، والوجه الظاهر منه هو الجانب الاقتصادي، لكنه يُخفي وراءه جوانب سياسية فلسفية عقائدية مرتبطة بالسياق الليبرالي كله، والذي ظهر منذ القرن السابع عشر في أوروبا· العولمة إشكالية تمس العالم كله، وقد جاءت نتيجة لعامل الهيمنة الاقتصادية الأميركية التي برزت بشكل اتضح منذ الحرب العالمية الثانية تقريباً بعد أن أعطيت أميركا الدور الأساسي في الاقتصاد العالمي بسبب خروج أوروبا محطَّمة من الحرب، وظهر الدولار كعملة أساسية في العالم، وارتبطت الليبراليات الاقتصادية لكل الدول بالدولار كعملة تحدد قيمة باقي العملات، وتبوأت أميركا الزعامة السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية بفضل مكانة الدولار، وحتى أوروبا وقعت أسيرة هذا الوضع ولم تخرج منه إلا بعد تكتلها الاقتصادي وإيجاد اليورو كعملة بديلة، فخرجت المعركة من قيمة الدولار باعتباره العملة المُهيمنة، وظهرت العملة الأوروبية التي أصبحت منافسة وأضحت أوروبا قوة اقتصادية إضافة إلى القوة اليابانية· إرادياً العولمة مرتبطة بقوة التكتل الاقتصادي، ولكن وراء ذلك السياسة الليبرالية وتفتح الدول على الحريات بينها، وزوال الحدود بين الحدود والقوميات، فأصبحت القوى التي تملك الاقتصاد هي القوى التي تملك الإعلام والاتصال وتفرض أفكارها وأهدافها في الأخير· ü أليس في الحديث عن تهديد العولمة للثقافات المحلية نوعٌ من التهويل؟ üü الثورة المعرفية أعطت للغرب إمكانية السيطرة على العالم وأتاحت امكانية الحديث عن الديمقراطية والحرية، وهو ما أدى إلى تمايز القوميات والثقافات والمجتمعات وخاصة في القرن الحالي، في أوروبا وأميركا هناك قوميات مختلفة وأصبح المشكل أمام الديمقراطية مطروحاً بصيغة: ما هو دور القوميات؟ كيف يمكن تحقيق الديمقراطية بين المجتمعات حيث تمارس حريتها دون سيطرة أو اضطهاد؟ وأصبحت المشكلة الآن في ''ديمقراطية الثقافات'': كيف يمكن جعل الثقافات المتباينة تعبر عن رؤاها المختلفة للعالم وخاصة دياناتها؟ الفلسفات الحديثة التي تعتمد على التواصل والحوار تدعو إلى حل المشكلات الاجتماعية في إطار الحوار الديمقراطي، لكن المشكلات الثقافية والدينية بعد أن فصلتها الديمقراطية عن السياسة ودفعتها عن خانة الاعتقاد الشخصي، أصبحت مطروحة، وبالتالي ما العمل؟ في السياق الديمقراطي الغربي أصبح الحديث عن تعايش الثقافات وحوارها، بمعنى إعطاء كل ثقافة وكل دين الفرصة ليعبِّر عن الخير الذي يراه مناسباً لاعتقاده وله الحق في أن يسعى لتحقيقه، وحينما تسعى كل مجموعة دينية لتحقيق رؤيتها الخاصة للخير، يصبح المشكل هو: ما هي القواعد والمعايير التي تعطي الحرية للجميع ليمارس رؤيته الخاصة دون أن يقصي الآخرين أو يسيطر عليهم؟ الخير شيء ذاتي فردي أو جماعي؛ ولكل مجموعة دينية مفهومها الخاص له، والحل أن نضع قواعد عامة تُعطى فيها الأولوية للعدل على الخير؛ بمعنى أن نفصل بين ما هو خيري ذاتي وما هو عدلٌ بإعطاء كل جماعة دينية الحق في التعبير عن رؤيتها دون أن تمس برؤية الآخرين، القاعدة في العدل يُراد لها أن تكون عامة حيادية تجاه الخير، فلا يحق لأية جماعة أن تفرض رؤيتها وعقيدتها على أخرى· ü يدعو بعض المفكرين العرب إلى مواجهة العولمة انطلاقاً مما يصفونه بـ ''القراءة المتبصِّرة للتراث''· ما رأيكم؟ üü هل يستطيع التراثُ أن يمكِّننا من امتلاك وسائل الفعالية وبخاصة في مجالات التكنولوجيا والصناعة؟ الديمقراطية والتسامح في الغرب سارا مع امتلاك الفعالية، وهما لا يتجزآن، وما دام العالم الإسلامي لا يعطي المكانة الحقيقية للمدرسة والجامعة للنهوض بالعلم والمعرفة لتنتج فكرًا يستطيع تحقيق التنمية في كل الميادين، فإنه يبقى يواجه الغرب مواجهة مقلوبة· ü ولكن أليس من حقنا أن نأخذ من الغرب ما يناسبنا فقط، لماذا يفرض علينا كل بضاعته بدعوى أنها لا تتجزأ؟ üü نريد أن نأخذ ما يناسبنا دون دفع الثمن، نريد الفعالية، وألا يتدخل الغرب في معتقداتنا وهويتنا،ولكن دون أن نفكر بأن الوصول إلى حرية الاعتقاد يجب أن يدعمه السيطرة على العلم، يجب أن نخوض مرحلة التحديث؛ بلداننا تزخر بشتى الثروات، ولكن هل استطعنا أن نفرض العقلانية التي توظفها لصالح الشعوب؟ إن المرور إلى العقلانية يفرض علينا دائماً المواجهة مع التراث، وهذه الجماعات التي تدعو إلى مواجهة العولمة به، هل تستطيع بالتراث وحده أن تحل مشكلة التنمية؟ أعتقد أنه لا يُحل إلا بالمرور إلى الفكر والعلم الحديث الذي نأخذه من الغرب، ولا يمكن أبداً أن نخادع أنفسنا ونقيم بيننا وبين الغرب حاجزاً، نحن بحاجة إلى التنمية والفعالية والعلم، وعندما يدخل العلم فلا بدَّ من إعادة النظر في التراث· ü هل أنتم بهذا تدعون إلى قبول العولمة كما هي؟ üü بالنسبة لي ، لا أقبل العولمة كما هي، ولكني أدعو الدول العربية اليوم لأن تكون في مستوى الوعي العميق بالرِّهان الحقيقي والدخول في الديمقراطية واكتساب الفعالية الاقتصادية والعلم والمعرفة؛ الدول العربية اليوم للأسف ليس لها سياسة ومنهج للبحث والإنتاج العلمي الذي يستطيع أن ينمِّي المحيط، وبالتالي لا تستطيع أن تطبق الديمقراطية لأن مجتمعاتنا لا تزال تقليدية وقبلية، ولا يمكن أبداً تحقيق الديمقراطية في مجتمع قبلي لا يملك قوة اقتصادية عصرية، والديكتاتوريات تتغذى من غياب العلم، مما يجعلها أنظمة تعيش على الريوع ولا تكترث بخلق الثروة، ولذا لا تشجع الجامعة على الإنتاج العلمي والمعرفي· ü هل تعنون أن تطبيق الديمقراطية كافٍ لإمتصاص العولمة أو مواجهتها؟ üü الديمقراطية هي التي تجعل العولمة ممكنة، فهي جعلت أوروبا وأميركا تهيمنان على العالم، بالديمقراطية يمكن أن نمتلك أدواتٍا وشروطاً تجعلنا نقف على أرجلنا في هذا العالم، هناك دول تحاول أن تقيم مشروعاً وطنياً تنموياً حقيقياً؛ إيران الآن في مواجهة وصراع حقيقي مع العولمة، بينما العالم العربي يعانيها ويتحمل آثارها فقط، إيران وتركيا تحاولان تطبيق الديمقراطية بحسب ظروفهما وخصوصياتهما، إيران تحاول تجنب مساوئ الديمقراطية بالرجوع إلى المرجع الأعلى، وتركيا تحاول تطبيق أنموذج ديمقراطي لا يتدخل فيه الجيش حتى لا يحدث لها ما حدث للجزائر، وليدخل المجتمع العربي الديمقراطية يجب أن يعتمد العقلانية والديمقراطية بمعناها الحقيقي القائم على حرية الاعتقاد وقبول الآخر· الديمقراطية هي الجانب السياسي لمواجهة العولمة، ولكن مواجهتها الشاملة تحتِّم وجود مشروع وطني· يجب تحضير النفس، نحن لا نواجهها بطريقة ميكانيكية بل وفق خطة، فهل نحضِّر أنفسنا الآن للتعايش مع العالم المتسارع في النموِّ والحريات؟ ü أليس هناك تقدم على صعيد التفكير في كيفية مواجهة العولمة؟ üü الممارسة سبقت التنظير؛ هناك مجتمعات عربية أصبحت مجبرة على دخول الديمقراطية نتيجة لضغوط العولمة، الغرب يملي الآن شروطه على الدول العربية، بل أصبح يملي عليها أيضاً فكرة فصل الدين عن الدولة، وكذا إعادة النظر في منظوماتها التربوية لأن المشكلة السياسية بلغت درجة الانسداد· وأؤكد أن الديمقراطية في الوطن العربي هي مفتاح حل مشكلاتنا· ü ومن هي الدول العربية الأقرب إلى التفاعل الإيجابي مع العولمة؟ üü هي الدول الخليجية؛ وضعها خاص وممارستها الاقتصادية ورخاؤها يجعلها قريبة إلى حل مشكلة الديمقراطية، وهي أقرب إلى العولمة دون عنف ودون تضحيات·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©