السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان والأمم المتحدة.. الامتحان الصعب

9 أغسطس 2007 04:33
عندما يكتمل عدد وعتاد قوة حفظ السلام الدولية التي قرر مجلس الأمن، بموافقة الحكومة السودانية، إرسالها إلى دارفور، ستكون تلك القوة الدولية هي الأكبر عدداً والأكثر تكلفة في تاريخ المنظمة الدولية منذ أن قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ،1957 بناءً على اقتراح كندي تكوين قوات الطوارئ وإرسالها إلى سيناء للفصل بين القوات الإسرائيلية والمصرية إثر العدوان الثلاثي على مصر· فالقوات ''الهجين'' المقرر تكليفها بإنجاز المهمة الصعبة حسب خطة الأمين العام ''بان كي مون'' سيصل عددها عند نهاية هذا العام أو مطلع العام القادم إلى ستة وعشرين ألف فرد، من ضباط وجنود ورجال شرطة ومراقبين مدنيين، وستبلغ ميزانيتها في العام الأول ملياريْ دولار··· وأهم من كونها الأولى عدداً وعتاداً وتكلفة، فإنها ستكون امتحاناً حقيقياً ليس لمقدرة الأمين العام الجديد وحسن إدارته لهكذا مهمة (وذلك وارد بالطبع)، ولكن للمجتمع الدولي وحسن إدراكه وفهمه وسخائه في التعامل مع وجه من وجوه الحروب الأهلية الأفريقية وما نتج وينتج عنها من مخلَّفات ومآسٍ صعبة التخيُّل· وخاصة أن سجل الأمم المتحدة وإدارتها المختصة بقوات حفظ السلام حافل بالإخفاقات والعثرات الخطيرة، التي ما تزال ماثلة في الذاكرة والعقل الأفريقي وليس أولها ولا آخرها الصومال ورواندا· وإذا كان الأمين العام بصبره وهدوئه الآسيوي الموروث، وخبرته الدبلوماسية الممتازة، قد نجح أخيراً في إقناع حكومة السودان بقبول القرار، ما حمل لكلا الطرفين تنازلات أكثر من شكلية، فإنه من نافلة القول أيضاً أن يُذكر الدور الإيجابي الذي لعبه ''الصديق الحميم'' والشريك الأكبر لحكام السودان، أي الصين الشعبية· فقد كان لـ''نصائحها'' (والأصدقاء عادة يتبادلون النصح والمصالح!!) لأصدقائها السودانيين أثرها في تليين موقفهم المتشدد وتطمينهم في نهاية المطاف بأن الصلح خير، وأنها ستكون أيضاً موجودة في دارفور· ليست الأمم المتحدة وحدها على المواجهة بالامتحان الأصعب في دارفور· فالسودان أيضاً معرَّض لهذا الامتحان الأصعب، بل لعل ورقة الأسئلة التي يتعين على حكومة السودان وحلفائها وخصومها من الفصائل الدارفورية المتقاتلة الإجابة عليها، هي الأشد صعوبة وعسراً··· فهم عليهم أن يؤكدوا أولاً بالفعل وبالممارسة أن ''قبولهم'' بالقرار الدولي، وموافقتهم على مهمة القوات الدولية، صدرا عن قناعة، وأن ''قرارهم الوطني'' في هذا الصدد قرار استراتيجي، وليس من باب المناورات والتشاطُر الذكي الذي أفقدهم جميعاً ثقة العالَميْن الخارجي والداخلي، وأوقع السودان بأسره في مهالك خطيرة لا تُحصى ولا تُعد· لأنه إن لم تكن الأطراف السودانية (الحكومة وحلفاؤها وخصومها من الفصائل الدارفورية )، بعد كل ما جرى ويجري في دارفور، قد توصلت إلى قناعة راسخة بأن هذا الطريق -طريق الاقتتال والمذابح وحرق القرى وتشريد المواطنين المدنيين البسطاء- لن يؤدي إلى مكسب أو ربح لأي منهم ناهيك عن الوطن السوداني، فمثل حروب دارفور هذه الرابح فيها خاسر والغانم منها لا يغنم سوى دعاء الأرامل الثكالى والأطفال والشيوخ العَجزة عليه بسوء المآل والمصير في الدنيا والآخرة··· وعليهم ثانياً أن يهتبلوا هذه الفرصة لمراجعة النفس والعقل، وأن يبحثوا في العمق عن أصل هذا ''البلاء'' الذي ابتُلي به السودان وليس دارفور وحده··· أن يعم السلام دارفور، وأن تتوقف الحرب غير المُجدية هو الهم الأول الآن الذي يشارك فيه المجتمع الدولي السودانيين المكتَوين بنارها·· لكن سكوت أصوات المدافع لن يحل الأزمة العميقة الجذور·· لذلك فإن السعي لانعقاد المؤتمر القومي واجبٌ مُعلقٌ على أعناق جميع القادة والأحزاب والقوى السياسية السودانية· وهو المدخل والمخرج الصحيح إذا جاءه الناس ليس بنوايا حسنة وصادقة فحسب، بل أن يأتوا إليه بفكر وأجندة ومشروعات عملية وعلمية -وما أكثرها- تضع الحلول الدائمة للأزمة في عمقها، وتضع أمام المجتمع الدولي الرؤية السودانية المتفق عليها من الجميع، وتطالبه بالمساعدة والعون في تحقيق السلام الدائم لدارفور والسودان· إن الأمم المتحدة -في تقديراتها- ستنفق في العام الأول بليونيْ دولار على قواتها المكلفة بمهمة دارفور· ولا أحد يقول حتى الآن كم عاماً ستستغرق المهمة الدولية·· لكن برامج إعادة النازحين والمُرحَّلين قسراً، وبناء القرى والمنشآت البسيطة التي أحرقتها ودمرتها نيران الحرب، وتوفير القدر البسيط من الخدمات الطبية والتعليمية، واستتباب الأمن ستكلف عشرات البلايين من الدولارات· وهي قطعاً فوق طاقة وقدرة السودان والمنظمات الطوعية· وعندما يتوفر الصدق والجدية والشفافية لدى السودانيين سيستعيد السودان ثقة المجتمع الدولي، وسيكون من حقه أن يطالب بالمشاركة الكبيرة والقوية في إعادة بناء وتعمير دارفور· لكنَّ عليه -السودان- أن يجتاز أولاً امتحان الثقة المفقودة·· وهكذا فإن دارفور أصبح قدره أن يكون ساحة امتحان صعب وعسير للسودان وللأمم المتحدة معاً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©