السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذاكرة في الإنعاش

28 يوليو 2007 04:58
يحتاج اللبنانيون إلى من ينعش ذاكرتهم الفردية والجمعية عند كل منعطف تاريخي يمرون به، وما أكثر منعطفاتهم التاريخية· هذه ليس نصيحة طبيب نفسي أو خبير اجتماعي، بل هي فتوى كل سياسي، محللا كان أو مسؤولا أو قائدا، يظهر على شاشات التلفزيون· ومن غير محطات التلفزة أقدر على إنعاش ذاكرة مواطنيها بحسب العرف اللبناني؟ طوال شهر، بدأ ولم ينته بعد، تولت شاشات اللبنانيين إنعاش الذاكرة في عملية بدت وكأنها أقرب إلى عملية غسيل الأدمغة· في ذكرى مرور سنة على العدوان الإسرائيلي المدمر على لبنان، شاهدنا محطات التلفزيون تقيم أعراسا للذاكرة كل واحدة على طريقتها· إحدى المحطات، وهي المعنية قبل غيرها بالحرب، استعادت يوميات العدوان وكأن طائرات العدو تدك المدن والقرى في هذه اللحظة، وعززت ذلك ببرامج وثائقية وحوارية، تسرد على مسامع الناس وأمام أعينهم وقائع ما جرى، وخلفيات ما حدث، واحتمالات المستقبل· وهذا مفهوم ومطلوب· محطات أخرى، تنطلق من اعتبارات مختلفة، تعاملت مع الذكرى وكأنها كابوس يربض فوق الذاكرة· فلم تجد من مجريات الثلاثة والثلاثين يوما بين 12 يوليو و14 أغسطس العام الماضي، غير فجائعية وطنية، تستحق إقامة سرادقات العزاء واستدعاء ندابات الأحياء والقرى لاستدرار دموع المشاهدين على أنفسهم· مرة أخرى، تعطي محطات التلفزيون في لبنان، التي نشأت في غمرة الإنقسام الوطني وبسببه ومن أجله، المثال على سعيها لمصادرة الرأي العام وتعليبه وتدجينه وفقا لما تريده القوى التي تدير تلك المحطات· نعم، إن أخطر ما في لبنان هو الإنقسام الطائفي والمذهبي، وأخطر ما في هذا الإنقسام هو عندما يعبر عن نفسه تلفزيونيا· في هذا السياق أذكر عبارة قالها زعيم لبناني قبل عصر الفضائيات: ''إن الإعلام هو مثل القنبلة النووية''· وقد فعلت هذه القنبلة فعلها في عقول اللبنانيين، فباتت المطلقات الوطنية تحتمل التأويل، وأصبحت قضايا الشأن العام البديهية، من أرقام الاقتصاد إلى مواد الدستور تظهر على شاشات التلفزيون باعتبارها وجهات نظر، بحسب تعبير رئيس الحكومة الأسبق الدكتور سليم الحص· فمن ينعش ذاكرة اللبنانيين بالطريقة الصحيحة؟ يبدو أن المخرجة كارول منصور طرحت على نفسها هذا السؤال، وقررت أن تقوم بجانب من المهمة· أعدت السينمائية الغيورة فيلما تسجيليا، ضمنته كل اللقطات الصادمة التي بثتها محطات التلفزيون أو تلك التي تجنبت بثها، وسلمت نسخا من الفيلم لشركة توزيع لكي ترسلها إلى كل السياسيين والنواب والديبلوماسيين في لبنان علها ''تنعش ذاكرتهم''· كانت صدمة نيكول قاصمة عندما وصلت نسخ الشريط إلى المعنيين واكتشفوا أن ما يحتويه هو فيلم إباحي من العيار الثقيل! بالتأكيد أن مقلبا أعد بعناية لكي يصيب كارول في مهنيتها ووطنيتها، ويبدو أن هذا المقلب هو من نفس العيار الذي ''يشربه'' اللبنانيون من تلفزيوناتهم عندما تتولى إنعاش ذاكرتهم· adelk85@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©