الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثورة يوليو ووحدة وادي النيل

26 يوليو 2007 03:14
كلما حل اليوم الثالث والعشرون من يوليو تتداعى في الذهن والخاطر شتى الذكريات الباعثة للأمل حيناً والمثيرة للشجون أحياناً أخرى، ففي يوم الثالث والعشرين من شهر يوليو ،1952 فاجأ الجيش المصري باعلان انقلابه على السلطة، وتسلمه زمام الأمور في البلاد· في الأشهر السابقة لشهر يوليو كانت الأزمة السياسية في مصر قد بلغت درجة الغليان وتمثلت قمتها في حريق القاهرة الذي ثبت فيما بعد أن التدبير والتخطيط له كان من فعل السراي وأجهزتها السرية، وكان المقصود منه التخلص من حكومة الوفد الدستورية وانهاء المقاومة الشعبية في منطقة القنال التي اندلعت ضد البريطانيين بعد إعلان الحكومة الوفدية إلغاء اتفاقية عام 1936 البريطانية- المصرية· أعلن الجيش بصوت البكباشي أنور السادات تسلمه مسؤولية السلطة وقيام مجلس لقيادة الثورة برئاسة اللواء محمد نجيب المعروف للكثيرين من أعضاء النخبة السودانية بحكم نشاته في السودان· وتطورت الأحداث على النحو المعروف، والتي انتهت إلى ''تنازل'' الملك فاروق عن العرش لولي عهده الطفل،''وبترحيله'' عن مصر أصبحت ''الحركة المباركة'' -كما سمت نفسها في بيانها الأول- ثورة 23 يوليو وانفتحت بذلك صفحة في تاريخ وادي النيل العتيق ما تزال تفعل بعض فعلها في حياة شعوبه ومصائرهم حتى يومنا هذا· كان أكبر الذين فاجأتهم ''حركة الجيش المباركة'' صبيحة يوم الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 القادة الاتحاديين السودانيين ''دعاة وحدة وادي النيل'' على اختلاف أحزابهم وفصائلهم الاتحادية، وعلى اختلاف درجات علاقاتهم قرباً وبعداً عن سراي عابدين (مقر الملك الرسمي) وعن زعماء الأحزاب المصرية التي كانت تتداول الحكم فيما بينها قبل اليوم التاريخي المشهود· بل إن المفاجأة الكبيرة قد أحدثت في صفوف القادة الاتحاديين ارتباكاً عظيماً دفع أحدهم للإسراع بإدانة الانقلاب غير الشرعي ضد صاحب الجلالة والحق الدستوري الملك فاروق ملك مصر والسودان! لم يفتتح يوم الثالث والعشرين من يوليو الخالد صفحة تاريخية في حياة شعوب وادي النيل (مصره وسودانه على قول الشاعر) فحسب، بل فتحت الثورة صفحة تاريخية مستمرة الأثر في تاريخ وحياة شعوب الأمة العربية بأسرها من المحيط إلى الخليج، وصارت بحق جزءاً مؤثرا وملهماً في هذا التاريخ العربي الممتد عبر مئات القرون ·· لكن التركيز هنا على دور وأثر الثورة في حياة شعوب الوادي في حاضره ومستقبله آنذاك يأتي من الخصوصية الجغرافية والتاريخية، التي حكمت علاقات الشعبين المصري والسوداني منذ أزمان بعيدة في التاريخ القديم والحديث· ولقد كانت إحدى اشراقات الثورة منذ بدايتها المبكرة في عامي 52 و53 إدراك قائدها لأبعاد هذه العلاقة الاستراتيجية منذ البداية، لذلك فقد أولت الثورة ''قضية السودان'' اهتمامها الأكبر حتى وهي مشغولة آنذاك بترتيب أوضاعها الداخلية انشغالاً كبيراً وقدمت قضية السودان والجلاء عن السودان على قضية الجلاء عن قناة السويس في مفاوضاتها مع بريطانيا· ولقد كان من حسن حظ مصر والسودان هذا الوعي والوضوح الاستراتيجي، الذي تميز به ذهن عبدالناصر خاصة تجاه العلاقة المصرية- السودانية، هذا الوعي والوضوح الذي كان له الأثر الأكبر على الهيئة التأسيسية (مجلس قيادة الثورة التاريخي) عندما جاءت اللحظة التاريخية الفاصلة في الربع الأخير من عام ،1955 وشهد مقر المجلس في الجزيرة اجتماعاً صاخباً ناقش فيه تقريرا من الصاغ صلاح سالم عن السودان لم تخل بعض عباراته من الحدة والانفعال· كان الواضح أمام أعضاء المجلس أن السودان يتجه نحو إعلان الاستقلال (بعبارة المرحوم صلاح سالم) نحو الانفصال، وأن الأزهري ورفاقه (الاتحاديين) قد ''خانوا قضية الوحدة، وحدة وادي النيل·· وكان من رأيه والفريق الذي عمل تحت قيادته في وزارة شؤون السودان، أنه إزاء هذا الموقف، يتعين على مصر أن تلجأ إلى استخدام نص في اتفاقية فبراير عام 1952 يقول باجراء استفتاء لتقرير المصير في السودان حول الوحدة أو الاستقلال، وانقسم الرأي في المجلس وتبادل بعض أعضائه والصاغ صلاح سالم كلمات قاسية ··· بدا أن المرحوم صلاح سالم كان يريد أن تخوض مصر معركة في السودان ضد الاتحاديين الانفصاليين، وعندما تلبد الجو بالغيوم والتوتر، تدخل عبد الناصر، ليحسم الأمر بكلمات شديدة الوضوح، حيث قال لرفاقه إنه لا يرى أن هناك ما يستدعي كل هذا الجدال والتوتر، وإذا كان الأخوة السودانيون قد قرروا أن يعلنوا استقلال بلدهم فذلك أمر طبيعي وحق طبيعي ولا يجوز لنا أن نتحايل عليه بنصوص قانونية، بل إن واجبنا أن نكون أول المرحبين والمؤيدين لاستقـــلال الســـودان ونؤسس بذلـــــك علاقــــة جديدة مثمرة ومفيـــدة للشعبين تتم في جـــو من الصداقـــة والود··· فالســــودان الحر المستقــــل سيبقى دائما مهمـــا كانــــت الظروف سنداً لمصر الحرة المستقلة، كما ينبغي لمصر أن تكون كذلك، وقد كان، وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر بعـــد عـــام من استقلال الســودان صدقت نبوءة عبد الناصر تلك، فقد كــان الســـودان شعبـــه وأرضه ظهرا لمصــر في ساعــات الشدة تلــك·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©