الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل ينجح «تهريب الشعـــــر» العربي والألماني؟

هل ينجح «تهريب الشعـــــر» العربي والألماني؟
3 مارس 2010 20:41
ما هي الفكرة؟ كيف نخلق التبادل الثقافي من خلال الشعر وهل يستطيع الشعراء أن يضعوا أسساً لذلك، وهل ما اجترحه الشعراء العرب والألمان كان معقولاً وصحيحاً؟. لندقق بتأمل كثيف كما هو حال الشعر عندما يتناول العالم بما جرى، كانت الفكرة الأساسية قد أطلقت تحت ما يسمى “تهريب أبيات الشعر ـ قافلة الشعر” وتقوم على مشروع يدور حول حوار الشعراء المباشر باستخدام اللغة الأم لكل منهم وبدون لغة وسيطة، في إطار هذا المشروع التقت مجموعة من الشعراء الألمان والعرب من البحرين والإمارات والكويت وسلطنة عُمان والسعودية في “ورشة الأدب ببرلين” في ديسمبر الماضي وعلى مدى عشرة أيام قام الشعراء بالعمل في مجموعات زوجية وأعاد كل منهم صياغة الأشعار التي ألفها شريكه ولكن بلغة الأم، وتم التواصل بين الشعراء وبعضهم البعض باللغة العربية والألمانية فقط، أي باللغة التي يفكر ويحسي ويكتسب بها كل منهم. واستكمالاً للفكرة وتطويراً لها سيقوم الشعراء بعمل رحلة هي “قافلة الشعر” مشتركة عبر دول الخليج العربي في ربيع العام 2010 الجاري، وتبدأ هذه الرحلة من خلال الفعالية التي ينظمها معهد جوته لمنطقة الخليج في إطار فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته العشرين والذي ينعقد الآن على أرض المعارض في أبوظبي. وتعد هذه الفعالية مناقشة مفتوحة حول نتائج هذا المشروع والخبرات التي يتبادلها الشعراء والتي تعد العلامة المميزة لبدء هذه الرحلة، حيث تقوم كل من الشاعرة الإماراتية نجوم الغانم والشاعر الألماني جيرهارد فالكنر والشاعر البحريني علي أحمد الشرقاوي بقراءة أشعارهم والتحدث عن خبراتهم التي قاموا بها في إطار مشروع الترجمة. جاء هذا المشروع بتنظيم من “ورشة الأدب ببرلين” بالتعاون مع السفارة الألمانية بالبحرين ومعهد جوته لمنطقة الخليج العربي وبدعم من وزارة الخارجية الألمانية ووزارة الثقافة البحرينية. كيف ترى انعقاد الجلسة الأولى في معرض أبوظبي الدولي للكتاب؟ أولاً لنقل ونتفق مع مجترحي هذا المشروع أنه ليس عملية ترجمة بقدر ما هو عملية تهريب للحالات الشعورية ومحتواها إلى اللغة الأخرى وذلك ما أكده مقدم التجربة المتخصص في الأدب الألماني الشاعر المصري الدكتور طارق عبدالباري عندما قدم الشاعرة نجوم الغانم والشاعر علي أحمد الشرقاوي والشاعر جيرهارد فالكنر أمس الأول في ندوة “منبر الشعر” التي أقيمت ضمن فعاليات معرض أبوظبي للكتاب. في البدء افترض عبدالباري مجموعة من المراحل في الحوار فأطلق على أولى المراحل تسمية “الطابق الأول” وكان سؤاله فيه: نحن في بناية الشعر وطابقها الأول يحمل قضية الشاعر والشعر، قضية الفيحة لذا سأحدد سؤالي بالآتي: ما هي القيمة الحقيقية للشعر اليوم؟ فأجابت نجوم الغانم: يكفي للقصيدة اليوم أن تكون مقاومة للموت وعاد عبدالباري ليسألها ثانية: وما الخسارة التي يتكبدها العالم من فقدانه للشعر؟ وتجيب نجوم الغانم: أعتقد أن الخسارة هي خسارة الآخر، فالقصيدة لا تخسر. ويتحول طارق عبدالباري إلى فالكنر ليوجه إليه السؤالين معاً ويجيب تعريفاً للقصيدة: أعتقد أن القصيدة ليس لها مثيل. أما جواب فالكنر عن السؤال الثاني فقال فيه: أعتقد أن ما كتبه عن عدم وضوح القيمة للقصيدة الشعرية هي أن القصيدة الشعرية المحور وما غير ذلك هو الخاسر، ويكفي الشعر أن قدرته على تلخيص ما يجري في العالم بأقل الكلمات. ويبدأ المحور الثاني فيصعد طارق عبدالباري بالشعراء الثلاثة إلى الطابق الثاني حيث يتساءل في محور أسماه “الشاعر وإبداع الآخر”.. كيف كنتِ ـ والسؤال موجه إلى نجوم الغانم ـ قبل أن تحلي في روح الشاعرة الألمانية نورا بوسنك ـ التي كانت رفيقة نجوم الغانم في هذه الرحلة ـ وما الذي أخذتيه منها؟ فتجيب الغانم: بدأ الأمر أكثر اعتداداً بالنفس بالثقافة الشخصية، ثقافة الأم التي هي العربية فكان من الصعب التنازل عن هذه الفكرة، وعندما كنا نتناقش كنت أرفض أن أتنازل عن أفكاري إزاء النص الشعري الذي أكتبه، ولكن بعد اليوم الأول ودخولنا في اليوم الثاني، أصبحنا نؤمن بأن نكون أمينين للمعنى ولكن نعطي للآخر حرية أكبر. وتواصل: ذلك الاعتداد الذي بدأناه في هذه التجربة بدأ يتلاشى مع نهاية التجربة، وعند النهاية اقتنعت فعلاً وصرت أرى وأؤمن بالآخر. ويتحول السؤال إلى فولكنر الذي يشرح فيقول: الأمر بالنسبة لي كان مختلفاً، وليس سهلاً أن أدخل داخل فكر الشاعر الآخر، ولذا عليّ أن أفهم ما يقوله الشاعر العربي ـ ويقصد الشرقاوي ـ وأفهم قصيدته بوضوح، حيث لا نريد أن نترجم الكلمة بشكل حرفي إنما نستخدم المجاز. ويجيب الشرقاوي أيضاً: نحن عملياً كنا نبحث عن ترجمة المعنى، فكثيرا ما يُقال إن الترجمة خيانة فأنا أحول القصيدة إلى لغة ثانية، ويمكن لي أن أصف الكتابة هنا بالصوت والصدى وأنا أتعامل مع الترجمة كأنني أتعامل مع الصدى، وهي تجربة مهمة قمنا بها مع الشعراء الألمان وبخاصة تعاملي مع فالكنر ومع الوسيط بيننا، ولذا فإنني أعتبرها رحلة إيجابية ولكنها لم تجعلني أتوقف أمام تجربتي الشخصية بشكل مغاير ومختلف. وأضاف: هي خطوة لابد أن تتبعها خطوات كثيرة ليس على الأخص في مجال الترجمة بل على مختلف الصعد، وعليه فإنني أعتبرها تجربة مهمة جداً ومازلت أحاول أن أعطيها أكثر وأبث فيها الروح من أجل أن تستمر. ويجترح طارق عبدالباري أن يصعد الشعراء الثلاثة إلى الطابق الثالث مجترحاً أيضاً تساؤلاً مهماً وهو ماذا نفعل في جدلية الزمن والشعر؟ وهل نرى أن الأداء قد تغير في حالة قراءة الشعر مترجماً وفي الأصل، وهل يقرأ الشاعر بالأسلوب الذي يحب أن يقرأ به شعره، وهل للمرأة أسلوب خاص في الإلقاء يختلف عن أسلوب الرجل؟ وترد نجوم الغانم قائلة: في تصوري أن قراءة القصيدة حالة خاصة وهي تتعلق بإحساس الشاعر بطريقة نسج الكلمات التي كتبها وأن الإعلام كرّس في أذهاننا الإلقاء الكلاسيكي، وأعتذر أنني لن أقرأ كيف يمكن أن تقرأ قصيدتي.. وتقرأ قصيدتها: ظللّت نفسي باللغة العربية ظللّت نفسي بالنوم ثانية مُصليةً أن يعود الطائر لينقرَ نافذتي أو يدنو من الشرفة مشاغباً هذا الصباح الطائر الذي كان يرافق شتاءاتنا ويعزف في أيةِ ساعةٍ يُطلقُ صوتهُ لينبئنا بمجيئه (هل تتذكر الطائر ذا المنقار الشاهق؟) انتظرتُ أن تمتدَ يدٌ لتحرك صمتَ الغرفة فطالتِ الأزمنةُ، احترقتْ أطراف اليومِ بأولِ لسعةٍ من برد الليل القادم على عجلٍ يوم آخرُ يذهبُ السريرُ خالٍ، والأسطح ممتلئةً برمالِ عاصفة النهارِ.. الطائر الذي يعرفنا لا يريد الاقترابَ من أشجارنا والصمت كذلك لا أظنهُ سيتزحزح من مكانه ويبدأ فالكنر في قراءة قصيدة “ظللّت نفسي” للشاعرة نجوم الغانم ولكن باللغة الألمانية. ويتداخل علي الشرقاوي ليعطي رأيه في الأداء فيقول: في تصوري الشخصي أن القصيدة عندي تنتهي بعد الاكتمال حين أضع “النقطة” فتتحول إلى ماضٍ، وأقول إنه من الصعوبة أن يكون الشاعر عندما يقرأ قصيدته كما هو. كذلك أشك أنني أستطيع أن أقرأ قصيدتي ذاتها بعد 10 سنوات كما قرأتها لأول وهلة. ويضيف الشرقاوي: أجد أن الإلقاء يحتاج إلى موهبة جيدة ولكن هناك مفارقة في هذا الجانب أن القصائد الضعيفة قد تصل إلى المتلقي عبر الإلقاء الجيد والقصائد الجيدة قد لا تصل إلى المتلقي عبر الإلقاء الرديء أو الضعيف. ويقرأ الشرقاوي قصيدة بعنوان “ما لا يتفهرس” من ديوانه الجديد “البحر لا يعتذر للسفن” يقول فيها: بالقلب رأيت: كواكب أزمنةٍ في شكل الولدان حنان صلاة العشبة في الصمت العاصف تاريخ الحجر الناطق بالماء الممكن ريحان الغبطة عاطفة الكاف الأمّارة بالريح ضفاف الحدس الخارج عن سلطة كل الكلمات أمواج الذبذبة الأولى وفراغات الأوتار الكونية ورأيت الماضي والمستقبل رأيت... رأيت... را...... ويقرأها أيضاً جيرهارد فالكنر بالألمانية ونحس بأن ثمة فرقاً بينهما حيث العربية تحمل إيقاعها. ويقرأ فالكنر قصيدته “مسودة تخريب” بالألمانية ويقرأها علي الشرقاوي بالعربية وهي التي تقول: أنا هو الشاعر لا تردوا عليّ الأوساخ التي أقذفها عليكم أنا الذي كما هو مثبت في الورق صعلوك تتمسح به اللغة. أنا المتسلل للأحياء العشوائية إن قلت.. أحط من نفسي فما أن أنطق حتى يرجع لي صدى أحلى الأيام (حلوة بمعنى مرّة) ويوجه طارق عبدالباري سؤالاً إلى الشاعرة نجوم الغانم: هل تعتقدين أن كل من يترجم الشعر لابد أن يكون شاعراً؟ فتجيب الغانم: أعتقد أننا عندما نقرأ أي قصيدة أخرى نقرأها بطريقة قراءتنا نحن. ولابد أن نقرر حقيقة مهمة أننا تعرفنا على شكسبير من خلال ترجمات جبرا إبراهيم جبرا وكذلك تعرفنا على “الأرض الخراب” “ذا ويست لاند” للشاعر الفرنسي ت. س. اليوت من الترجمة، إذاً المترجم لابد أن يساهم بشكل مباشر وعميق في صياغة نص جديد. وأضافت نجوم الغانم: هناك ترجمات سيئة استلبت روح الشعر وأضرت بالأعمال المهمة، ولكننا في النهاية لابد أن نعترف أنه لولا تلك الترجمات ما عرفنا الآخر، سواء أكانت جيدة أو رديئة، ولابد لي أن أقرر أنه إذا ما كان المترجم شاعراً فلابد أن يعرض ما ترجمه على شاعر قبل أن ترى ترجمته النور. ويتداخل علي الشرقاوي ويقول: ضرورة أن يكون المترجم شاعراً، فأنت لا تنقل المعنى بل تحاول أن تنقل شيئاً من روح الشعر. واستشهد الشرقاوي بمثال بسيط ومهم وهو إبداع صاحب رواية “البؤساء” فكتور هيجو حيث عرف كونه روائياً بينما كان في حقيقة الأمر أحد شعراء الرومانسية الكبار في العالم. كذلك رامبو فقد تعرف عليه الشرقاوي، كما يقول، من خلال قصة حياته المأساوية ولمغامرة قبل أن يتعرف عليه شاعراً مجدداً. أما جيرهارد فالكنر فيرى أن ترجمة سيئة لقصيدة أفضل من لا ترجمة على الإطلاق، وبذلك لخص موقفه من الترجمة. وطلب من علي الشرقاوي أن يقرأ شيئاً من شعره فقرأ قصيدته القصيرة “الأزرق” التي يقول فيها: يعكس حنجرتي حين تنط الموجة من جلد الأفعى أو حين يجيء القرشُ الفاره بالحب ليغفو فوق ذراع قناديل الدهشة في ليلٍ يشبه صمت الصبح إلى ما لا يفهمه الأزرق أسعى وتنتهي الجلسة الشعرية والحوارية في المنبر الشعري ويطلب من الشاعرة نجوم الغانم أن تقرأ شيئاً من قصيدة الشاعرة الألمانية نورا بوسونج وقد ترجمتها إلى العربية الغانم، وهي بعنوان: “قرون الأيل” وتقول فيها: ها انتهت اللعبةُ والآن كيف لنا أن نصدق الحكايات الخرافية بعد أن لم تعد الأيائل تتجول في الغابات ولم تعد الأغصان تتكسر تحت أقدامها في الليالي وبعد أن تحول رذاذ المطر إلى شلالات من الذباب ولكن هذا ما آلت إليه الأشياء حرقان أقدامنا ليس بفعل شوك الصنوبر ولا لسع القراص مازلنا نتبع إيقاع الأساطير ذاتها حكاية الجبال السبعة، والأيل الصغير والشقيقة المحبوبة وتختتم الحلقة الشعرية أو كما أطلق عليها منظموها “ورشة الشعر أو الأدب” بهذه القصيدة لتبدو حقيقة أنها ورشة جديدة بطروحاتها وعمق مفاهيمها بالرغم أنها كانت ذات طابع نقدي في أغلب مفاصلها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©