الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وسائل الاتصال الحديثة تطارد التفاعل والتواصل المباشر بين الناس

وسائل الاتصال الحديثة تطارد التفاعل والتواصل المباشر بين الناس
23 ديسمبر 2012
بعد انتهاء فعاليات الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف الثامن عشر من ديسمبر الجاري. طفت على السطح قضية أهمية اللغة العربية كعنصر ثقافي فاعل ومؤثر في عملية الاتصال، مع إلقاء الضوء على كيفية توظيف وسائل التواصل في تعلم اللغة التي أسست لحضارة العالم بأسره ولنهضته وتقدمه، وهي اللغة التي نعتز بها، ونتمسك بحروفها ومكنوناتها وإبداعاتها وجمالياتها التي تفتقر إليها كثير من لغات العالم. لكن ما هي الوسائل والأدوات التي يمكن أن تحقق هذه الغاية.. وكيف يمكن حماية اللغة من وسائل الاتصال الحديثة من إنترنت وهواتف نقالة وأجهزة لوحية مختلفة قد تكون من عوامل المؤثرة على مكانة لغتنا الجميلة؟! خورشيد حرفوش (أبوظبي) - اللغة بشكل عام هي أداة وعصب عملية التواصل الاجتماعي بين الناس باختلاف ثقافاتهم وألوانهم وجنسياتهم وألسنتهم. لكن لا يختلف رأيان في أن العقود الثلاثة الماضية قد شهدت ثورة وطفرة هائلة في الاتصال والتواصل في العالم من حولنا. ومن ثم غدت لغة وسائل الاتصال الحديثة أكثر قرباً وتأثيراً في توجيه الجماهير وتعبئتهم وتشكيل ثقافتهم واتجاهاتهم، بل تعدى هذا الدور إلى مرحلة «الخطورة» لانعدام عوامل الضبط والسيطرة المجتمعية على لغة التواصل بين الناس دون قيود. إن اللغة كأداة للتواصل البشري نتاج اجتماعي بطبيعتها، ومرآة تعكس تاريخ الشعوب واهتماماتها، بل هي الوسيلة التي تساعد على نقل التقاليد وتكوين الأهداف، وتساعد على قيام التنظيمات الاجتماعية البشرية وتعطيها استمراراً في الزمان والمكان. بل ويمكننا القول إن أعظم ما ابتدعه الإنسان هو اللغة كأداة للتفاعل الاجتماعي ولنمو الفرد ونمو المجتمع. نقل الأفكار يرى الدكتور محمد ناصر الخوالدة، أن لغة الحديث مرتبطة، بإمكانيات المتحدث في التعبير لنقل فكرته لكي يتم استيعابها وفهمها. لذلك يجب أن تكون لغة المتحدث بسيطة وواضحة ومختصرة وتعبيرية وعملية في آن واحد. فمفردات الحديث هي التي بواسطتها ينقل بها المتحدث فكرته بأقل ما يمكن من الكلمات وأعمق وأقوى ما يمكن من التأثير على مستمعيه. إن الواقع والتجارب أثبتت كل يوم بأنه إذا كانت مفردات المتحدث ضعيفة وسيئة فلا يمكنها أن تحقق أي نجاح وتأثير، حتى لو أنه يعالج فكرة وقضية علمية عميقة وحيوية معاً. فاختيار الكلمة المناسبة والمؤثرة في معناها ضروري وذو أهمية في معالجة أي موضوع كان. فكلما كانت اللغة ابسط ومفهومة أكثر كانت أفضل وأحسن، فمفردات الحديث المستعملة يجب أن تتمتع بالدقة لكي تحرك أحاسيس المستمعين وتجذب انتباههم. فعدم الدقة في التعبير يعطي صورة سيئة، ويخرب كل الانطباع والتأثير. واللغة من الأمور التي يرى كل فرد نفسه مضطرا إلى الخضوع لما ترسمه، وكل خروج على نظامها، ولو كان عن خطأ أو جهل يلق من الرأي العام مقاومة، تكفل رد الأمور إلى نصابها الصحيح وتأخذ المخالف ببعض أنواع الجزاء. فاللغة كغيرها من مظاهر الثقافة تتميز بخاصية التراكم والاستمرار والنمو والقدرة على الانتقال. والأكثر من هذا كله فإنها هي ذلك الجزء من الثقافة أو الحضارة الذي يساعد أكثر من غيره على التعلم وزيادة الخبرة والمشاركة في خبرات الآخرين، سواء الخبرات الماضية أو الحالية، أي إنها العامل الأساسي في علمية التراكم التي هي عنصر في الحضارة الإنسانية». تقنيات الاتصال أما الدكتور فؤاد أسعد، أستاذ علوم الاتصال والعلاقات الإنسانية، فيوضح العلاقة بين اللغة ووسائل الاتصال الحديثة، ويقول: «هناك دراسة أميركية تشير إلى أن الأميركيين الذين يستخدمون تقنيات الاتصال الحديثة اجتماعيون أكثر من غيرهم، وأن الإنترنت والهواتف المحمولة لا تشد الناس بعيدا عن الأوساط الاجتماعية التقليدية بل تعززها، حيث يرتبط استخدامها بشبكات مناقشة أوسع وأكثر تنوعا. ورغم أن الدراسة أشارت إلى أن استخدام الشبكات الاجتماعية مثل «الفيسبوك» و«تويتر» وغيرها قد احتل مكان العلاقات مع الجيران، إلا أنها تظهر أن مستخدمي «الإنترنت» قد يزورون جيرانهم مثلهم مثل الآخرين، كما أن الأشخاص الذين يستخدمون الهواتف المحمولة وشبكة الإنترنت بكثرة في العمل، غالباً ما ينتمون إلى مجموعات تطوعية محلية أيضاً. إن معرفة تأثير الثورة المعلوماتية والاتصالات وانتشار «الانترنت» في البيوت والمؤسسات والمقاهي تعد ظاهرة تستحق الاهتمام والدراسة لمعرفة آثارها الاجتماعية والنفسية، فاستخدام «الإنترنت» أصبح من الظواهر التي يرى الإنسان العادي انعكاساتها، فاستخدام «الانترنت» أصبح بديلاً للتفاعل الاجتماعي الصحي مع الرفاق والأقارب، وأصبح هم الفرد قضاء الساعات الطويلة في استكشاف مواقع «الانترنت» المتعددة، ما يعني تغيرا في منظومة القيم الاجتماعية للأفراد، حيث يعزز هذا الاستخدام المفرط القيم الفردية بدلا من القيم الاجتماعية وقيم العمل الجماعي المشترك الذي يمثل عنصرا هاما في ثقافتنا». ويضيف الدكتور أسعد: «إن الاستخدام الفردي للحواسيب و»الانترنت» يعزز الرغبة والميل للوحدة والعزلة، ما يقلل من فرص التفاعل والنمو الاجتماعي والانفعالي الصحي الذي لا يقل أهمية عن النمو المعرفي وحب الاستطلاع والاستكشاف، وأن بعض الدراسات الأولية تشير إلى أن استخدام الانترنت يعرض الأطفال والمراهقين إلى مواد ومعلومات خيالية وغير واقعية، مما يعيق تفكيرهم وتكيفهم، وينمي بعض الأفكار غير العقلانية، وخصوصا ما يتصل منها بنمط العلاقات الشخصية وأنماط الحياة والعادات والتقاليد السائدة في المجتمعات الأخرى». برامج الحماية من جانب آخر، تشير الإعلامية فاطمة الطباخ إلى كيفية توظيف وسائل الاتصال الحديثة في تعزيز مكانة اللغة العربية، وتقول:«علينا أن نتذكر كيف كانت حياتنا قبل اختراع «الإنترنت» والهاتف المحمول ؟ لقد كانت أكثر سعادة وهدوءا وتواصلاً، فوسائل الاتصال الحديثة مزقت الصلات والتواصل الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة، والأشخاص المقربين لمصلحة عالم وهمي افتراضي، وعلينا أن نستثمر هذا الانتشار الواسع لوسائل الاتصال الحديثة في تعزيز اللغة العربية، والحفاظ عليها، وهي مسؤولية مجتمعية كبيرة وصعبة، ولا تتأتى إلا من خلال توفير برامج لغوية للتداول، وترجمة البرامج الإلكترونية التي تحظى بانتشار وإقبال لدى الشباب والمراهقين إلى لغة عربية سليمة، وإيجاد رقابة لغوية دقيقة على ما تتعرض له مجتمعاتنا من غزو للغات ولهجات هابطة وهشة، ومراجعة المناهج الإلكترونية المدرسية مراجعة دقيقة، وتصحيح الأخطاء السائدة. وأشير هنا إلى نتائج لاستطلاع رأى أُجري على عينة من مائة معلم، وفيه أكد 70% منهم أن قضاء الأطفال لساعات طويلة بشكل منفرد مع التقنيات وبخاصة الإنترنت يؤثر سلبا على مهاراتهم الاجتماعية. كما يجب البحث عن كيفية الحد من نتائج الاستخدام السلبي لإدمان أحد الزوجين، أو لإدمان الصبية والمراهقين للإنترنت. وفي دراسة أخرى منشورة عن الآثار الاجتماعية للإنترنت على الشباب، كشفت أن 50.07 % من أفراد العينة يذهبون إلى أن شبكة الإنترنت تؤثر سلباً على الوقت الذي يتم قضاؤه مع أسرهم، ورأى 52.5% منهم أن لشبكة الإنترنت تأثيراً سلبياً على العلاقات الأسرية، وذهب 60.8 % أن لها تأثيراً سلبياً على العلاقات مع الأصدقاء والأقارب، حيث تقل معدلات الزيارات الأسرية». «سلاح ذو حدين» الخبيرة اللغوية أحلام الجمالي توضح علاقة وسائل الاتصال الحديثة باللغة العربية سلباً وإيجاباً، وتقول:» من الممكن أن تؤثر وسائل الاتصال الحديثة على اللغة العربية سلباً وإيجاباً في آن واحد، أي أنها تصبح سلاحاً ذا حدين، فالجانب السلبي يتمثل في إسهامها في نشر المفردات اللغوية الهشّة والغريبة والركيكة، وبلكنات ولهجات تضر بسلامة اللغة العربية نتيجة تداخل الثقافات واللهجات، والخطورة تكمن في أن الأطفال والصبية والشباب والمراهقين يتناقلون عبر وسائل الاتصال الحديثة هذه اللغة بيسر وسهولة، ويستسهلونها عن اللغة الفصيحة، بل إننا نجد لغة خاصة تسود بين بعض الأوساط أو الجماعات، ولا نفهمها بل نجد أنهم يتداولون مفردات غريبة بعيدة عن ثقافتنا العربية. أما الجانب الإيجابي فيتمثل في إمكانية إسهام وسائل الاتصال في نشر اللغة العربية السليمة بلغة محايدة وسهلة تذوب فيها فوارق اللهجات، ولعل التلفاز ومواقع «الانترنت» وشبكات التواصل يمكن أن تحقق هذا الهدف. ومن ثم أؤكد أهمية مراجعة برامج الترجمة الإلكترونية، ومناهج اللغة العربية، أو غيرها من العلوم التي دخلت المقررات الدراسية حديثاً، والتأكيد على دور المدرسة والأسرة ووسائل الإعلام والمكتبات والجمعيات الأهلية في مكافحة أي مظاهر سلبية تؤثر على اللغة العربية، والاهتمام بالبرامج والأنشطة اللاصفية في المدارس لمقاومة التأثير السلبي لوسائل الاتصال على لغتنا العربية، وحرص القائمين على تعليم اللغة، أو العاملين في أجهزة الاتصال المؤثرة «الإذاعة والتلفزيون» على نشر وتعزيز ثقافة التمسك باللغة العربية كمقوِّم ثقافي وحضاري وإرث يرتبط ارتباطاً مباشراً بهويتنا الوطنية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©