الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أون»... سراب الإصلاح في كوريا الشمالية

17 ديسمبر 2012
بلين هاردن كاتب أميركي متخصص في الشؤون الكورية كقاعدة عامة لا شيء يُسرع في وتيرة الإصلاح أكثر من موت ديكتاتور، فبعد ستالين اختفى «الجولاك» من الوجود، والأمر نفسه مع السياسات، التي جوعت الصينيين لعقود، حيث توقفت عقب وفاة «ماو»، لذا عندما غيب الموت الزعيم الكوري، كيم يونج إيل، قبل عام اعتقد البعض أن عهداً جديداً من الإصلاح ستشهده كوريا الشمالية، لكن هذه الأخيرة التي تعتبر أقدم نظام شمولي في العالم تتحدى القواعد الراسخة وتتمرد على الاعتقادات السائدة. فعندما توفي الزعيم المؤسس لكوريا الشمالية «كيم إيل سونج» عام 1994، تعثرت الدولة لكنها لم تنهر، كما لم تنخرط في أية إصلاحات. ولأول مرة في تاريخ الأنظمة الشيوعية تنتقل السلطة من الأب إلى الابن، من القائد العظيم، إلى القائد العزيز، ومع ذلك ظل «كيم يونج إيل» بعيداً عن محاولات الإصلاح، بل تبين أنه أكثر قمعاً وتشدداً من والده. واليوم عزز الجيل الثالث من أسرة كيم قبضته على السلطة بعدما تولى كيم جون أون الرئاسة، وهو لم يتعد بعد 30 سنة ليقوم بما لم يستطع القيام به والده ولا جده من قبله، حيث وجه تعليماته لمهندسيه وخبرائه في مجال التسلح لإطلاق صاروخ من ثلاثة أجزاء في الفضاء الخارجي ووضعه في مدار حول الأرض، متحدياً بذلك قرارات مجلس الأمن الدولي ومثيراً مخاوف العالم. ويعتقد المراقبون أن الحكومة في بيونج يانج تسعى إلى تطوير رؤوس نووية صغيرة بما يكفي لتركيبها في صاروخ مثل الذي أطلق قبل فترة يستطيع الوصول إلى الولايات المتحدة، ولتحقيق هذا الغرض انتهت الحكومة الكورية من إقامة نفق جديد السنة الجارية يُستخدم لإجراء تجارب نووية من خلال الإعداد لثالث تفجير بلوتونيوم، وربما قنبلة مصنعة من اليورانيوم عالي التخصيب، وذلك حسب ما جاء في تقرير نُشر خلال أغسطس الماضي من قبل نشرة علماء الذرة. هذا وأنفق القائد الشاب خلال السنة الجارية بسخاء على مظاهر الاحتفال بالعائلة، حيث خصص 40 مليون دولار لأعمال صيانة التماثيل وبناء أخرى تمجد والده وجده، كما أن واردات البلد من الخمور والسيارات الفارهة وباقي المنتجات الفاخرة تصاعدت منذ 2009، عندما تبين أن «كيم يونج أون»، هو المفضل لدى والده لخلافته. وخلال الأشهر التي أعقبت وفاة والده بأزمة قلبية برزت تلميحات تذهب إلى احتمال تبني نجله، كيم يونج أونج، نهجاً إصلاحياً ويتبع طريقاً معتدلا، فخلافاً لوالده وجده عاش الحفيد لفترة في الغرب، حيث أمضى سنوات المراهقة في مدرسة داخلية بسويسرا ولعب كرة السلة مع أقرانه، كما ارتدى أحذية رياضية غالية، وعندما تولى السلطة بدا غير مجرب ويفتقد للحنكة السياسية، لكن ما أن توفي والده حتى أثبت العكس، مبرهناً أنه ليس اللعبة التي يمكن للحرس القديم في النظام التلاعب بها، فكانت المفاجأة أنه برز بعد سنة من وفاة والده كقائد كاريزمي وممتلئ يستطيع إحلال التغيير إن أراد، ولعل من مظاهر قوته إقالته لبعض الجنرالات وإرساله لموظفين حكوميين إلى الصين لتعلم الرأسمالية، كما تحدث علناً عن الإصلاح الاقتصادي لتحسين الظروف المعيشية للكوريين، وهو أمر لم يسبق لوالده الخوض فيه، بل لم يلقِ أبداً خطاباً على الملأ. يضاف إلى ذلك أن «كيم» الشاب كثير التبسم خلافاً لوالده، كما بدا أنه مولع بالإنترنت وموقع «اليوتوب»، وفيما كانت كاميرات التلفزيون الرسمي تتعقب خطواته ظهر وهو يقبل الأطفال، لافتاً انتباه العالم بظهوره إلى جانب زوجته الأنيقة والجميلة وهي تمسك بذراعه، وهو التغيير الكبير مقارنة مع والده صاحب الطباع الحادة. لكن الصورة التي سعى «كيم يونج أون»، للترويج لها من خطابه الإصلاحي لم تغير أبداً في الممارسات القمعية لحكومته، فتعامل الحكومة مع الشعب ما زال يطبعه القمع، كما أن ثلث السكان يعانون من سوء التغذية. وخلال السنة الجارية قالت الأمم المتحدة إنها لم تلمس أي تقدم ملحوظ في السجل البائس لحقوق الإنسان بكوريا الشمالية، بل بالعكس كشف المقرر الأممي حول حقوق الإنسان بكوريا الشمالية أن السلطات «اعتقلت عدداً من المسؤولين المشتبه في أنهم تحدوا عملية الانتقال السلس للسلطة وربما وقفوا ضدها»، هذا وتستمر كوريا الشمالية في احتجاز ما يقرب من 150 ألف معتقل دون محاكمة بسبب مواقفهم السياسية في ما يشبه «الجولاك» الذي يعود تاريخ إقامته لأكثر من خمسين عاماً، وقد تمكن أكثر من 60 نزيلاً سابقاً في المعتقل إعطاء توضيحات حول ظروف الاحتجاز في معسكر الاعتقال وما يطبعها من تجاوزات رهيبة ومعاملة سيئة من الحراس تشمل الضرب والاغتصاب والعمل الشاق. وبالطبع نفت كوريا الشمالية وجود مثل هذه المنشأة على أراضيها، رغم أنها واضحة من موقع «جوجل إيرث». ويمكن القول إن مظاهر القمع تزايدت في عهد القائد الشاب، حيث كثف مراقبة الحدود الشمالية مع الصين التي كانت في عهد والده بمثابة صمام الأمان لسماحها بدخول الغذاء والمواد التجارية، ولأن «كيم يونج أون» أعرب عن كراهيته للمنشقين فقد أرسل جنوداً إلى الحدود لتكثيف المراقبة ومنع هروب الكوريين إلى الصين. لذا وبعد عام من وفاة «كيم يونج إيل»، تحدت كوريا الشمالية مرة أخرى حركة التاريخ، إذ لم تفقد البلاد أياً من عاداتها القديمة في قمع مواطنيها، وبوجود قائد شاب على رأس الدولة ما زال في العشرينيات من عمره يبدو أن البلاد قد دخلت واقعاً صعباً يصعب الخروج منه. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©