الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدجال القاتل

الدجال القاتل
26 ديسمبر 2013 21:17
فوجئت «رقية» بجرس الباب يدق في العاشرة صباحا، بينما كانت تقوم بتنظيف الشقة وترتيب الأسرة كما اعتادت في هذا الوقت كل يوم بعد أن ودعت أبناءها الثلاثة إلى المدرسة وتوجه زوجها إلى عمله، ولم تنته بعد من هذه المهمة اليومية، تستعجل نفسها لأنها تريد الذهاب إلى السوق لشراء احتياجات المطبخ لتعد طعام الغداء، انزعجت عندما سمعت صوت الجرس لأنها لا تنتظر أحدا في هذا الوقت غير المناسب لأي زائر مهما كان خاصة وأن علاقاتها بجاراتها جيدة، ولكن أيضاً محدودة تقتصر على تبادل التحية عند اللقاء بالصدفة في مدخل البناية أو عند المصعد، لم يخل الموقف الفجائي من بعض المخاوف أن يكون زوجها أو أحد أبنائها قد عاد لسبب غير سار، وأخيراً قد يكون موظف الكهرباء أو الغاز أو محصل الفواتير قد جاء في غير الوقت الذي يأتي فيه دائما، وقبل أن تذهب لتفتح الباب كانت تشتاط غيظاً من هذا الذي جاء ليعطلها عما هي فيه، وتوعدت بينها وبين نفسها بأنها ستنفجر فيه توبيخا لو كان أحد الباعة أو واحدة من تلك النسوة اللاتي اعتدن التردد على البيوت لعرض البضائع والملابس وأدوات المكياج الرخيصة أو الأجهزة البسيطة. ارتباك وتردد كل هذا دار في رأسها ولم يستغرق إلا ثوان معدودة حتى جاءت على عجل بغطاء رأس، وضعته من دون أن تضبطه لأنها تعرف أنها ستعود بعد أقل من دقيقة لتكمل مهمتها، وما أن فتحت الباب حتى وجدته أمامها إنه «أبوعصام» الذي يعالجها من مرض نفسي وكوابيس تعاني منها منذ فترة طويلة، ارتبكت في البداية لا تعرف إن كانت ستسمح له بالدخول في غياب زوجها وهي وحيدة أم ستعتذر له، ولكن كيف تكون طريقة ومبرر الاعتذار، المفاجأة عقدت لسانها إلا من أن ترد عليه التحية وهو يتقدم بأول خطوة ليدخل قبل أن تأذن له، أو حتى يسألها إن كان زوجها موجودا أو أولادها أم لا، منعها الحياء من رده وتوقعت أن يكتفي بالحديث معها فيما جاء من أجله وينهي زيارته الغريبة بسرعة، لكنه استمر في الدخول حتى جلس في الصالون وهو يردد الأدعية ويكبر ليبعث في نفسها الاطمئنان وأيضا كي لا تمنعه من الدخول، لا تدري ماذا تفعل ولا ماذا تقول، هل ترحب به وهذا يعني رضاها عن زيارته؟ أم تستفسر منه مباشرة عن سبب مجيئه المفاجئ وربما يكون هذا قلة ذوق واحترام له؟ لم يترك أبوعصام الحيرة هذه كثيرا عند «رقية» التي كان يبدو عليها القلق والارتباك، سألها عن حالتها الصحية والنفسية، فأجابته باقتضاب «الحمد لله على كل حال»، قال أعرف أنني جئت في وقت غير مناسب، لكنني مضطر لما أنا فيه فأنا في موقف لا أحسد عليه، فزوجتي قد دخلت المستشفى فجر اليوم لتضع مولودها الأول لكن تبين أنها تعاني من مشكلة وسيضطر الأطباء لإجراء جراحة لها وعملية قيصرية، وطلبوا مني خمسة آلاف جنيه مقدما، ولم أجد أحداً يمكن أن يقرضني المبلغ، فجئت إلى هنا وأنا أقدم رجلا وأؤخر الأخرى، وحاول أن يصطنع الحزن ويستدر الدموع لكنه لم يفعل وقال أرجو أن أجد المبلغ وسأرده في أقرب وقت ممكن، ولم يكن صعبا أن تجيب عليه بالاعتذار لأنها لا تملك المبلغ بالفعل، وليس بين يديها إلا ما تنفق به على احتياجات البيت اليومية، فاعتذرت بشدة وبرقة عن عدم تمكنها من الاستجابة لمطلبه. مفاجأة كبرى كل هذا ومازالت رقية واقفة مكانها لم تجلس بعد، لم تتزحزح ولم تتحرك لأنها في الأصل تريد أن تنهي هذا الموقف الصعب الذي وجدت نفسها فيه بلا مقدمات، لكن المفاجأة الأكبر أنه أبدى طلبا أكثر غرابة، أن تعطيه بعضا من قطع المجوهرات التي تتحلى بها ليبيعها ويحل المشكلة العاجلة وتعهد أن يعيدها بنفس الشكل الذي سيأخذه، تعجبت المرأة من كلامه واعتذرت أيضا عن عدم قدرتها على الاستجابة لطلبه غير المعقول، معللة ذلك بأنه حتى وإن كانت  تتحلى بتلك القطع لكنها لا تستطيع أن تتصرف فيها بهذا الشكل بغير إذن زوجها، ثار أبوعصام فجأة وتوعدها وهددها بأنه سوف يسلط عليها كل العفاريت، ويعيد إليها كل الكوابيس والأمراض التي عالجها منها، بالطبع بث الرعب في نفسها وقام محاولا الدخول ليفتش في خزانة غرفة النوم عن المجوهرات فاضطرت للوقوف في وجهه لتمنعه لكنه دفعها جانبا، واشتبكت معه رغم ضعفها أمام قوته، وعندما شعرت أنه سيتغلب عليها حاولت أن تصرخ فكتم أنفاسها وأطبق بيده على فمها حتى لا تنطق أو تستغيث، ثم استل سكينا وطعنها في بطنها وألقاها على الأرض جثة هامدة، وجدها قد قطعت الأنفاس فتملكه الرعب وخشي افتضاح أمره فآثر أن يفر بجلده ولا يواصل البحث عن الذهب ولا المال. خرج أبوعصام مهرولا على درج السلم ولم ينتظر قدوم المصعد، وهو في الطابق الثالث تعجل الثواني ليهرب من الجريمة، لكنه في المدخل وجد الناطور وأحد السكان اللذين استوقفاه بعد أن لاحظا وجود بقعة دم على ملابسه، وحاول أن يتخفى وهو يسرع الخطى، بالطبع أمسكا به واستجوباه وهددا بإبلاغ البوليس وأقر بفعلته وحضر رجال الشرطة وفتحوا باب الشقة بطريقتهم فوجدوا المرأة تصارع الموت. لم تمت كما توقع ولكنها كانت في غيبوبة، حالتها مازالت سيئة فقد تعرضت لنزيف دموي طوال هذا الوقت من أثر طعنته فتم نقلها فورا إلى المستشفى غير أنها فارقت الحياة بعد أن أدلت بكل تلك المعلومات. الخوف من النوم كشفت التحقيقات عن أنه عندما كانت «رقية» تشعر بكوابيس وأحلام مزعجة بشكل شبه يومي، وصل بها الأمر إلى الخوف من النوم وحتى من دخول الغرفة التي تنام فيها من بشاعة ما ترى من أحلام، فتارة تحلم بأن الموت يأتيها ويحاول أحد الأشخاص أن يقبض روحها وهي لا ترى صورته، أو من يكتم أنفاسها وتعاني ربما لساعات وهي غير قادرة على أن تستيقظ أو تستغيث، وكذلك ترى أشباحا تطاردها وحيوانات غريبة الأشكال ضخمة الأحجام تحاول أن تفترسها، واشتكت كثيرا من تلك المعاناة لكل من تعرفهم وتلقت نصائح لا حصر لها ولم يفلح الأطباء النفسيون في علاج حالتها وقالوا إنها أضغاث أحلام وتهيؤات ومخاوف تنعكس على حالتها أثناء النوم، واستجابت لنصائح أخرى بتغيير أثاث المنزل وتبديل غرف النوم، وحتى عندما فعلت كانت النتيجة صفرا. صديقة رقية دلتها على «أبي عصام» سمعت عنه ولا تعرفه، يقولون إنه رجل مبروك يعالج كل هذه الحالات ويفك الأعمال ويبطل السحر، وأهم ميزة فيه إنه لا يتقاضى أموالا أو أتعابا إلا بعض الهدايا بعد أن يتم الشفاء، لم تتوان رقية والتقطت العنوان وطارت إليه بصحبة زوجها، وبمجرد أن سألها عن اسمها وأجابته ابتسم وقال يكفي اسمك وحده لكي ترقي نفسك أو تستجيب حالتك للترقية، ما جعلها تشعر بالاطمئنان من أول لحظة، ثم استمع منها عن حالتها ومعاناتها وسالت دموعها بعفوية، فأعطاها بعض الأحجبة والأدعية وطلب منها أن تضع الحجاب الأول في غرفة النوم والثاني في حقيبة يدها والثالث في صالون المنزل ولكن في مكان خفي، وترددت عليه عدة مرات، كما طلب منها لاستكمال جلسات العلاج، وفي كل مرة يحصل منها على مبلغ كبير ليس على سبيل الأتعاب وإنما بحجة ثمن الأشياء التي يشتريها لزوم الأحجبة والأشياء التي يعطيها إياها وهي وزوجها يقدمان له ما يطلب بلا تردد أو نقاش. «الشبح» الكذاب قالت رقية إن حالتها تحسنت على يدي الرجل المبروك، وأخيرا كي يكتمل العلاج ويتم الشفاء نهائيا عليه أن يزورها في المنزل ليقوم بإشعال البخور بنفسه، ويتأكد من عدم وجود سحر أو شياطين ربما تكون تسكن الشقة، وزارها في وجود زوجها وأبنائها عدة مرات، وحصل على مبلغ كبير هدية له عن مجهوده أخذه وهو يحاول أن يظهر رفضه ولأنه هدية فلا يرده، ويبدو أن معاناة رقية كانت نفسية ووهما تعاني منه وتأثرت بما فعله معها ولم تعد ترى الكوابيس، فساهمت هي الأخرى في الترويج له وحكت حكايتها لكل أقاربها وصديقاتها ومنهن من ذهبت إليه، وهو يبدي لكل واحدة منهن أسبابا وهمية عن حالتها فتلك تعاني من الحسد وهذه من عمل سفلي والثالثة من السحر وهكذا عنده جواب وعلاج لكل حالة وكل شكوى أو مرض. وكشفت المعلومات عن أن أبا عصام نصاب يمارس الدجل ويلقبونه بالشبح ولا أحد يدري سبب تلك الكنية ويستغل الحالات النفسية خاصة عند النساء ويؤثر عليهن بالكلام، حتى أن زوجته طلبت الطلاق بعد أن عرفت حقيقته ويعيش وحده، وكان كاذبا في حكايته عن ولادة زوجته فما هي إلا وسيلة للابتزاز، واعترف بجريمته، وتوالت البلاغات بالعشرات ضده بعد أن افتضح سره وتبين أنه كان يفعل ذلك مع كل ضحاياه غير أنهم استجابوا له صاغرين ولم يجرؤ أي منهم على رفض طلبه، وتم حبسه واستمرار التحقيق في باقي البلاغات.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©