الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العلماء: مواجهة الإشاعات ضرورة شرعية وقانونية

العلماء: مواجهة الإشاعات ضرورة شرعية وقانونية
27 ديسمبر 2013 00:59
يقول علماء الاجتماع الغربيون إن المجتمعات العربية لا تفيق من إشاعة إلا على إشاعة أخرى، وهذا كلام حقيقي لأن المجتمعات العربية لا تكاد تصدق الحقائق ولكنها تصدق الأكاذيب والشائعات بسرعة كبيرة حتى النفي الرسمي للشائعات لا تصدقه هذه المجتمعات، الأمر الذي يهدد تماسك المجتمع وكيان الدول بشكل عام. يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، أستاذ السنة النبوية بجامعة الأزهر: الإسلام اتخذ الموقف الحازم من الشائعات وأصحابها، لما لنشرها وبثها بين أفراد المجتمع من آثار سلبية على تماسك المجتمع المسلم وتلاحم أبنائه وسلامة لحمته بل لقد عدَّ الإسلام ذلك سلوكاً مرذولاً منافياً للأخلاق النبيلة، والسجايا الكريمة والمثل العليا التي جاءت بها وحثت عليها شريعتنا الغراء من الاجتماع والمحبة والمودة والإخاء والتعاون والتراحم والتعاطف والصفاء، فالشائعات أصبحت من القضايا التي تهدد كيان واستقرار المجتمع ولها الكثير من الأسباب التي تكمن في العداء الشخصي بين الناس مما يولد الحقد والغيرة ويدفع البعض لنشر أقاويل لا أساس لها من الصحة لتشويه الآخرين، وتظهر الشائعات نتيجة الخلاف المذهبي والفكري، وكذلك حب الظهور وابتزاز الشرفاء والسعي لضرر الآخرين حتى يظهر من يطلق تلك الشائعات أمام الناس أنه مجرد من كل العيوب. الانتقام من الأبرياء ويضيف: وفي هذا قال الله تعالي :«وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا» فنشر الشائعات من أكثر المخاطر والمهالك التي تصيب الفرد والمجتمع، وتظهر الشائعات في ظل نفوس لا تعرف معنى الإيمان وقلوب لا تعرف الخوف من الله عز وجل، لأن من يطلقون تلك الشائعات يسعون للانتقام من الأبرياء والشرفاء وتشويه صورتهم في المجتمع أو الحصول على منافع شخصية على حساب الآخرين من دون النظر للأضرار النفسية والاجتماعية الكبيرة التي تصيب ضحايا تلك الشائعات، فطغيان الماديات والتكالب على الدنيا وغياب الرحمة والشفقة والبعد عن الدين من الأسباب التي جعلت الشائعات تنتشر في المجتمع. «حادثة الإفك» ويقول الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف المصري الأسبق: لا ينسى المؤرخون أبدا أن في التاريخ الإسلامي كانت هناك شائعة مست بيت النبوة أطلقها أحد المنافقين وهو عبد الله بن أبي بن سلول وقد وردت تلك القصة في القرآن الكريم تحت عنوان «حادثة الإفك»، وعندما علمت السيدة عائشة رضي الله عنها حزنت حزناً شديداً وعبرت عن هذا الحزن بقولها: «فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا أكتحل بنوم وقد بكيت ليلتين حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي»، ثم قالت رضي الله عنها: «وكنت أرجو أن يبرئني الله عز وجل كما كنت أرجو أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله فيها»، هذا ما كانت تشعر به زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت الصديق رضي الله عنه بعد أن أشاع عنها المنافقون ما هي بريئة منه ولقد نزل القرآن الكريم ببراءتها في ست عشرة أية من سورة النور وبدأت هذه الآيات بقول الله تعالي: «إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم». وقال: لا يجب أن ينسى الناس قول الله تعالى: «ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون أنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار»، ولهذا فالإسلام يدعو الناس للبعد عن الظلم حتى تستقيم الحياة ويعيش المجتمع في تراحم وتعاون نتيجة العلاقات القوية بين أفراده، ولعل الظالمين يدركون أيضا أن الله سبحانه وتعالى مطّلع على ما يفعلونه وهذا في قول الله تعالى: «ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين». فاحشة تصيب المجتمع ويقول الدكتور محمد كمال إمام، أستاذ الشريعة بجامعة الإسكندرية: على كل إنسان يروج الشائعات وهو يعلم مسبقا فسادها أن يعلم أنه بذلك قد ارتكب خيانة في حق المجتمع توجب مجازاته بالعقوبة التي يحكم بها القضاء وحددها القانون، أما في الأخرة فعقابه أشد وأبقي ويغلظ هذا العقاب كلما كان ضرر الشائعة أشد، فالشائعات تؤدي لوجود خلاف وتشتت في الآراء بين أفراد المجتمع مما يحدث انقساما حول الأبرياء الذين أطلقت عليهم تلك الشائعات، وكل ذلك يحمل في طياته الكثير من الأضرار التي تصيب المجتمع لأن نشر الفرقة والانقسام يعد فاحشة تصيب المجتمع ويتسبب فيها أصحاب القلوب المريضة الذين لا يخافون الله ولا يدركون أن الله سينتقم منهم لظلمهم وفسادهم وهذا واضح في قول الله تعالى «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والأخرة»، والإسلام حرص على حماية حقوق الأفراد ودعا للالتزام بها واحترامها طالما أنها لا تتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية، ومن حق كل إنسان أن يخفي أسراره ويحتفظ بها لنفسه ويستعين بالكتمان عند قضاء أمور الحياة وهذا ليس عيبا. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، لكن هذا في الكثير من الأحيان لا يرضي أصحاب النفوس الضعيفة فيسعون لمتابعة أخبار الأخرين وإطلاق الشائعات عليهم، كما أن مصلحة المجتمع تكمن في تحقيق الأمن لأفراده والرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر أصحابه بأن يجهروا بقول الحق وإن كان مراً وألا يخافوا في الحق لومة لائم... والمولى عز وجل قال: «إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون». علاج الإشاعات يضيف الدكتور محمد كمال إمام قائلاً: لقد قدم الإسلام الوسائل التي تعالج الشائعات وتتعامل معها، ومن أهم تلك الوسائل التأكد من كل ما يقال وما يسمع حتى يعيش المجتمع في أمان واستقرار ويحدث انسجام بين الناس لخدمة المجتمع بعيداً عن روح العشوائية في التفكير والتردد في اتخاذ المواقف نتيجة عدم الثقة في الآخرين ومن هذه الوسائل أيضا رد الأمور لمصادرها الصحيحة وسؤال أهل الذكر العالمين بالأمور والمخلصين في القول المشهود لهم بالصدق، وكل ذلك حتى نحارب تلك الأقاويل بالمنطق السليم والبرهان الساطع والحجة البالغة، لأن الكثير من تلك الشائعات قد يحمل تكذيبا له لكن الذين في قلوبهم مرض يصدقونها لأنها توافق أهواءهم، أما العقلاء فإنهم يقيمون ما يسمعون ولا يصدقون مايقوله بعض الناس في غيرهم إلا إذا سمعوا الحجة الواضحة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©