الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام أقر مبادئ حقوق الإنسان في أكمل صورة وأوسع نطاق

الإسلام أقر مبادئ حقوق الإنسان في أكمل صورة وأوسع نطاق
14 ديسمبر 2012
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن اقتفى أثرهم وسار على دربهم إلى يوم الدين أما بعد: يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)، «سورة الإسراء، الآية 70» . وافق يوم الاثنين الماضي اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يأتي في العاشر من شهر ديسمبر من كل عام، حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من شهر ديسمبر «كانون الأول» سنة 1948م. ومن المعلوم أن قضية حقوق الإنسان تُعَدُّ من أهم القضايا التي اشتغل بها الفكر المعاصر، من المتخصصين ومن غير المتخصصين، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات أو هيئات ... إلخ. صورة أعمق إنَّ ديننا الإسلامي الحنيف هو أول من نادى بحقوق الإنسان وشدَّد على ضرورة حمايتها، فقد كان الإسلام سبّاقاً إلى الإقرار للإنسان بحقوقه، وإلى الحثِّ على صون هذه الحقوق وحفظها منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، فالإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صورة وأوسع نطاق، كما عمل على إحاطة هذه الحقوق بالرعاية وشمولها بالعناية، مع العلم بأنَّ الشريعة الإسلاميَّة الغراء تحتفظ بكونها أسبق وأعمق وأشمل من أيَّة قوانين وضعية. وكل دارس للشريعة الإسلامية يعلم أنَّ لها مقاصد تتمثل في حماية حياة الإنسان ودينه وعقله وماله وأسرته، فمن أول مقاصد الشريعة الإسلاميّة صيانة الأركان الضروريَّة للحياة البشرية، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، وقد بيَّن الإسلام الأحكام الفقهية التفصيليّة التي تُمَثِّل سياجاً لصيانة هذه الضرورات وكيفيّة المحافظة عليها، حيث ذكر الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه «المستصفى» أنَّ حرمة الضرورات الخمس لم تُبَحْ في مِلَّة قط، وقال بذلك الإمام أبو اسحق الشاطبي في كتابه «الموافقات في أصول الشريعة»، ومن المعلوم أنَّ هذه الأمور لا بُدَّ منها لإقامة الحياة الصالحة، فإذا فُقِدَ بعضها انهارت الحياة الإنسانيّة أو اختلت وفسدت. التاريخ الإسلامي وحقوق الإنسان في الإسلام ترتكز على مبدأين أساسيين هما: مبدأ المساواة بين كل بني الإنسان، ومبدأ الحرية لكل البشر، وقد سجّل التاريخ الإسلاميّ للخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه مواجهته الحاسمة لانتهاك حقوق الإنسان، وقوله في ذلك: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»؟. وقد ذكرت كتب السيرة والتاريخ قصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع عمرو بن العاص رضي الله عنه وابنه، الذي ضرب ذلك القبطي المصري ظلماً، وعندئذ ذهب ذلك الرجل القبطي وابنه من مصر إلى المدينة المنورة، وشكا عمرو بن العاص وابنه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأحضر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عمرواً وابنه، وقال للرجل: اضرب ابن الأكرمين لأنّ ابن عمرو بن العاص كان يقول لابن القبطي وهو يضربه: أنا ابن الأكرمين! - ثم قال له: أدرها على صلعة عمرو، فما ضربك ابنه إلا بسلطانه، فقال: يا أمير المؤمنين: إنما أضربُ من ضربني، ثم التفتَ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إلى عمرو، وقال له كلمته المشهورة التي تُسَجَّل بمدادٍ من نور: متى استعبدتم الناس يا عمرو، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!. هذه هي عدالة الإسلام، وهذه هي حقوق الإنسان، وكما قال الشاعر: السنة النبوية إنّ الإسلام لا يُمَيِّز بين إنسان وآخر، لا في العرق ولا في الجنس ولا في النسب ولا في المال امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى»، (أخرجه أحمد)، وقوله، صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال»، (أخرجه الترمذي) . كما ألغى الإسلام الاعتداد بالحسب والنسب، واعتبر العمل هو القيمة والأساس في التفاضل بين الناس، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً» (متفق عليه) . وبذلك كرَّم الله الإنسان بذاته وجنسه مهما تعددت أفراده وأنواعه ولسانه وثقافته المعرفية، بما يشمل البشرية كلها في كل زمان وفي كل مكان، فقد أصبح بلال الحبشي وسلمان الفارسي في الإسلام سادة عظماء، على الرغم من اختلاف أجناسهم وألوانهم وبلادهم، وعلى مرِّ التاريخ الإسلامي كان في المسلمين حكام من غير العرب، كما كان علماء المسلمين وقادتهم وأثرياؤهم من العرب وغير العرب. إنَّ القاعدة الكبرى التي تحكم الفرد في الإسلام هي التفاضل في التقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، «سورة الحجرات، الآية 13»، وهذه القاعدة يتساوى في ظلها الناس على اختلاف منابتهم وأصولهم، فكلما كان المرء أتقى لله، كلما ارتفع قدره، وسما نجمه في المجتمع الإسلامي الملتزم بدينه وإيمانه. وبهذا الفهم الصحيح والوعي الكامل لرسالة الإسلام، خرج المسلمون من الجزيرة العربية يحملون هذه الدعوة التي وضعت الأمور في نصابها، وأعلنت حقوق الإنسان منذ أن هبط الوحي على صاحب الرسالة - صلى الله عليه وسلم-، يحملونها إلى الناس وقد اختلطت بمشاعرهم وأحاسيسهم، وطبقوها على أنفسهم، فأثمرت وأينعت، وربَّت جيلاً قرآنياً على مرِّ الأيام. خصائص ومن خصائص ومميزات الحقوق في الإسلام، أنها حقوق شاملة لكل أنواع الحقوق، سواء الحقوق السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، كما أن هذه الحقوق عامة لكل الأفراد الخاضعين للنظام الإسلامي، دون تمييز بينهم في تلك الحقوق بسبب اللون أو الجنس أو اللغة، كما أن هذه الحقوق كاملة وغير قابلة للإلغاء، لأنها جزء من الشريعة الإسلامية، ومن حقوق الإنسان في الإسلام: ? حق الحياة: ومن المعلوم أن حياة الإنسان مقدسة في الإسلام، لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها كما في قوله تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، «سورة المائدة، الآية 32». ? حق الحرية الدينية: إنَّ الحرية الدينية شيء شرعه وابتكره ديننا الإسلامي الحنيف، فصيحة (لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ)، «سور يونس، الآية 41»، هذه الصيحة لم تُعرف إلا في كتابنا العظيم، كما أنّ صيحة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، «سورة الكافرون، الآية 6»، لم تُعرف إطلاقاً في ملّة أخرى. الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©