السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خارج النّص بأبعاد ثلاثية

خارج النّص بأبعاد ثلاثية
13 ديسمبر 2012
ثمة “ترتيب درامي” مدهش، يصنع من خلال ألوان زاهية ساطعة جديدة، تستطيع أن تلمسها العين في تكوينات عشرين لوحة، عرضها الفنان التشكيلي الاماراتي فهد عبدالله جابر في صالة العرض الرئيسية بالمركز الثقافي التابع لوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بأبوظبي، تحت عنوان “خارج الطيف”، وهو عنوان في الواقع يعكس التجربة المتفردة للفنان فهد الذي يمكن أن نقول عنه أنّه لا يشبه أحدا، فلوحته باختصار تشكّل مقطوعة بصرية مموسقة بثراء شاعري مشحون بالايحاءات المتضادة، إيحاءات ممتلئة بإحداثياتها الخطية واللونية والحركية، تتداخل فيها مفردات الانسان والحيوان والنبات والزخارف، وكأنها تعيد تشكيل الحياة، في لوحة جديدة تملك الخيال الخصب، والجماليات التي تصنعها ألوان “الأكرليك” الممزوجة بمواد خاصة تمنحها تلك الكثافة والقوة التي تمتع المدرك البصري بثلاثية هندسية لا تشبع منها العين مهما تكثّف النّظر، واتسعت الحدقة، فعند فهد جابر تماهيات كثيرة تفتح للمشاهد نوافد وزوايا عديدة لكي ينظر الى لوحاته مرارا وتكرارا دون أن يفقد روح الدّهشة الأولى. أحمد علي البحيري نتحدث عن لوحات فيها جمال الاشراقة وزهو الألوان، حينما يتعانق الأبيض مع الذهبي، وحينما تتحاور الفيروزيات مع ألوان الخيول التي يبدو جموحها خارج صحراء الواقع، ألوان تكتسب حركتها وثرائها من لمسات الفرشاة وحركات السّكين، هنا الأصفر المضيئ، والبرتقالي المشع، تمنح المكان في اللوحة حيوية ونبضا، بل تدفع كل تراكميات الألوان الزاهية التي صبها الفنان في لوحاته الى مزيد من الجمال والاشراق والبهجة، فهنا لوحة متفائلة، وتكوين لا يتوقف عند الأسماء والتفاصيل فنحن في حضرة الحداثة والتجريب الجديد، وهو ما يجعل فهد جابر مختلفا واستثنائيا خارج أي توصيف وأي مدرسة تشكيلية، لأنه يرسم بالرموز. في “خارج الطيف”، وهذا هو معرضه الثاني، بعد معرضه الأول عام 2008 بعنوان “خطوات بين التعبيرية والحداثة”، تتعرف على تجربة الفنان من خلال خروجه على المألوف، فلوحاته جميعا بلا أسماء أو عناوين، لكنه حينما يرسم الخيول في أكثر من لوحة، تستطيع أن تخترع وتتخيل الأسماء التي تريدها، فربما تطلق على اللوحة جموح الخيول، أو عناق الخيول، أو صراع الخيول، لكنها في الحقيقة ليست مثل تلك الحيوانات التي اعتدنا على رؤيتها رغم ملامح الأسلوبية التعبيرية التي إتبعها الفنان في تشكيلها، فقد وشّيت بألوان كثيرة مع سيطرة اللون الأبيض، مع امتداد لوني ينساب في نقاء وصفاء شديدين على كامل مساحة اللوحة، ليعطيها ذلك التوازن والتناسق وتلك الهارمونية المريحة للعين مهما تركز مدى الرؤيا، فعظمة اللون هي المركز والبؤرة وما حولها ثانوي جميل، لكنه موحي من خلال الأبعاد البارزة للالوان. خيول فهد جابر تنساب على سطح اللوحة بكل قوتها وعنفوانها ورمزيتها الثقافية والتاريخية، إنها خيول تتداخل مع الألوان وتتحرك كما في الأساطير، تتحرك في فضاء جديد لا يشبه الصحراء، لكنه يشبه ما نحلم به من الانطلاق وربما تكون اللوحات الثلاثة لهذه الخيول الملونة الزاهية من أجمل ما أبدعه الفنان في هذا المعرض المشرق بألوانه، وإضاءاته الداخلية وموسيقاه النافرة مع بروز الألوان المتدفقة في هارمونية وتجليات بصرية لا تنساها العين. في معرض فهد جابر جمال خاص في تشكيل الحروف العربية، في تكوينات تتركز فيها الحروفية في المنتصف، بينما تلعب الزخارف دورها في تجميل التكوين، لكنه أيضا يجمع أساليب كثيرة في تأسيس البناء الفني، فتجد ملامح الجرافيك والكروكيات السريعة، وبعض الرسومات من الفئة الرمزية، والتجريد، وهو جمع إستعادي لمجمل التجريبات والسوريالية وهو بهذا الخليط يقدّم لنا تقنية ليست خارج الطيف فقط، ولكنها خارج كلاسيكية التشكيل الى الاشتغال باللون على اللون، وإعتماد تقنية حركة اللون الجريئة عنوانا لكثير من اللوحات التكوينية التي تحتوي على متواريات آدمية خلف ضبابيات لونية، لأن فهد جابر أيضا يعي رسالته كفنان، فهو يصور صراع البشر على طريقته، كما يصور صراع الحياة والطبيعة على طريقته التي تستقطب أيضا هلاميات شكلية قابعة في داخل النعومة اللونية القابلة للتثوير الجمالي المفتوح. في لوحات فهد جابر، وبخاصة تلك التي يشتغل فيها على التكوينات ذات الصلة بتقاطعات الألوان، مثل لوحته التي يتقابل فيها شكل من المثلثات الضاربة ما بين لوني الذهبي والأزرق الموشى بالأبيض الخفيف، تجد ثمة مفارقة فالمثلث الأول يرسم بحجم كبير، يكاد يبتلع أكثر من نصف كادر اللوحة، فيما يسطع المثلث الصغير باللون الذهبي في مواجهة خصمه، ليست بالطبع حرب مثلثات هندسية بقدر ما هي صورة المواجهة في العصر، بين القوة والضعف، وهي ليست أيضا تكعيبية، لكنها محاولة تجريبية لحوار وسؤال اللون، وحركته، وتمرده، وقد يدفعك هذا التشكيل الغرائبي المحبب الى قراءة تشكيلية موازية لفلسفة اللوحة وذائقتها، وهو ما نعتبره الانجاز الأكثر أهمية في مسيرة فهد جابر التشكيلية اليت نرى أنها تنمو وتتطور وتنحو بإتجاه (المعيار الحداثي) دون أن يفقد العمل هويته وإنتماءه، فبعض اللوحات لا يغفل فيها ملامسة البيئة المحلية، وذاكرة المكان، ولكن عبر استنباط معايير خاصة به وحده. يقول الفنان فهد جابر (مواليد عام 1965) إن معرضه “خارج الطيف” يشكل بالنسبة له نقلة نوعية على صعيد التكنيك وأحجام اللوحات ذات النفس الجداري، ويضيف: لكن أهم ما أردت أن اقدمه للمشاهد هو صراع اللون وحركته، وجماله، بعيدا عن التفاصيل التقليدية المعروفة، أردت أن أخرج من ألوان الطيف الى ألوان خاصة بي، ربما تكون هناك خلطة من الألوان، لكنها في الواقع تبقى خلطة متماسكة ومعبّرة وموحية، أردت أن أضيف الجديد الى عالم اللون وحداثية الاشتغال به وعليه، مؤكدا أن تجربتي ستتواصل عبر هذه الثيمة التشكيلية عبر جماليات لا تبتعد كثيرا عن روح المشاهد المحلّي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©