الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالعزيز الخميس: الوقت حان لنزع فتيل التأزيم الملازم للخطاب الإعلامي العربي

عبدالعزيز الخميس: الوقت حان لنزع فتيل التأزيم الملازم للخطاب الإعلامي العربي
22 ديسمبر 2013 21:20
باعه الطويل في حضرة صاحبة الجلالة، ومتابعته الحثيثة لتطورات أدواتها، عاملان مكنّا، رئيس التحرير المسؤول في جريدة العرب «تأسست في لندن عام 1977»، عبدالعزيز الخميس من استشراف متغيرات الواقع الصحفي في ظل اشتباكه مع العالم الرقمي، متنبئا بعدم غياب الورق عنه، بل ومؤكدا أن الصحافة الورقية ستقاوم وتعود بصورة مختلفة وأكثر حداثة. وهو يرى أنها أحسنت صنعا عندما خاضت غمار الصحافة الإلكترونية لتمنحها الرصانة وتنتشلها من الانجراف مع تيار الصحافة الصفراء الخاوية إلا من التهويل والإسفاف. والخميس يضع استمرارية الصحافة في عهدة فرادة المحتوى، بغض الطرف عن كيفية وصولها إلى القارئ. ويؤمن الخميس بأن الوقت حان لنزع فتيل التأزيم الذي لازم الخطاب الإعلامي في المرحلة السياسية الراهنة، التي تعصف بها رياح التحولات، مشددا أنه على الإعلام أن يكون منحازا وبقوة لمصلحة شعبه وأمته، وأن يلعب دوره في دعوة الجميع إلى مائدة التعايش. يفرد الخميس، الذي شغل مناصب عدة في مطبوعات يومية وشهرية، مساحة واسعة للتفصيل بشأن مصطلح الحياد، الذي يراه «غير مشروح بحيادية»، معتبرا أنه رهان صعب يضع الصحفي أمام استحقاق إفساح المجال أمام جميع الآراء للبروز بتساو، بلا ميل أو نفور من إحداها. وحول ما ينقص الإعلامي العربي، يعتقد الخميس أنه بحاجة ماسة إلى التدريب سيما وأن مستوى أساتذة كليات الإعلام في الجامعات العربية «جدا هزيل»، ما ينتج صحفيين غير مؤهلين لاقتحام العمل الصحفي بكل تداعياته واشتراطاته. «الاتحاد» التقت الخميس وأجرت معه الحوار التالي حول واقع الصحافة العربية ومستقبل صناعة أخبارها. ? ما توقعاتك حيال مصير الصحافة الورقية في ظل تنامي صحافة الإعلام الاجتماعي؟ ?? توقع كثيرون انحسار دور الصحافة الورقية وتراجعها بسبب تطور وسائل الحصول على المعلومات والأخبار عبر الإنترنت. وساعد على ذلك تراجع أرقام التوزيع بشكل جدي. لكن ما يثير الانتباه أن التراجع لم يمس مطبوعات كثيرة بل ارتفعت أرقام توزيعها بشكل مدهش كما حدث مع «الإيكونوميست» وغيرها من المطبوعات. وهذا يجعلنا نشير إلى أن المطبوعة محتوى وتطور. وفرادة المحتوى هو الفيصل في زيادة توزيع الصحف أو تراجعها. في عالمنا العربي لا غرابة أن تتراجع أرقام التوزيع؛ فالعلاقة بين القارئ والجريدة ليست وثيقة بشكل يعد انتماء لا فكاك منه. فالصحيفة في الغرب تمثل تيارا قد يكون سياسيا أو فكريا أو اجتماعيا بل واقتصاديا. ونحن ليس لدينا صحف تمثل تيارات سوى تيار السلطة، وإن مثلت المعارضة فلا فرق في المحتوى، كل يمجد في صاحبه. بينما الصحف الغربية لا تنقاد بسهولة لرغبات ملاكها بل يمارس إعلاميّوها النقد الإيجابي والمتحرر من التبعية العمياء، لكنه يظل متمسكا بالخطوط العليا التي تصوغ علاقته ليس فقط مع الملاك، بل أيضا مع احترام عقل القارئ، ولعب دور المحفز لصوغ ما يسمى بالرأي العام. لست مع من يحفر قبرا رخاميا للصحافة الورقية، لكن الحقيقة جلية وهي أنها ستقاوم بل ستعود بهية، وهذه المرة بصورة مختلفة وأكثر حداثة، بمعنى أن تملك جريدتك في المنزل ويوميا تحبر نفسها بنفسها آليا. هذا هو المستقبل ورق لكن ليس كالورق. أود هنا أن أذكر بكلام المدير الاقتصادي لشركة جوجل هال فاريان، والأستاذ السابق في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «الإنترنت ببساطة هي وسيلة متفوقة على توزيع ومتابعة الأخبار في الصحافة المطبوعة وليست امتدادا لها». وعندما قال مؤخرا في محاضرة له في إيطاليا «الإعلام الرقمي طوى نصف تكلفة إنتاج الصحيفة في الطباعة والتوزيع، كما وفر مجموعة من البدائل أمام القارئ لم يكن بمقدور الصحيفة الورقية الإتيان بها، بما في ذلك التفرعات والتداعيات والروابط المتصلة بالخبر». ? هل انتشار الصحافة الإلكترونية يفرض معايير جديدة لضبط المسار الصحفي؟ وكيف؟ ?? نعيش في وقتنا الراهن فوضى لا قبيل لها مع انتشار الصحافة الإلكترونية. وعلى الرغم من تناميها كالفطر البري إلا أنها لا تزال فتية مراهقة عابثة غير عميقة، وقد أحسنت الصحف الورقية حين دخلت غمار الصحافة الإلكترونية فمنحتها شيئا من الرصانة النسبية. وما ينثر التفاؤل أن الجهات المسؤولة بدأت في تقنين ومراقبة هذه الصحف أسوة بالورقية، لذا لن تصبح هناك صحف إلكترونية صفراء كما حدث ويحدث في بعض البقاع. ? ماذا تقترح لإشراك الجمهور في المعادلة الصحفية سيما وأنه لم يعد متلقيا فقط؟ ?? انفتاح وسائل الإعلام على عالم التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت كتويتر والفيسبوك والإنستجرام واليوتيوب وغيرهم سيمنح هذه الوسائل قدرة على إشراك الجماهير في المعادلة الصحفية. لكن يجب أن يكون هذا الانفتاح رهينا بمصداقية القصة المنقولة وأيضا باحترام عقل المتابع. المشكلة أن تسقط وسائل الإعلام في فخ التسرع فتذهب ريحها وتغبر مواقعها. ? كيف تصف أداء الإعلام العربي في الفترة الراهنة المليئة بالأحداث والتحولات؟ ?? يتراوح بين القوة والضعف. لكن المرحلة السياسية الراهنة كشفت توجهات بعض المؤسسات فأصبحت واضحة للعيان أمام الرأي العام، وتجردت مما كانت تدعيه من حيادية وجندت نفسها لخدمة هذا الفريق ضد ذلك الفريق. حتى بعض وسائل الإعلام التي قالت إنها مع الشعب وضد الأنظمة تعرت من ورقة التوت؛ فوقفت بكل قبح ضد جماهير مصر يوم 30 يونيو، وبينت للناس أنها لا تعدو عن وسيلة إعلام تابعة للتنظيم الدولي للإخوان. أما وسائل الإعلام الأخرى فبعضها، وكأنه لا في العير ولا في النفير، لم يخض معركة الحقيقة ولم يقدم لشعبه ولو جزءا يسيرا منها. وأيضا وسائل إعلام تعرضت أوطانها للمخاطر فنأت بنفسها وتدثرت بغطاء اللا اكتراث فكرهها الناس وتوارت شعبيتها. والأمر ينطبق على كاتبي الرأي والمحللين ممن تلونوا وتقاذفتهم رياح التغيير، وتوقعوا أنهم ينتهزون الفرصة للوصول إلى قطعة من كعكة السياسة فإذا بهم ينبذون ثم ينتبذون مكانا قصيا في قلب الشعب. ? ما دور الإعلام العربي في المرحلة المقبلة؟ ?? دور الإعلام العربي أن يتمتع بالمصداقية، وأن يكون منحازا وبقوة لمصلحة شعبه وأمته وأن يسابق الآخرين لتثقيف الشعب وتقديم وجبات تنمي حس الحوار المتحضر والهادف للتنمية. والدور المرحلي المهم هو ألا تنغمس في ترويج خطاب الكراهية والعنف والتحريض والتأزيم. شعبنا العربي ينتظر بكل شغف وجبات إعلامية تثقفه وتنمي فيه الرغبة للسلام، وأيضا تنقل له المعارف والتطورات بكل روح محبة للخير. حان الوقت لانتهاء فترة التأزيم التي قادتها وسائل إعلام عربية، لم ينتج عنها سوى أنهار من الدم وزيادة في تقسيم الأمة. وحان الوقت لأن يعود الجميع إلى مائدة الخير والتعايش والتطور لمصلحة شعب ينتظر الكثير من إعلامه وفكره. ? كيف ترى اتجاهات مستقبل صناعة الأخبار في المنطقة؟ ?? تتأرجح صناعة الأخبار حاليا بين نقل القصة بوسائل بدائية أي أن تنقل القصة كما رأها المراسل وحدثت بالفعل، وبين أن يكون المراسل خبيرا، ويصنع قصة من الحدث تستوفي كامل شروط القصة الخبرية الدسمة، فينقل ما يحدث لكن في قالب تعريفي يحترم عقل القارئ ويشفي غليله في معرفة ما حدث ولماذا حدث وما سيحدث. وفي رأيي ستظل القصة الخبرية بدائية، والسبب عدم وفرة الخبراء والتدريب اللازم، وقد تتغير الصورة إذا توجهت وسائل الإعلام لتقديس القصة العميقة. ? ما رؤيتك لمفهوم الحياد في الإعلام؟ وما إمكانية تطبيقه؟ ?? كلما أسمع كلمة الحيادية أجدها غير مشروحة بحيادية. الحيادية هي في معالجة الحدث والقصة بإبراز جميع وجهات النظر المهمة. لكن البعض يراها بأن تكون بلا طعم ولا مذاق كالماء. حتى الماء فيه عذب وزلال وقراح وطاهر وطهور ونجس. الحيادية مصطلح علمي ولو أردنا تطبيقه في الإعلام فهو يعني ألا تنحاز لوجهة نظر ضد أخرى لتيار ضد آخر. لكن الإعلاميين بشر لهم توجهاتهم ولن يستطيع أي منهم أن يمنع نفسه عن الانحياز لكن القوي منهم هو من يغلب نفسه ويصـــرعها فيسمح لوجهة النظر الأخرى بأن تظهر، لكن أيضا يجب أن يطبق مسطرته العلمية وقبلها الوطنية فلا يروج للفكر المتطرف باسم الحيادية، ولا يمكنه أن يتمادى في الغباء السياسي فيجعل للكراهية والحقد والترويج للعنف مكانا في نتاجه. وحتى البريطانيين ينظرون بعين مختلفة إلى حيادية مؤسسة تعرف بأعلى درجات الحساسية، فقد جاء في استطلاع أجرته مؤسسة «الرأي الجديد» بالاشتراك مع صحيفة الـ»أوبزيرفر»، أن 41 في المائة أكدوا أن «بي بي سي» منحازة في تغطيتها الإخبارية، حيث أكد 27 في المائة أنهم يميلون إلى توجهات الأحزاب اليسارية، فيما اتفق 14 في المائة على أنها يمينية الأخبار. وهنا أستعيد كلام المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية الأسبق مارك تومسون، الذي وصف قواعد الحياد على شاشات التلفزيون، بأنها أضحت قديمة ولا مكان لها اليوم في مجتمع الفضاء الإلكتروني والإعلامي المفتوح على الإنترنت. وطالب تومسون، الذي انتقل إلى رئاسة تحرير صحيفة «نيويورك تايمز»، قنوات «بي بي سي» بالتخلص من قواعد الحياد التلفزيونية القديمة ومنافسة «فوكس نيوز» في استقطاب المشاهد في عصر الإنترنت. الحيادية هي كلمة حق يراد بها باطل عند البعض خذ للمثال الإخوان يتبجحون بالحيادية وحين أمسكوا بناصية الإعلام المصري الرسمي جعلوا منه أداة لهم ولأنصارهم. أيضا قناة الجزيرة وتلاعبها بالأخبار وتوجيهها مقدرات القناة وميزانيتها لترويج فكر «الإخوان» رغم حديثها عن الرأي الآخر، تغطي سوأتها العلمية بمبدأ الرأي والرأي الآخر فتقوم بجلب إخواني لديه صوت مرتفع مقابل آخر ضد الإخوان لكن إمكاناته وصوته منخفض، ثم تتحدث عن الحيادية. ? كيف تقيم أداء كليات الإعلام العربية؟ ?? واقع كليات الإعلام العربية حزين جدا إلا من رحم ربي. فمستوى الأستاذة جدا هزيل بل إن بعضهم يعمل موجها سياسيا وقد حول كليته إلى حزب سياسي. ورغم محاولات أستاذة متخصصين لتطوير أقسام الإعلام يخشى القائمون على التعليم في بعض الدول العربية من الإعلامي الذكي والصريح؛ فوجود إعلام قوي متمكن سيوقف الفاسدين عن مواصلة نهبهم وسلبهم، لذا تجد كليات الإعلام في بلاد كثيرة مسارح سياسية إما للأنظمة أو للحركات الإسلامية المتطرفة. ? ما الذي ينقص الإعلامي العربي؟ ?? ينقصه التأهيل والتدريب. معظم الإعلاميين العرب والصحفيين لا علاقة لهم بالإعلام من ناحية تأهيلهم العلمي، لكنهم أقبلوا على الإعلام بشغف، وتوافرت لدى بعضهم قدرات قد تفوق خريج كلية الإعلام. فالإعلام حرفة ومهارة وصناعة للخبر والرأي بل إن بعض الإعلاميين يصنعون الحدث ولا يكتفون بنقله. تحتاج كل دار إعلامية إلى مركز تدريب وتأهيل، وأن تكون لديها قدرات متخصصة في هذا المجال، وأن تجعل من محرريها مؤهلين. يثير الشجن أحيانا أن تجد صحفيا لا يجيد لغة ثانية بل قد لا يجيد لغته الأم. ولا يجيد كتابة القصة. ولا يكتشف مواطن الضعف في رواية المسؤول. ولا يحسن عرض القصة بطريقة المثلث. لكن الأمل موجود بتسلم أشخاص مؤهلين لقمم إعلامية مهمة، خاصة ممن لا يؤمنون بأن وجودهم على رأس جريدة أو مجلة أو محطة مؤبد بل هو عابر في زمان يحتاج إلى أن تسهل لمن بعد أن يصبح أفضل منك لمصلحة مجتمعك ووطنك. الجوائز التي تمنح للصحفيين عن رأيه في الجوائز التي تمنح للصحفيين، وحول مدى خضوعها لمعايير دقيقة، يرد الخميس «في إعلامنا العربي لا مصداقية لهذه الجوائز. بل لم أسمع يوما عن معايير دقيقة طبقت. هي تخضع لهوى أعضاء اللجنة التي بعضهم لا يتمتع بتأهيل يمنحه الحكم على نتاج غيره». ويزيد «لدينا في العالم العربي هوجة جوائز إلى درجة أن الجار يمنح جاره جائزة إذا كان بينهم من الود ما يسمح لذلك. دعونا من الجوائز وقدروا الإعلاميين بأن تسهلوا مهامهم وتدعموا تأهيلهم وتدريبهم وتقدموا الفرص للإعلاميين الشباب كي ينجزوا مشاريعهم الصغيرة». استقطاب الإنفاق الإعلاني حول السبيل لاستقطاب الإنفاق الإعلاني للصحف، يقول «المعلن ينتظر من وسيلة الإعلام أن تقدمه لقراء لديهم جيوب واسعة، هذا هو هدفه. لكن أيضا يريد من وسيلة الإعلام أن تقدمه بشكل جيد. وحين تنجح وسائل الإعلام باكتساب ثقة القراء وإقبالهم فسيلحقهم المعلن لأنه يبحث عنهم وسيجدهم مع الصحف». ويضيف «قد يكون صحيحا أن المعلن هرب من الورق إلى التلفزيون لكن لا يزال له وجود وعلى وسائل الإعلام أن تسترعي انتباهه بجودتها وثقة الناس بها، عليها أن تكون امرأة جميلة لا تسعى وراء الرجل، بل تستدرجه بجمالها وثقتها بنفسها».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©