الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عودة الشعبوية إلى القارة الأوروبية

20 ديسمبر 2013 22:47
طالما ارتبطت الشعبوية المتسلطة بأنظمة دول أميركا اللاتينية، وهي تعتبر بوجه عام شيئاً من الماضي في أوروبا، ولكن هذه النظرة مضللة. فبينما تبدأ دول مثل الأرجنتين وفنزويلا في التحرك ببطء بعيداً عن السياسة البيرونية التي تميز حكم الرئيسة كريستينا كريشنر والشخصنة، كما كان الحال مع هوجو تشافيز، فإن فكراً يمينيا خطيراً للشعبوية يعود إلى أوروبا. وفي الواقع، فإن ظهور حركات مثل حزب الفجر الذهبي الفاشي الجديد في اليونان وما صاحبه من عنف واغتيالات من شأنها إثارة القلق أكثر من الاستبداد المتبقي الذي يسود الحياة السياسية في أميركا اللاتينية. وبصورة عامة، فإن الحركات الشعبوية، التي تميل لكسب الاجتذاب (التأييد) عقب تنفيذ الإجراءات التقشفية، ما هي إلا محاولة لعلاج الأزمات المدركة للتمثيل في الحكومة. وكانت السمة المميزة للشعبوية في أميركا اللاتينية تتمثل عبر التاريخ في انتخاب الرؤساء ذوي النزعات الاستبدادية، الذين يتوسعون في الحقوق الاجتماعية، حتى وإن كان ذلك يقلل من الحريات السياسية. أما الشعبوية الأوروبية على الجانب الآخر، فهي تستهدف بوجه عام المهاجرين، وتطالب بتفكيك الاتحاد الأوروبي. وعقب زوال الأحزاب الفاشية الأوروبية عقب الحرب العالمية الثانية، جعل خوان وابيتا بيرون من الشعبوية دعامة للحكم في أميركا اللاتينية في منتصف الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. كما فتح الاستمرار في عدم المساواة الاجتماعية الأبواب أمام بعض القادة، أمثال خيتوليو فارجاس في البرازيل، وخوسيه فيلاسكو إيبارا في الإكوادور. لقد قدموا مشاركة جماعية في السياسة، وفي الوقت نفسه وضعوا قيوداً على المعارضة. وفي فنزويلا، جلب هوجو تشافيز هذا التقليد إلى القرن الحادي والعشرين؛ أما نيستور كريشنر فقد استغل العباءة البيرونية الكلاسيكية في الأرجنتين في عام 2003. وبالنسبة لكل منهما، كان الهدف يتمثل في تركيز السلطة في يد زعيم واحد، مع وجود الحد الأدنى من المشورة الشعبية، أو التمثيل الحقيقي لرغبات الناخبين. وفي أعقاب وفاة تشافيز في شهر مارس، شهدت فنزويلا ظهور نوع جديد من الشخصنة تركز على صورة الزعيم الراحل. وكان خليفته، الرئيس نيكولا مادورو يستدعي اسم شافيز عقائدياً لإضفاء الشرعية على سياساته الشعبوية. كما كانت الدعاية الحكومية تصور تشافيز في صورة استثنائية. ومع ذلك، وإثر ارتفاع نسبة التضخم حالياً في فنزويلا إلى 54 في المئة، لم يعد التفكير السحري كافياً لتوليد الدعم الشعبي الشامل لحكومة تتميز بسوء الإدارة الاقتصادية والسيطرة على العملة. لقد كانت قبضة مادورو على السلطة غير قوية منذ البداية: فقد فاز في الانتخابات في شهر أبريل بفارق ضئيل. وقد نتج عما يسمى بـ«الحرب الاقتصادية» التي شنها مادورو على مصالح الشركات الفنزويلية، التي يعتبرها متآمرة ضد الوطن، عدم الاستقرار بوجه عام، وتصاعد الاستقطاب الداخلي. وقد أظهرت استطلاعات رأي أجريت مؤخراً أن الشعب الفنزويلي بدأ في بحث خيارات أخرى: فقد هزم حزب مادورو ائتلاف المعارضة الرئيسي بفارق ضئيل في الانتخابات البلدية هذا الشهر، وخسر في المدن الرئيسية. وفي الأرجنتين، أصبحت الرئيسة كريستينا فرناندز دي كريشنر وجه الشعبوية البيرونية عقب وفاة زوجها، الرئيس السابق نيستور كريشنر، في 2010. وبينما تواصل كريستينا جهود زوجها لمحاكمة جرائم الديكتاتورية العسكرية التي وقعت في الفترة من 1976- 1983، اتخذت إدارتها إجراءات لتقييد حرية الصحافة وكثفت من دور الجيش في الحكومة ووترت علاقاتها مع الجيران مثل أوروجواي. وقد انعكس الرفض الشعبي لزعامتها في انتخابات الكونجرس التي أجريت في أكتوبر، عندما منيت كريشنر بهزيمة في أهم المقاطعات بالأرجنتين، وهذا التصويت العقابي أبطل رغبة مؤيديها في إصلاح الدستور للتمكن من إعادة انتخابها إلى أجل غير مسمى. وكذلك، فالشعبوية في شرق المحيط الأطلسي تستعيد نشاطها. ففي الواقع يخشى كثيرون من أن يكون البرلمان الأوروبي معرضاً لخطر استيلاء الشعبوية اليمينية عليه في أعقاب انتخابات مايو 2014. ففي فرنسا، أحرزت الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، التابعة لمارين لوبن تقدماً للمرة الأولى في تاريخ البلاد في الاستطلاعات الخاصة بانتخاب الاتحاد الأوروبي. وقبل انتخابات البرلمان الأوروبي، أعلنت لوبن مؤخراً عن عزمها على تشكيل تحالف «المتشككين الأوروبيين» مع السياسي الهولندي خيرت فيلدرز، الذي يتزعم حزب الحرية اليميني الذي يشوه صورة الإسلام ويهاجم الهجرة. وفي إيطاليا، حذر رئيس الوزراء أنريكو ليتا، الذي تولى منصبه في شهر أبريل، مؤخراً من أن الشعبوية تشكل تهديداً لاستقرار الاتحاد الأوروبي. والراهن أن معظم الحركات الشعبوية الأوروبية الجديدة، على رغم أنها قد تسعى إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذه الحركات لا تهدف إلى القضاء على الديمقراطية تماماً. ففي اليونان، كان ظهور خيط من الشعبوية المتأصلة بعمق في الماضي الفاشي بمثابة أمر مثير للقلق على وجه الخصوص. فالمشاكل المالية التي تشل البلاد، وإصرار بروكسل على تنفيذ إجراءات التقشف قد ولد ردوداً شعبوية تثير أسوأ ما في الفاشية الأوروبية التي ظهرت ما بين الحربين العالميتين. ويستخدم حزب الفجر الذهبي الفاشي الجديد، الذي فاز بـ 7 في المئة من أصوات الناخبين خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت في عام 2012، علانية شعاراً يشبه الصليب المعقوف. وقد نفذ مؤيدوه هجمات جسدية عنيفة على المهاجرين والمعارضين السياسيين (وصلت إلى حد القتل)؛ ويتضمن الحزب عناصر معادية للسامية ومنكرة للهولوكوست. كما تظهر مشاعر مماثلة أيضاً في المجر، حيث يتأهب حزب «جوبيك» القومي المعادي للسامية والمناهض للهجرة ليصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان. ومع موقفهم الراديكالي ضد التعددية وحقوق الأقليات، فإن الشعبويين اليمينيين في اليونان، ونظراءهم في المجر -إلى جانب عشرات من الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي التي تستعد للفوز بمقاعد في الانتخابات البرلمانية العام القادم- يشكلون الماركات الأوروبية المزدهرة لشعبوية أكثر إثارة للخوف من نظرائهم في أميركا اللاتينية. فيديريكو فينشليستاين - أستاذ التاريخ بجامعة نيوسكول بنيويورك فابيان بوسوير - كاتب عمود رأي بصحيفة «كلارين» الأرجنتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©