الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأوروبيون بين إجراءات التقشف وأزمة الديون

الأوروبيون بين إجراءات التقشف وأزمة الديون
20 ديسمبر 2011 21:41
بعد عامين من الأزمة والديون المصرفية في أوروبا، يمكن القول إن حفلة "اليورو" الصاخبة قد انتهت. فاليونانيون بدأوا يفرغون حساباتهم البنكية، والإيطاليون يقترحون أن تشرع الكنيسة الكاثوليكية في دفع قرابة مليار دولار من الضرائب على ممتلكاتها من الفنادق والشركات المدرة للأرباح، وفي بريطانيا، استقر المحتجون العاطلون عن العمل بالقرب من مقر رئاسة الحكومة في "10 دوانينج ستريت" عقب أكبر إضراب عام تعرفه البلاد منذ سنوات. كما شهدت إسبانيا قيام أشخاص بملابس أنيقة بالتسول في مدريد، في حين أعلنت هولندا عن ارتفاع في حالات الإفلاس وانخفاض في الصادرات، وبدأ المصرفيون الفرنسيون التخلص من آلاف الوظائف. وفي البرتغال التي تلقت إنقاذاً مالياً، ستتزامن عطلتان دينيتان وأخريان مدنيتان اعتباراً من اليوم مع عطل نهاية الأسبوع، هذا في وقت تضاعفت فيه تكاليف الرعاية الصحية هناك فجأة في العديد من المستشفيات. والواقع أنه عبر كل بلدان أوروبا جلبت حدة الإجراءات التقشفية والغضب العام دفقاً جديداً من "قصص التقشف" إلى الواجهة: خفض الوظائف وتأثيرها، وحالات جديدة للكراهية العرقية، والقلق بشأن الاستقرار الاجتماعي. والملفت أن معظم هذه القصص يأتي من البلدان الواقعة في جنوب أوروبا، أو الاقتصادات "الأقل تنافسية". ففي "فلورانسا" الإيطالية قُتل بائعان سنغاليان جائلان في أحد أسواق المدينة بعد أن أطلق عليهما متعصب "يميني" النار في الثالث عشر من ديسمبر الجاري بينما أصيب ثلاثة آخرون بجروح. وفي الشوارع اليونانية تتراكم أكوام النفايات والقمامة هناك منذ أيام، في وقت تعرف فيه البلاد ارتفاعاً في معدلات المخدرات والجريمة. والمهاجرون الذين كانوا يعتبرون عمالة مرحباً بها قبل خمس سنوات في اليونان وإيطاليا، وإسبانيا بشكل خاص، باتوا اليوم عرضة لعمليات مكثفة للتدقيق في الهوية ونظرة الجمهور المتجهة، إضافة إلى عدد متزايد من حالات العنف من قبل مجموعة الحراسة الأهلية. وفي بعض الأحيان، يعني هذا المناخ المكفهر أن "أي شخص قد يبدو في مظهره مثل مهاجر يواجه خطر التعرض للضرب"، كما تقول "جوديث ساندرلاند" من فرع "هيومان رايتس ووتش" في أوروبا. ومن جانبه، يقول "باب نضاي"، المؤرخ الاجتماعي بمدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بباريس: "هناك جو مكفهر ومشحون في الأحياء العادية التي أزورها... قلق بشأن الوظائف، والمزايا، والضمان الاجتماعي، وكلفة المعيشة"، مضيفاً "وعلاوة على ذلك، فإن الأقليات قلقة بشأن رد فعل الجمهور... قبل بضع سنوات، كان أفراد الأقليات الحاصلين على شهادات جامعية يغادرون فرنسا إلى بريطانيا، غير أن هذه الأخيرة لم تعد اليوم جاذبة ومضيافة. ولذلك، بدأنا نرى اليوم ظاهرة التطلع إلى الأميركيتين، حيث بدأ عدد متزايد من المهنيين يهاجرون إلى مونتريال مثلًا ولا ينوون العودة إلى فرنسا". وفي محاولة للتخفيف من وقع التدابير التقشفية، شرعت اليونان في بيع عبَّارات لتركيا، مثل قطع السيارات المستعملة وهوائيات التلفزيون إلى بلدان لا تخطر على البال مثل جزر الباهاماز وجرز مارشال. كما أعلنت إيطاليا هذا الأسبوع أنها ستفرج عن نحو 3300 سجين ممن لديهم عقوبات دون 18 شهراً من أجل توفير ما يقدر بـ500 ألف دولار يومياً. غير أنه بينما تستعمل اليونان قروض الإنقاذ المالي الأوروبي الربعية بقدر كبير من التروي والحذر - الشطر التالي مازال موضوع مفاوضات- بدأ الناس العاديون يُفرغون حساباتهم البنكية. وفي هذا السياق، قال محافظ البنك المركزي اليوناني "جورجيوس بروفوبولوس" مؤخراً للبرلمان: "في سبتمبر وأكتوبر، انخفضت المدخرات والودائع بـ13 إلى 14 مليار يورو إضافية. وخلال الأيام العشرة الأولى من نوفمبر، استمر الانخفاض على نطاق واسع". والنتيجة، كما قال، هي تقلص قدرة البنوك على الإقراض. بيد أن بعض تأثيرات التقشف قد تكون إيجابية بشكل غير مباشر. ففي إسبانيا مثلا انتاب علماء الآثار شعور بالفرح لتوقف موجة البناء الجنونية التي كانت موجودة خلال السنوات العشر الماضية، وذلك نظراً لأن مراكز التسوق المخطط لها كانت ستُبنى على مستوطنات تعود إلى العصر النحاسي لم يتم فحصها وتنقيبها بعد. كما أوقفت الشرطة الإسبانية أيضاً عصابة تزوير متطورة كانت تطبع الأوراق النقدية من فئة 50 "يورو" انطلاقاً من مصنع للتعليب. وفي إيطاليا، من المتوقع أن يقوم أعضاء البرلمان الـ950 الذين يتقاضون نحو 200 ألف دولار سنوياً بخفض رواتبهم في وقت تسعى فيه حكومة "ماريو مونتي" الجديدة إلى التعاطي مع معضلة 1.9 تريليون "يورو" من الديون التراكمية، هذا علماً بأن الساسة الإيطاليين يكسبون ضعف ما يكسبه نظراؤهم الفرنسيون والألمان، وأربعة أضعاف ما يكسبه نظراؤهم الإسبان. غير أن عدداً من حالات التوتر والضغط التي تشهدها أوروبا اليوم لا تقتصر على البلدان الواقعة في جنوب القارة فحسب، حيث سجلت بريطانيا مثلا أعلى ارتفاع في مستويات البطالة منذ 17 عاماً رغم أن أرقام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تشير إلى أن لديها أعلى ثاني مستوى معيشة في أوروبا. ويذكر هنا أن أعمال الشغب التي شهدتها لندن في أغسطس الماضي حدثت بشكل رئيسي بين الفقراء. والأسبوع الماضي، قرر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عدم الانضمام إلى اتفاقية بين حكومات الاتحاد الأوروبي من تصميم ألماني- فرنسي تهدف إلى فرض الانضباط على دول الاتحاد الأوروبي وتجنب أزمات في المستقبل، ما نظر إليه البعض باعتباره خطوة من شأنها عزل بريطانيا عن بقية أوروبا. غير أن القرار سلط الضوء على قرار سابق كان قد اتخذه مجلس بلدة "بيشوبس ستورتفورد" ويقضي بتغيير علاقة التوأمة التي تجمع البلدة ببلدة "فريدبورغ" الألمانية منذ 46 عاماً. ويتألف مجلس البلدة بشكل رئيسي من سياسيين محافظين، أو "مشككين في المشروع الأوروبي"، وقد تعرض لانتقادات قوية بسبب قرار خفض علاقة التوأمة في وقت دقيق وصعب بالنسبة للوحدة الأوروبية. روبرت ماركند - باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©