الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زوج «التسع»!

زوج «التسع»!
7 ديسمبر 2012
نورا محمد (القاهرة) - قبل أن أنتهي من دراستي الجامعية، ظهر في الأفق ثلاثة من الشباب يحاولون ان يلمحوا برغبتهم في الارتباط بي، حينها كنت أدرس في كلية الزراعة، التحقت بها طبقا لمجموع درجاتي في الثانوية العامة، وليس عن رغبة في هذا النوع من الدراسة ولا حبا فيه ولا اختيارا، فقط للحصول على شهادة الأهم فيها ليس الوصول إلى فرصة عمل، وإنما بصراحة كفرصة للزواج من شخص مناسب، لذلك أعتبر أن تقدم هؤلاء العرسان لي، كان من باب الرغبة في الزواج من ?شابة جامعية متعلمة، ولا أعرف فيما كانوا يفكرون وراء ذلك، فليس بيني وبين أي منهم أي اتصالات أو حتى مجرد كلام سوى التحية المقتضبة عند اللقاء العابر صدفة. الأول كان ابن عمتي يعمل معلما في القرية الكبيرة التي نقيم فيها، لا يهتم بمظهره ولا يمشط شعره، وبعد ان ينتهي من عمله بالمدرسة يكمل بقية يومه في الحقل، وليس له في الدنيا أي طموح أو أمل، احلامه وقفت عند البهائم التي يقوم بتربيتها، وبالطبع سوف أتحول معه الى مجرد زوجة ريفية أتقوقع في البيت لأنني بكل تأكيد لن أحصل على فرصة عمل في تلك الظروف الصعبة وفي ظل نسبة البطالة المرتفعة، وخاصة ان تخصصي الدراسي غير مطلوب بالمرة في ذاك الوقت وحتى الآن، اعتبرت ان زواجي منه سيكون بمثابة القضاء التام على أحلامي وطموحاتي. ليس هذا فقط، بل هو نفسه بجانب انه مهمل فإنه ضعيف الشخصية وأكبر دليل على ذلك أنه لم يتقدم لأسرتي مباشرة لطلب يدي وإنما يحوم من بعيد عن طريق أمه اي عمتي، كانت تأتي إلى أمي وتفاتحها في الموضوع بالتلميح لا بالتصريح، فتقول مثلا إننا نريد ونود ان نكون على تواصل واتصال وارتباط واستمرار العلاقات الوثيقة خاصة ان أبي قد توفي منذ سنوات طويلة وتتولى أمي شؤوننا، ولم تطلب عمتي ولا مرة يدي ولم تصرح أبدا بذلك، كنا نفهم مقصدها من خلال كلامها، ولا نعتبره طلبا رسميا، ولذلك نتعامل معه كأن لم يكن، وأنا من جانبي لا أريد ان أتزوج بتلك الطريقة التقليدية القديمة، فأكون زوجة لشخص لمجرد اننا أقارب ليس إلا. أما الثاني فهو ابن عمي، يرى أنه أحق بي من اي شخص في الدنيا مهما كان، فالتقاليد عندنا وكل الموروث من العادات تقول قاعدتها إن الفتاة لابن عمها، والقاعدة تلك لا يجوز لأحد أن يتخطاها، حتى انه لو أراد شاب أن يخطب فتاة ولها ابن عم فعليه ان يتوجه اليه أولا ليستأذنه وليعرف إن كان يريدها أو لا وإلا وقعت مقتلة عظيمة، وابن عمي هذا لم يكن أفضل كثيرا من ابن عمتي، فهذا بعد ان تخرج في الجامعة لم يحصل على وظيفة ولم يكلف خاطره بالبحث أو المحاولة، ولم تكن له رغبة في العمل الحكومي، اتجه الى التجارة افتتح محلا صغيرا لتجارة الملابس والأدوات الكهربائية للمقبلين على الزواج ولأهالي القرية، لم تكن أرباحه كبيرة ولم تحدث في حياته طفرة مالية، يقضي نهاره وليله أمام المحل ينتظر الزبائن القلائل الذين يأتون على أوقات متباعدة، يدخن النارجيلة حتى أصبحت مرتبطة بشخصيته، فمن النادر ان تجده من دونها. وبنفس طريقة ابن عمتي، فإن ابن عمي لم يصرح هو الآخر بطلب يدي وكلاهما ينتظران حتى أنتهي من دراستي وكلامهما مجرد «حجز» حتى لا تضيع الفرصة أو السبق بالكلام، وابن عمي يعتمد على صلة القربى ويكاد يكون واثقا أنني لن أكون لغيره طبقا للتقاليد لا لأي سبب آخر، وتأتي التلميحات ايضا من جانب أبيه، بذات الوسيلة والكلمات التي ترددها عمتي بأننا يجب ان نظل عائلة مترابطة ولا يحقق ذلك إلا المصاهرة وحتى لا يتفرق الابناء والبنات هنا وهناك ويتزوجون من الأغراب وتضعف صلات الرحم. العريس الثالث، تربطنا به ايضا صلة قرابة لكن من بعيد، فوجئت به يدخل مباشرة من الباب ويزورني في الجامعة، وجدته أمامي، فيه جرأة غير عادية، حدثني بصراحة غير معهودة بلا مواربة، اخبرني أنه جاء مسافرا قاطعا ما يقرب من خمسمائة كيلومتر من أجل ان يراني ويلتقي بي ويتحدث إليّ بشكل واضح وبلا وسيط، أعترف بأنه يكن لي مشاعر قوية ولن يضيره إن رفضته ولكن يضيره ان يصمت ولا يعبر عما بداخله، أكد انه ليس من الضروري ان يعود هذه المرة برد شاف والافضل ان أمنح نفسي فرصة للتفكير وبلا وقت محدد، لم يفته ايضا ان يحدثني عن ظروفه وإمكاناته وبكل صراحة، وإن كنت في الواقع أعرف معظم تفاصيلها بحكم القرابة. كان يوما من أجمل أيام عمري، دعاني فيه على الغداء، تحدثنا في أشياء عامة بعيدا عن مستقبل حياتنا، اقتربت منه كثيرا، شعرت حينها انني اتخذت قراري في المفاضلة بين الثلاثة، لكن ليس بشكل نهائي، أعتقد انني مازلت صغيرة لحسم مثل تلك الامور ولابد ان يكون الأمر كله أمام أسرتي، لذلك عندما عدت الى البيت كان أول شيء فعلته انني أخبرت أمي بما حدث، والغريب انها لم تكن تسمعني باهتمام يليق بالحدث الذي أراه أكبر حدث في حياتي، لكن في النهاية كانت هناك مفاجأة في انتظاري، فإن أمي على علم بما حدث فقد توجه اليها قبل ان يتخذ الخطوة واستأذنها هي وخالي في هذا اللقاء ليكون قد دخل البيوت من أبوابها، والحمد لله انني نجحت في الاختبار وأخبرت أمي مباشرة وإلا كنت فقدت بعض ثقتها. خالي هذا زوج لأخت هذا الشاب، ومن ثم فقد حبكوا حيلتهم أو تآمروا ضدي بشكل لذيذ، شعرت طبعا بالخجل وحياء الأنثى واستشعرت انهم سائرون نحو الموافقة عليه، ولم يبق إلا رأيي، وكان من الطبيعي ان أجري مفاضلة بينهم، وأنا مازلت في الدراسة وتبقى لي عام على التخرج، لكن لا مانع من إعلان الخطبة حتى ذلك الحين، حسبما فهمت مما يدور خلف ظهري لكنه يصل الى مسامعي بشكل أو بآخر. الغريب ان العرسان الثلاثة يشتركون في شيء واحد هو ان كلا منهم وحيد أبيه، الأول والثاني أكثر ثراء من الثالث، بينما هذا الأخير مستقبله أفضل وإن لم يكن الآن أحسن، وعلى عكس الآخرين لديه طموح كبير وعنده روح المغامرة، ينظر للمستقبل بتفاؤل، لكن الأهم عندي هو انه سيقيم في إحدى المدن الكبرى التي اذا تزوجته فسانتقل اليها معه، وتلك نقلة مهمة وتغير كبير في حياتي، بدلا من معيشة القرية التي مازالت بدائية، وبهذا التفكير أجدني أميل اليه وأختاره، لكن لابد من التخلص من قيود العادات البالية أولا وثانيا يجب ان أترك الأمر النهائي بين يدي أسرتي بعد ان أبدي رأيي ثم لكل حادث حديث. على غير المتوقع سارت الأمور بسلاسة وفور تخرجي تمت الخطبة رسميا باعتراضات مرت بسلام، ثم تم الزواج بعد ذلك بشكل بسيط في كل مظاهرة، فعش الزوجية ليس به إلا غرفة نوم متواضعة جدا، والمطبخ به بعض الأدوات والأواني، بلا اي أجهزة كهربائية، الشقة صغيرة في حي جديد مستواه دون المتوسط على أطراف المدينة التي كنت أحلم بالمعيشة فيها، ولم تكن واحدة من صديقاتي أو قريباتي قد تزوجت بهذا الشكل، وليس هذا هو المستوى المتعارف عليه عندنا، لذلك فقد واجهنا انتقادات كثيرة على قبولنا لهذه الأوضاع وكان أمامنا اختيارات أفضل، لم ألتفت الى ذلك، لانني بالفعل كنت سعيدة جدا بما انا فيه، أنظر الى المستقبل وأرى في الأفق ان القادم أفضل بكثير، والأحوال في طريقها الى التحسن. زوجي يعمل في وظيفة جيدة، وكان من أنصاف المشاهير، دخله معقول، للحقيقة وللإنصاف هو يعرف كيف يتعامل معي بشكل يرضيني ويجعلني سعيدة حتى ونحن لا نجد شيئا نأكله في بعض الأحيان ولا تعرف الحلوى طريقها الى بيتنا، فمجرد الخروج في نزهة في الهواء الطلق من دون أن ننفق اي أموال أو نشتري حتى زجاجة مياه غازية كان يمطرني بالأحلام الوردية ويبث في نفسي الأمل في غد أفضل، يكفي انه يسمعني كلمات الغزل ويعبر عن حبه لي بالرغم من مرور عامين على زواجنا، على عكس ما كنت أسمع ممن سبقنني من الزوجات بأن الأزواج يصابون بالخرس المنزلي بعد شهر من الزواج، ويهجرون بعده البيوت، ويتحولون الى فصول النكد المستمر. أحوالنا تتحسن شهرا بعد شهر وعاما بعد عام، وزوجي يضعني في مقدمة اهتماماته، كلما وجد بين يديه مبلغا من المال قل أو كثر يخيرني ويترك لي اتخاذ القرار، إما ان أشتري بعض المجوهرات أو المفروشات والاثاث أو الأجهزة الكهربائية، حتى اكتملت كل احتياجاتي، والسعادة تنتشر في ربوع البيت وتكتمل بمجيء طفلتنا الأولى بعد ثلاثة أعوام من الزواج، أثبت لنفسي انني اتخذت القرار الصحيح في الاختيار وان الله وفقني فيه، ولم أهرول في البداية وراء المال، وكانت نظرتي صائبة وها انا أفضل حالا مما كنت أحلم به. يبدو ان السعادة لا تدوم والدنيا لا تستقر على حال مهما كان فقد توفي «حماي» وأصبح زوجي هو المسؤول عن كل أفراد الأسرة أمه وأخواته الإناث السبع المتزوجات وغير المتزوجات، تحول بكل اهتمامه إليهن، اعتبرنه أباهن وبالغن في مطالبهن رغم انه ترك لهن كل الميراث ولم يأخذ منه شيئا، أحيانا اشعر أنهن يستكثرنه عليّ ويردن حرمانه مني أو بالأصح تقليل اهتمامه بي وبابنته الصغيرة، والغريب ان مطالب المتزوجات أكثر من الصغيرات، كلهن يطالبنه بالحنان والمال، في الحقيقة أصبحت هناك ثماني شريكات تتقاسمن معي وقت وجهد ومال زوجي، وتحدثت معه كثيرا مطالبة بحقوقنا عليه وواجباته نحونا، وأنا لا أغار منهن ولا أحاول ان أبعده عنهن، ولكن أريده ان يعود كما كان وان أحصل على نصيبي فيه، كما تحصل كل واحدة من أخواته المتزوجات على نصيبها وحقوقها من زوجها، للمرة الأولى يعرف الخلاف طريقه إلينا، لم أعد أطيق صبرا أكثر من ذلك، فكأن زوجي خرج ولم يعد، ولا أدري هل يعود بعد ان دخل بينهن أم لا؟، لا أستطيع الانتظار.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©