الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

أنفاق الإرهاب

أنفاق الإرهاب
31 ديسمبر 2015 02:41
لم يكن خبر انضمام إماراتيين إلى تنظميات إرهابية أمراً يمكن أن يصدق إلى وقت قريب، إلا أن ذلك بات حقيقة ماثلة وواقعاً معاشاً شهدت عليه دائرة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا، التي نظرت خلال عام 2015 وحده 11 قضية، تورط فيها 64 إماراتياً، بالارتباط بتنظيمات إرهابية كـ «داعش»، و«جبهة النصرة» و«القاعدة». انضمام مباشر، دعم مادي، تجنيد، ترويج، كانت تلك أبرز التهم التي أفرزتها القضايا خلال العام، فيما شملت الأحكام النهائية الصادرة في 6 قضايا اتهم فيها 15 مواطناً، صدرت بحقهم أحكام نهائية، منها حكم على أحدهم بالإعدام، و4 بالمؤبد، وبلغ مجموع أحكام السجن في حق 7 منهم 70 سنة، بينما برأت المحكمة 3 متهمين. وينتظر أن تُستكمل محاكمة 49 متهماً إماراتياً من الـ 64 في 5 قضايا متفرقة، بينها، ما عرف إعلامياً بقضية «المنارة»، والتي تعتبر أكبر خلية إرهابية جرى تفكيكها. ووفقاً لما قدمته النيابة، فقد ضمت الخلية 41 متهماً 36 منهم إماراتيون، مشكّلة منعطفاً خطيراً بالنظر إلى المخطط الدموي الذي سعى له المتهمون، حيث اعتزموا تفجير مراكز تجارية بارزة، وعمليات اغتيال، وخططوا لتنصيب زعيمهم خليفة للمسلمين فيما أطلقوا عليه «ولاية الإمارات». وبعد عام كامل، ومن خلال حضور أكثر من 70 جلسة، والحصول على 1200 مستند، شمل لوائح اتهام، ومرافعات للنيابة والدفاع، وإخضاع تفاصيل تلك الجرائم والمستندات للتحليل، باستثناء القضايا المتداولة حالياً، اقتحمت «الاتحاد»، ما يمكن أن يطلق عليه «أنفاقَ الإرهاب»، في محاولة للإجابة على عدد من التساؤلات، مفادها: من أين نشأ هذا الفكر المتطرف؟، وعلى ماذا استند؟ وهل القضايا التي صدرت فيها أحكام، حالات استثنائية فرضتها متغيرات عالمية وإقليمية، أم أن هناك أمراً مبهماً أخفته ناطحات السحاب والمراكز التجارية ومظاهر التنمية، في مجتمع تسمو فيه قيم التسامح، واحترام الآخر، وتغيب عنه مظاهر الاضطهاد المذهبي، والتفرقة العنصرية. وكان من الضروري الإقرار بأن أفراخ الإرهابين لم تسقط من السماء، بل كبروا بيننا، وتنفسوا ذات الهواء الذي تنفسه شهداء الإمارات الذين دفعوا حياتهم ثمناً لنصرة الحق في اليمن، وأولئك الذين يصنعون أول مسبار عربي للوصول إلى الفضاء. الحقائق والنتائج ماثلة، والنتيجة: 5 أنفاق رئيسة استطاع الفكر الإرهابي النفاذ عبرها إلى عقول هؤلاء المدانين: وهي: «شبهات» تفسير النصوص الدينية، ووسائل الإعلام الداعمة للفكر الإرهابي، ومنصّات التواصل الاجتماعي، ومنظومة المناهج التعليمية، والتأثر برموز الإرهاب. ولعل النتائج تشكل دعوة للجميع بمضاعفة الجهود، حتى لا يفاجأ أحدنا بامتداد «أحد الأنفاق» إلى بيته من دون أن يدري. قال الدكتور المستشار عبد الوهاب العبدول رئيس المحكمة الاتحادية العليا: «إن حجم قضايا أمن الدولة التي تدفقت خلال العام الماضي تحديداً كان استثنائياً كمّاً ومضموناً». وتلك القضايا شكلت تحولاً جذرياً في مضامين الاتهامات التي يحال فيها المتهمون إلى دائرة أمن الدولة في المحكمة خلال أكثر من 4 عقود. وأوضح: أنّ المشرّع الإماراتي قنّن الجرائم الماسة بأمن الدولة مع قيام دولة الاتحاد، بل إن القوانين المحلية في عدد من الإمارات قبل قيام الاتحاد، تضمنت مواد قانونية جرمت هذه الأفعال، وهذه الحالات لم تكن موجودة إلى وقت قريب. تحريض وتدبير كشفت تفاصيل القضايا الـ11 التي نظرتها المحكمة الاتحادية العليا خلال العام، عن حقيقة لا يمكن التجاوز عن تأثيرها في تكوين تلك القضايا، وهي العقول المدبرة التي أثرت بأفكارها على بقية المتهمين. تولت تلك العقول مهام رئيسة في صناعة الخلايا الإرهابية، من خلال أفكار الجهاد، والتكفير، ومحاربة الانتماء للأوطان، وسهلت عمليات التجنيد وتوصيل المقاتلين إلى ساحات القتال، إضافة إلى جمع «التبرعات». ففي القضية رقم (147- 2014) أثرت شخصية «أبو الزبير» الذي يحمل جنسية جزر القمر في تشكيل أول خلية إرهابية في الدولة، حيث اشترك مع «محمد عصمت - 36 سنة» و«سامر غطاس - 39 سنة» ويحملان الجنسية السورية في إقناع 6 مواطنين بالانضمام لـ «جبهة النصرة» و«داعش»، وجمع تبرعات وتحويلها للمنظمتين الإرهابيتين. أقر «أبو الزبير» في إحدى الجلسات بأنه أقنع بقية أعضاء الخلية الذين يرتبط معهم بعلاقة قرابة وصداقة بالسفر إلى سوريا، إلا أنه أشار إلى أنه لم يطلب منهم المشاركة في القتال، بل نصحهم بطلب العلم!. وتردد اسم شخصيتين عربيتين في قضيتين منفصلتين تضمان 15 شخصاً، منهم 12 إماراتياً، وساهمت لقاءاتهما والخطب التي ألقياها في إغواء عدد منهم بالسفر والمشاركة الفعلية مع التنظيم الإرهابي، فيما خطط الآخرون للحاق بهم قبل أن تفكك الأجهزة الأمنية الخليتين، وتحيل بقية المتهمين إلى المحكمة. وبالعودة إلى تفاصيل قضية «شبح الريم»، أكدت النيابة في مرافعتها المكتوبة تأثرها بمحاضرات صوتية لأسامة بن لادن، وأبي مصعب الزرقاوي. ولا بد من الإشارة هنا إلى تأثير عدد ممن كانوا يصنفون حتى وقت قريب كدعاة، في عقول الشباب الإماراتي والعربي عموماً، ولعلّ «إعلان النفير» والفتوى بوجوب «الجهاد» التي ألقاها أحد الدعاة في خطبة الجمعة بمسجد عمرو بن العاص في العاصمة المصرية إبّان حكم «الإخوان المسلمين» يعد كافياً لحفر نفق مظلم لا يوصل إلا إلى الإرهاب. الداعية نفسه، قال في خطبة أخرى: «الخلافة قادمة.. أقسم بالله لكأني أنظر إليها بعيني الآن»، ثم تعددت الأبواق التي دعمت توجهه، ولم تتوان في المطالبة بضرورة دعم من وصفتهم بـ «المجاهدين». ولا شك في أن تأثير مثل تلك المضامين التي تضمنتها هذه الخطبة الشهيرة، ورسائل الدعم عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمساندي فكره، لعبت الدور الأهم في ترسيخ «الإرهاب»، وهو ما وضع صاحبها على رأس قائمة مقاولي وحافري أنفاق الإرهاب. شبهات مردود عليها وشكل تأثير ما يمكن وصفه بـ «الشبهات» المتعلقة بالتفسير المشوه لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، عاملاً بالغ التأثير والحسم، خصوصاً لأولئك الذين كانوا منضمين لجماعات باطنية ومحدودة التأثير في الدولة كـ «السلفية الجهادية»، و«الدعوة والإرشاد»، و«الإخوان»، وهو ما سهل عملية استقطاب المغرر بهم. وفي هذا المحور، نعود إلى قاعة المحكمة، حيث بدأ المحامي الدفاع عن أول تشكيل مهيكل مرتبط بتنظيمات الإرهاب مرافعته بالتالي: «إن شباب هذه البلاد تشربوا تعاليم الإسلام ودفعتهم غيرتهم على محرمات المسلمين، فهبوا لرفعتها». واستشهد المحامي، الذي بدا واثقاً، بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، منوهاً إلى أنها كافية لإقناع المتهمين بـ «الجهاد المزعوم». ومن النصوص التي ساقها: قول الله تعالى: «وكان حقاً علينا نصر المؤمنين»، وقوله عزّ وجل: «يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب آليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون». وأردف بحديث لرسول السلام، قال فيه: «لا هجرة بعد فتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استُنفرتم فانفروا». للوهلة الأولى، قد يمكن تبرير دفوع المحامي واجتهاده من منطلق سعيه لتبرئة موكله، إلا أن هناك جانباً مظلماً أخفاه توظيف تلك النصوص. ويمكن توضيح ذلك بمحاولة الإجابة على السؤال التالي: كم من مستمع لذلك التوظيف قد ينسجم معه ويؤمن به، وكم من آخرين سينقضون تلك التفسيرات ويرفضونها؟ وقبل أن نسير خطوات إضافية في هذا النفق بلا قصد، نورد رد العلامة عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم، على استخدام آيات ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في تبرير جُرم الإرهاب، وتشويه المظهر الحضاري لديننا الحنيف. وأكد بن بيه أن مشرعي الإرهاب تعمدوا اجتزاء نصوص الآيات والأحاديث وإنزالها في غير منازلها، مشبّهاً ذلك بمن يقتبس قول الله تعالى: «ولا تقربوا الصلاة»، من دون أن يتم الآية «وأنتم سكارى». ووصف بن بيه هذا الإرهاص المقصود والملتبس بالخلل في أصل العلم والتفسير، واستنباط الأحكام من النصوص بشكل خاطئ، مضيفاً أن معالجة الخلل لا يمكن أن تتم إلا من خلال مبدأ: «وداوها بالتي كانت هي الداء»، مشدداً على أهمية ودور الجهات المعنية في الدولة في تعزيز وتكثيف جهود إعلاء كلمة العلماء الثقات والدفع بالمضامين والاستنباطات السليمة للنصوص والأحكام»، و«في ذلك منع للإغواء، ورفع للبلاء». وأوضح أن ذلك لن يكون كافياً إلا إذا حصل إجماع مذهبي تتفق فيه كل المرجعيات الدينية على وضع تصور واضح وثابت حيال تلك الشبهات، وعدم توحيد فتاوى تجريم وتحريم الإرهاب وقتل الأنفس على مستوى الدول الإسلامية سيبقى الخرق الذي أحدثته تلك الاستنباطات الخاطئة قائماً. وطالب بإيجاد آليات تسمح بجمع جهود وأطروحات علماء المسلمين الثقات كافة في مواجهة هذه الآفة، لتكون مرجعية يتحقق بها الإجماع، وتتعاظم بها الثقة، وتسد بها ثغرات الإلباس. واعترض بن بيه على استخدام مصطلح الجهاد في موضع وصف الأعمال الإرهابية، مشيراً إلى أن المصطلح الأدق لتلك الممارسات المتطرفة هو «الحرابة»، أما مفهوم «الجهاد» فهو خاضع لتدوير ولاة الأمر، والقتال في الإسلام حالة دفاعية لا عدوانية، و«الجهاد» يرُد الأذى ويرفع المظالم لا العكس، وهو ما تؤكده الآية الكريمة: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين». الإعلام شكلت وسائل إعلام عدة أحد المحرضين، على الإرهاب، وهو ما دفع به أمام المحكمة عائدان من ساحات القتال في سوريا، بعد أن يقررا الفرار واللجوء إلى قنصلية الإمارات في تركيا ليعودا إلى الدولة، ليبرر كل منهما أمام المحكمة الاتحادية العليا انضمامه إلى تنظيم «جبهة النصرة» بالتأثر بمضامين المحتوى الإعلامي لبعض القنوات الفضائية لمجريات الأحداث في سوريا، والتي صورتها تلك القنوات وكأنها حرب طائفية، وقالا: «اعتقدنا أن في ذلك نصرة للدين والمذهب». أكد ذلك الأمر أيضاً،الدكتور سلطان الجابر رئيس المجلس الوطني للإعلام، موضحاً أن هناك فضائيات عربية وغير عربية ساهمت بشكل واضح في دعم التطرف وتبريره، لأسباب متعددة. وقال: «تورطت قنوات فضائية بشكل واضح في تأجيج ما بات يعرف بـ (الثورات العربية)، ثم أعلنت صراحة دعمها لمنظمات تصدرت قوائم الإرهاب الصادرة عن منظمات أممية ودولية». وقال: «انسجمت تلك الممارسات مع سياسات الدول المحتضنة لتلك القنوات أو الممولة لها، إضافة إلى تأثير انتماءات أطقمها الحزبية المتطرفة، فاستضافت رموز الإرهاب تارة، وروجت لنجاحاته تارة أخرى، وبثت رسائل ومضامين متطرفة من دون خجل أو مراعاة لمنطلقات المسؤولية الإعلامية، وأخلاقيات المهنة». وأكد الجابر أنه وعلى الرغم من الجهود السياسية التي بذلتها شخصيات مرموقة لتغيير توجه تلك القنوات فإن سياساتها لم تشهد تغيراً حقيقياً، مشدداً على أن جهود مكافحة الإرهاب لن تتكامل إلا باتخاذ قرارات حازمة على صعيد إيقاف الآلة الإعلامية المروجة له، مطالباً بكبح رسائل تلك القنوات والعمل على تحجيم تأثيرها الإعلامي وفق الأطر القانونية المتاحة. وفيما يخص التأثير المباشر لتلك القنوات على أبناء الإمارات، أكد الجابر أن القنوات الإعلامية والصحف الإماراتية تحملت عبئاً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، ضمن مساعيها لإيجاد استراتيجيات لمواجهة التطرف والتشدد، لكنه أقرّ بأن عدداً من تلك القنوات أغفل جانب معالجة القضايا المتعلقة بالإرهاب محلياً، داعياً وسائل الإعلام الإماراتية إلى إيجاد التوازن المطلوب للتعامل مع قضية الإرهاب دولياً ومحلياً. تجنيد من «غرف النوم» على مدار عام من المحاكمات، لم تقبل مواقع التواصل الانفصال عن أغلب القضايا، فأنشأ المتهمون حسابات متعددة، يتركز أغلبها في موقعي «تويتر» و«فيسبوك»، في حين شكل موقع «يوتيوب» المرجعية الأرشيفية لمقاطع الفيديو والخُطب وعمليات الجماعات الإرهابية، ولم تغب أيضاً مواقع كـ «انستغرام»، و«واتساب» بل حتى «بلاك بيري ماسنجر» عن تلك المحاكمات. المتهم الأول في قضية الانضمام لجبهة النصرة أنشأ حساباً عبر موقع الـ «فيسبوك» باسم «تنسيقية تفتناز» روّج عبره لأفكار الجماعات الإرهابية، وأنشأ متهمون في قضية المنارة حساباً باسم «المنارة الدعوية» عبر تويتر. وروج إماراتي في القضية رقم 125 عبر حسابات في تلك المواقع لتنظيم «داعش» الإرهابي. قدمت وتقدم تلك المواقع خدمة لا يمكن القفز على أهميتها وتأثيرها في عمليات الاستقطاب سواء على مستوى «الذئاب المنفردة» كـ «شبح الريم» أو تلك المرتبطة بخلايا أو جماعات مهيكلة كجماعة «المنارة الإرهابية». وعلى الرغم من قرارات إغلاق تلك المواقع بمقتضى الأحكام القضائية الصادرة في تلك القضايا، فإن ذلك أشبه ببناء سد ترابي لمنع تدفق أمواج المحيط، بالنظر إلى الكم الهائل للحسابات المروجة للإرهاب. الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات في الدولة أكدت لـ «الاتحاد»، في رد مكتوب، أنها تتبع سياسة واضحة فيما يتعلق بالوصول إلى شبكة الإنترنت تتضمن قائمة معتمدة من فئات المحتوى المحظور الذي أكدت أنه يشمل المحتوى المتعارض مع المصلحة، والأخلاق العامة، والنظام العام، والأمن الوطني، وتعاليم الدين الإسلامي أو أي شيء محظور بموجب أي قوانين أو أنظمة أو إجراءات أو لوائح أو متطلبات نافذة في الدولة، مشيرة إلى أن تطبيق هذه السياسة يتم من قبل كل من المرخص لهم «اتصالات» و«دو». وأوضحت أنها تمنع الوصول إلى المواقع والصفحات التي تحتوي على المواد التي تقع ضمن هذه الفئات المحظورة باستخدام أنظمة الفلترة لتصنيف مثل هذه المواقع أوتوماتيكياً واتخاذ إجراءات الحجب كما يلزم، مضيفة أن اتخاذ إجراءات الحجب تتم أيضاً بناءً على بلاغات الجمهور والجهود الشخصية للمرخص لهم وبالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات الاختصاص في الدولة. ولكن هل تبدو جهود الهيئة كافية لوقف تنظيمات الإرهاب من استخدام تلك المواقع؟ وقال خبير في وزارة الداخلية الإماراتية «فضل عدم ذكر اسمه»: «إن الجماعات الإرهابية كرست رسائلها عبر العديد من منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما عقد من مهمة إخضاعها للمراقبة التامة»، مضيفاً أن ارتباط تلك المنصات بالإرهاب جعل الشركات المالكة لها تتعامل بحذر مع اتهامات حول دورها في خدمة أفكار التطرف. وقال: «لم تعد عمليات تجنيد وتوجيه المتطرفين صعبة كما كانت في بداية التسعينيات من القرن الماضي إبان دعوات الجهاد لأفغانستان، مثلاً، وبات من الممكن الاستغناء عن خدمات الدعاة المحترفين، فتجنيد أصحاب الميول المنحرفة اليوم يمكن أن يتم من (غرف النوم) عبر الخيارات اللامتناهية التي منحتها تلك المنصات والمواقع، فيما بدا وكأنه تجنيد ذكي». التربية وخطر التطرف «لم أبايع البغدادي»، هكذا رد أحد المتهمين الذين شاركوا في عمليات قتالية في صف تنظيمات إرهابية في القضية رقم (147)، مضيفاً: «أنا ضحية لصور القتل وخطب النفير والجهاد، نعم أقر بذنبي وأعترف، ولكني لم أتوقع حكماً مشدداً 15 سنة». وتعليقاً على ذلك، قال الدكتور خليفة السويدي، الذي شغل عضوية لجنة الإشراف الفني على مناهج وزارة التربية والتعليم خلال الأعوام من 1996 إلى 2002: إن وضع المنظومة التعليمية في قفص الاتهام المباشر قد يشمل تجنياً لا يقبله العقل، فالواضح أن التربية الآيديولوجية بالمحاضن الخاصة التي يتم فيها تدريس كتب تلك الجماعات الإرهابية، بعيداً عن نظر المجتمع ومؤسساته عبر الرحلات والمخيمات الداخلية والخارجية والاجتماعات السرية التي هي العامل الأكثر تأثيراً في تلقين فكر التطرف. غير أنه استدرك بالقول: إن البحث عن نقاط الارتكاز التي ينبغي عرضها عند الحديث عن التطرف الديني لا يمكن أن يتجاوز تأثير المناهج التعليمية والمعلم، لأنهما العنصران المؤثران بطريقة مباشرة. ودعا إلى ما أسماه مراجعة العمق المعرفي للمناهج التعليمية، وما يرد فيها من مضامين قد يساء فهمها أو يتم استثمارها من قبل البعض لبناء فكر متطرف». ولخص السويدي دور التعليم في التعامل مع الأفكار المتطرفة والمتطرفين في 3 مراحل متكاملة، هي: الوقاية والاكتشاف والعلاج، مشدداً على أهمية إنشاء مراكز لمعالجة التطرف الديني، تختص بانتشال المراهقين من التطرف إلى الوسطية والاعتدال، وقد يكون اللجوء إلى تلك المراكز بعد فشل المدرسة في التعاطي مع أحد التلاميذ المتطرفين. ودفع بأهمية التفكير بلغة تربوية في تحرير هذا التعليم والعودة به إلى منظومة الوطن، واستخدامه لتعزيز معاني الانتماء الوطني، الذي تحاول الجماعات المتطرفة مسحه من العقلية العربية، مطالباً بربط التعليم بالأهداف الوطنية كالانتماء للوطن والولاء لقيادته، لأن جماعات التطرف الديني تحاول أن تزعزع هذا المفهوم عند الشباب، من خلال إقناعهم بأن الانتماء العقدي للجماعة هو الأهم، والسمع والطاعة إنما تكون لأمير الجماعة. وأكد أهمية تعميق مواد تزكية الأخلاق وغرس معاني الوسطية، وتنقية مادة التاريخ من الشوائب التي لخصت تاريخ الأمة العربية في الغزوات والحروب والانقلابات، مشدّداً على أهمية التركيز على التاريخ الناصع من الإنجازات التي قدمتها الحضارة العربية الإسلامية للبشرية. وأضاف أن حصر المواطنة والوطنية في مادة واحدة وهي التربية الوطنية لم يعد مقبولاً، مشيراً إلى أهمية أن تغذي مواد الوطنية والانتماء كل مناهجنا التعليمية ليتفق ذلك مع حجم الهجوم الذي تتعرض له تلك المفاهيم من قبل المتطرفين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©