الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إزميل الكلمة الشافي

إزميل الكلمة الشافي
23 مارس 2016 21:21
لم يعرف الشاعر البولوني سيبريان نورويد (18821 - 1883) المجد والشهرة، ولم يعترف كبار الشعراء والنقاد بموهبته العالية إلاّ عقب وفاته. ومن بداية مسيرته الشعريّة حتى نهايتها عاش حياة مضطربة لم يعرف خلالها الاستقرار مواجها الفقر والخصاصة في أيّ مكان يحلّ به. فقد هاجر في فترة الشباب إلى ألمانيا، ثم إلى إيطاليا، ثم إلى فرنسا، ثم إلى الولايات المتحدة الأميركية. وفي النهاية عاد إلى فرنسا ليموت في ملجأ للعجائز في ضاحية «ايفري» بباريس في الثالث والعشرين من شهر مايو - أيار 1883. كان نورويد يتمتع بثقافة واسعة خوّلت له أن يبتدع لنفسه طريقة خاصة في الكتابة توزّعت بين الشعر والنثر والدراما المسرحيّة. وكان عارفاً بالفلسفة اليونانية والرومانيّة، مبدياً اهتماماً كبيراً بالكونفوشيوسيّة والتاويّة. وبسبب ميله للعزلة، وطريقته في التفكير والكتابة، أهمله معاصروه فمات فقيراً معدماً تاركاً أعمالاً في غاية الأهميّة. ولم تنشر هذه الأعمال في 11 مجلّداً إلاّ بعد الحرب الكونيّة الثانية. ويرى المتخصّصون في شعره أن الكثير من قصائده عسيرة على الترجمة. وقد حظي نورويد بإعجاب وتقدير مشاهير الأدباء والشعراء من أمثال اندريه جيد، وغومبروفيتش، وعزرا باوند، وعنه كتب ناشر أعماله الكاملة يقول: «إذا ما نحن اعتبرنا أن شعر دانتي هو جذع شجرة الشعر الغربي الكبيرة، وأن شعر بودلير أزهارها، فإن شعر نورويد هو ثمارها»... هنا ترجمة من الفرنسية لأربع من قصائده: 1 إزميل الكلمة توقّع ساعة الكلمة سوف تدقّ، من دون أن تنتظرها. الحقيقة سوف تهطل مطرا ربيعيّا على سقف من الفولاذ. سيول من الكلمات سوف تتدفّق صاعدة باتّجاه النّبع. الصّخور سوف ترتعش، وتضغط بكلّ ثقلها، كلّ واحدة من مكانها. الزّهور سوف تنبعث من جديد، وكلّ واحدة منها ستتنفّس بنفسها الخاص. الطيور سوف تعود، مناقيرها سوف تفجّر البراعم المزهرة. القبور سوف تنفتح، والجماجم سوف ترنّ مثل النواقيس في عيد الفصح. عندئذ سوف نحاول الانتقام بكلّ الأكاذيب بكلّ الشرور غير أنه لن يكون هناك دم مسفوك، بإزميل الكلمة الشافي سوف يجتثّ. .................................................. * بلاجا ديميتروفا (شاعرة وروائيّة بلغاريّة) 2 شهادات - السّجين: سيّدي القاضي، شرطتكم عذّبتني! = القاضي: هل عندك شهود؟ - السّجين: هناك أسنان يسقطها العمر، لكن ليس هناك عمر يحطّم الأسنان... قل لي من حطّم أسناني؟ هناك شعر تسقطه الشيخوخة، غير أنه ليس هناك شيخوخة تجتثّ الشعر... قل لي من اجتثّ شعري؟ هناك عيون يعميها الضّوء، لكن ليس هناك ضوء يثقب العيون.. قل لي من ذا الذي ثقب عينيّ؟ هذه الأسنان المحطّمة هذا الشعر المجتثّ هاتان العينان المثقوبتان … عن ماذا يمكن أن يشهد كلّ هذا إذن؟ .................................................. * كبلان روسلي (شاعر ألباني، أمضى 20 عاما في سجون نظام انور خوجه الشيوعي) 3 الحدبان ومن معهم ذات يوم، جاء الأمر بالبحث عن الحدبان في المدينة، وإجبارهم على البقاء في بيوتهم حتى إشعار آخر، ولتبرير ذلك، قيل بإن هناك بحثا يهدف إلى تخليص هؤلاء من حدباتهم. وقد حاول البعض أن يقنعوا السلطات المعنيّة بالأمر بأنهم لا يعانون ضيقاً من عاهتهم، غير أنهم اصطدموا بجدار من الرّفض. وفي النهاية، اضطروا إلى الانحناء أمام القرار المذكور! في البداية مُدّوا بما يحتاجون إليه وهم قابعون في بيوتهم. ولمّا اتضح أنّ تلك الطريقة مُكْلفة جدّا، وغير ملائمة، تقرّر تجميع الحدبان في نفس الحيّ ذلك أنّ المصلحة العامّة تقتضي بعض التضحيات، الأكثر ثراء صرخوا محتجّين على الفضيحة.غير أنهم لم يلبثوا أن غادروا بيوتهم الفخمة تماماً مثلما غادر الفقراء أكواخهم الحقيرة. وكان من المحتمل أن يتعاضد الحدبان عند وجودهم في نفس الحيّ.غير أن ذلك لم يتمّ. فالبعض كانوا يتصوّرون أن حدباتهم الصغيرة يمكن أن تكون إيجابيّة. أمّا الآخرون فقد كانوا يعتقدون أنّ الحدبات الكبيرة سمة من سمات النّبل. وبما أنّ الضغائن أخذت تشتدّ بين الحدبان، فإنّ السلطات المعنيّة بالأمر، أشاعت أن العمليّة المرتقبة وشيكة الوقوع. أكيد أنه من الطبيعي أن يرفض كلّ شخص أيّ مجازفة غير مجدية. لكن لا يتوجّب القلق البتّة بشأن هذا الأمر. فهناك أطبّاء متمرّسون سوف يشرفون على تنفيذ جميع الإجراءات، وبأقلّ كلفة ممكنة. خلال ذلك تعاظم الاضطراب والهوس في المدينة. وكلّ واحد أصبح ينظر الى ظهره في المرآة عند ارتداء ملابسه. هل هناك أثر لورم ما؟ وثمّة رعشة كانت تجمّد العروق. هل هناك تقوّس بدأ في الظهور؟ لقد كان الفزع عامّاً. هذا العصر يعيش تكاثر الجرّاحين، وأساتذة الصّيانة، البعض يشقّون اللحم في الحين. أمّا الآخرون، فيعلمون كيف تنفخ الصدور حتى تختفي الأشياء الناشزة. العرجان خَلَصوا هم أيضاً إلى أنّ السلطات المعنيّة سوف تهتمّ بعاهتهم حالما تحسم مسألة الحدبان حسماً نهائياً، وبما أنهم تعوّدوا على العيش بعاهتهم تلك، فإنهم أصيبوا بالقلق على مصيرهم تماما مثل العور، والكتعان، والحولان، وكلّ الذين يعانون مرضاً في العين، ثمّ جاء دور أصحاب الآذان المقطوعة، والأنوف الخانسة، والذقون المائلة، وشيئاً فشيئاً، استبدّ الرعب بالقضاة أنفسهم، والبعض منهم بدأوا يخافون من ظهور بعض تلك العاهات الصغيرة في أوساط أقاربهم، وأبنائهم: ذلك الجدّ كانت له ساق معوجّة. ثم راحت الوشايات تتكاثر بشكل سريع. وبلغت القطيعة حدّاً بات معه من السّهل أن تهوي المدينة بأسرها وسط دوّامة الفوضى بسبب حادث بسيط للغاية، عندئذ وجدت المدينة المجاورة الفرصة سانحة لإنجاز المهمّة التي تعهّدت بالقيام بها، ذلك أنّها قديما كانت تحبّ النّظام، ولم يلبث القضاة أن شاهدوا رجالاً مسلّحين يقتربون من أسوار المدينة. ولم يكن الوقت كافياً بالنسبة لهم لكي يؤكدوا للحدبان أنهم لن يصابوا بأيّ أذى، ويعيدوا الثقة للعرجان، ولجميع المصابين بعاهات، وهكذا استولى الغزاة على المدينة، وغرسوا السّيف في صدرها. وكانت المدينة الأخرى في حالة انتشاء بانتصارها لمّا ارتفعت بين سكّانها أصوات تندّد بالدماء المسفوحة، واتخذ القضاة قرارا سريعا يقضي بعزل السّاخطين لكي لا تتفشّى العدوى، ثمّ أشيع أن هناك مدينة أخرى مجاورة تتابع باهتمام شديد ما يجري خلف حدودها. .................................................. * جاك ألفريز بيرايري، شاعر فرنسي 4 بلا عنوان كلّهم مهدّدون، وكلّهم يدافعون عن أنفسهم.على الأرصفة، وعند المداخل يمكن أن تندلع حرب الشوارع في أيّة لحظة. *** العيش في الأكاذيب مريح للنفس أكثر من العيش في الحقيقة، الأكاذيب كبيرة ورائعة. أمّا الحقائق فصغيرة وعارية ومنذرة بالخطر. .................................................. * دوشان رودوفيتش (شاعر يوغسلافي) لمن أنصب شمعة صفراء في الخرائب؟ ترجمة - حسونة المصباحي الكلمات الكبيرة هل تساءلتم في ما بينكم وبين أنفسكم عن شيء عن شيء وحيد رغم أنه ليس جديداً: أين تضيع الورقة مثل أوراق الشجرة تاركة كلمات كبيرة فقط؟ ما هي البلاد المشتركة لكلّ هذه الكلمات - الكبيرة، والموطن الوحيد للجميع، ونفسها البلاد التي لا تنتهي، ودائماً تبدأ وطنا لنا اليوم مثلما كانت لآدم! كوكب الكلمات - الكبيرة التي بعض منها أحياناً تخترق ألفيّة منطفئة لتلطمك من قبل أن تظنّ ذلك وتصيبك - مثل بقيّة سهم صدئ - قبل ألف عام كان أحدهم قد تلفّظ بها أمّا اليوم فهي تجلجل وأنت خلف أكداس الكتب المطبوعة مُتهيئاً أن تقسم أنها الأقرب إليك فكراً وصوتاً! هل تساءلتم عن هذا فقط - فقط عن هذا السرّ الوحيد للكتب، أنتنّ، فراشات برؤوس الأموات على الأجنحة لمن أنصب شمعة صفراء في الخرائب؟... هل تساءلتم في ما بينكم وبين أنفسكم لم شيشرون؟ وبولص أو سقراط؟ قالوا هذه الكلمات ولا يزالون يعيشون... وحتى اليوم لا يزالون يعانقون روحك، وأنت، حتى ولو على مضض، تُصْدقهم القول. مع ذلك كتبك، رغم الشّفة الذهبيّة لصفحاتها التي من رقّ، وصحيفتك بصرخاتها الكهربائيّة وشكاواها، تنطفئ - مثل شموع تافهة - عند منتصف النهار؟ وأنت تصرخ: «اليوم» أنت، عندما تاجك يكون اليوم بين أياد ميّتة منذ أمد بعيد مثل الغصن الذي أمسك بشعر «أبصولون»: «أقزام!» تطلق له ولزمرته هذا الصّرير. الأفكار والحقيقة على مرتفعات الفكر كوكب: من هناك تغوص النظرة، شديدة التحدّر دوار في الرأس، ها الدوار قادم، في السحب - الصّاعقة. ربما ستبكي غير أن الريح ستمسح دمعتك من قبل أن تلمع ما الفائدة في الارتفاع إلى عوالم هي أصفار، والأعمال الكبيرة غبار؟! مع ذلك الملاك السيئ حمل الـ ECCO-HOMO إلى المرتفعات الصخريّة هناك، واقفا، ومتوحداً بنفسه، متمعّناً في الهاوية، في الإنسان، وفي احتقاره للوجود. الإنسان، كما لو أنه بجناحيه المعطوبين، خلسة فرّ من سُهاده راغباً في أن يقارن نفسه وحيداً، مع جسده المرئيّ على الأرض. ومغناطيس الكوكب الأرضيّ سيجذبه باتجاه المناطق الملموسة حيث لا شيء يعاني الدّوار لا شيء!... يشعر بأنه سعيد. حتى اللحظة التي فيها الحزن العميق أو شاهدة قبر من تلك المناطق السّليمة تدفعه من جديد إلى أعلى قمّة في صرح الفكر في هذيان المجرّات إذ إنه هناك قبر أفكار الإنسان. في الأسفل، قبر الجسد. وأحياناً الأسمى في قرن الأمس يتعلّق اليوم بما هو قذر وخسيس الحقيقة: نحن نقترب منها من دون أن نكفّ عن انتظارها! العتمة أنت تتذمّر من أنني معتم: لكن شمعتك، هل تضيئها بنفسك أم أن خادما يختطف منك هذا النور؟ آه، إني أعرفك جيّداً! الفتيل الذي اشتعل يضيء بعيداً، لكنه يسخّن عسل الشمع، بئر يحفر، وتحت عقد قبّته يختفي الألق، نوره شاحب - مصفرّ وفي الحين أنت تظنّ أنه سينطفئ إذ أنّ عسل الشمع، في الأسفل يغرق النور – هيّا، قليلاً من الثقة بالنفس! النّار، وبسرعة الرماد، لا شيء … هل أنت واثق من نفسك؟ انظر، انظر، الفتيل يشتعل!... أيّها الإنسان، هكذا يحدث مع كلماتي، أنت تحرمها من لحظة بائسة في حين أنها، مُسخّنة القرن البارد، سوف ترفع باتجاه السماء الشّعلة المقدّسة... بشأن موت القصيدة (مرثيّة) لقد ماتت!...هل تعرفون نهايات أشدّ حزناً؟ وكيف يمكن أن ندفن هذه السيدة الجليلة؟ هي ماتت بمرض عضال يدعى: المال والمسودّات. هل تتذكّرين تلك الساعة الرهيبة حيث جاثيا عند قدميك كنت أظلّ غارقا في التّأمّل والتفكير، ودمعة في العين، العين التي تريد أن تعرف هل أن من ينطفئ روح أم جسد؟ هي إذن (أعني القصيدة) متقدّمة وذراعها باتجاه النافذة تشير لي بأن أعتّم النور الذي يفسد الابتسامات كما لو أنّ الربيع يسخر منها. هل لمحت جرحا أم رغبة تحت ظلّ نهدها الأيسر لمّا يرتجف؟... آه! كنت حزينا حينئذ - غير أني لم أعد كذلك إذ لي مقبرة وفيها أقطف أزهاراً. لقد ماتت (القصيدة)، هذه العظيمة المجيدة الوسيطة بين كوكبين متضادّين، محيط من الشبّق وقطرة من ندى، هذه السيّدة وهذه العاملة بالأجر اليومي في الآن نفسه استثنائيّة للغاية وكونيّة، هذه الالتماعة وهذه الحمامة... في حين أن الذين مهنتهم الدفن كانوا قد أتوا ليحثوا التراب على العظيمة المتعالية! منذئذ في الكنيسة الشاسعة للصمت رائحا غاديا على البلاط المنبسط ليس قبرها الذي أدوس... لكن العمل الإبداعي لأولئك الذين سوّوا المقبرة بالتراب. لكن سيأتي اليوم الذي سيفكر فيه مدمّرو الأفكار، وفيه سأطلب من الصاعقة أن تضرب بقوّة عالما بأن النار للذين لا نار لهم، حتى ولو كانت نائمة في حجر الصوّان، في السماء سوف تشتعل. مياه مؤقتة لا وطن يا صديقي الذي لا وطن له لم يهرب حتماً من وطنه إنما هرب منه وطنه نعم! يا صديقي صحيح الصحراء انفتاح إنما الجبال تحدّ وفي الجبال كما في الصحراء مسافات داخلية بين الإنسان والإنسان لا تجتازها إلا سفينة المحبة … هكذا تنهار صخور بين تاريخ وتاريخ ذكريات تحرق في مطلع الحياة الإنسان نافذة مفتوحة على السماء … والزهور؟ الزهور تنبت في قلب الصديق قبل أن ترسل أما باريس فهي مرفأ مياه مؤقّتة لباخرة مزقتها العاصفة. ناديا تويني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©