الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

قطار القارة السمراء يسير «عكس الاتجاه» إلى «محطة» الانتعاش

قطار القارة السمراء يسير «عكس الاتجاه» إلى «محطة» الانتعاش
16 ديسمبر 2011 22:37
لم تعـد أوبـرا وينفـري بثـروتهـا البالغـة 3 مليارات دولار أغنى شخص أسود في العالم، حيث ذهب ذلك الشرف إلى النيجيري أليكو دانجوت الملقب بملك الإسمنت بثروة تصل إلى 10 مليارات دولار. وبدأت “مجموعة دانجوت” كمؤسسة صغيرة خلال 1977 لتصبح بعد ذلك شركة عملاقة بنشاطات مختلفة في تجارة السكر والأعمال اللوجستية والبناء في عدد من بلدان القارة السمراء. ويُعد مليارديرات أفريقيا، على الرغم من قلة عددهم، الأمل الذي ينعقد عليه نموها. كما يعكسون مدى الشوط الطويل الذي قطعته أفريقيا ويمثلون مبرراً لاستمرار معدلات النمو التي حققتها القارة في السنوات القليلة الماضية. وعلى الرغم من الحيز الذي شغلته أحداث مصر وليبيا في وسائل الإعلام هذا العام، إلا أن الطفرة الجديدة التي تشهدها جنوب الصحراء، ستؤثر على حياة المزيد من الناس. ومن غانا في الغرب إلى موزمبيق في الجنوب، تكاد اقتصادات أفريقيا تنمو بوتيرة أكثر تناغماً وسرعة من أي منطقة أخرى في العالم، حيث حقق ما لا يقل عن 12 اقتصادا توسعاً سنوي يزيد عن 6% لفترة استمرت 6 سنوات أو أكثر. ومن المتوقع نمو الاقتصاد الأثيوبي بنحو 7,5% هذا العام دون تصدير نقطة واحدة من النفط. وتحولت الدولة التي كانت مصدراً للمجاعة، إلى عاشر أكبر دولة لإنتاج الثروة الحيوانية في العالم. كما أن ثروتها ليست محتكرة من قبل مجموعة من ذوي العلاقات الحكومية القوية. كما شهد توزيع الدخل تحسناً كبيراً في العقد الماضي. صعود الطبقة الوسطى لا تزال فروق الدخل واسعة في العديد من دول القارة على الرغم من بروز طبقة وسطى حقيقية. ووفقاً لبيانات واردة من “ستاندرد بنك”، يزيد دخل نحو 60 مليون أسرة أفريقية عن 3,000 دولار سنوياً. ومن المنتظر أن يصل هذا الرقم بحلول 2015 لنحو 100 مليون، ما يساوي الهند في الوقت الحالي تقريباً. وتنمي هذه الأسر إلى ما يمكن تسميته بفئة المستهلك. ويفوق دخل 300 مليون إفريقي 700 دولار سنوياً العدد الذي لا يعتبر كبيراً خاصة وأن معظمهم يمكن أن يعودوا وبقليل من تغيير الظروف المحيطة، إلى حظيرة الفقر مرة أخرى. وفي ما يتعلق بالأفارقة الواقعين دون خط الفقر، لا تزال الأمراض والجوع يمثلان المشكلة الأكبر، حيث يتعرض للموت كل 118 طفلا من مجموع 1,000 قبل بلوغ سن الخامسة، الرقم الذي كان عند 165 قبل عقدين. إلا أن مثل هذا التقدم نحو تحقيق برنامج “أهداف تنمية الألفية الثانية” التابع لـ “الأمم المتحدة” والذي يرمي إلى خفض معدل الفقر، لا يزال بطيئاً وغير متساو. ومنذ أن تم وصف أفريقيا بـ “القارة اليائسة” قبل عقد من الزمان، طرأ تغيير جذري على عدد من الأصعدة، حيث ارتفع متوسط إنتاجية العمال بنسبة سنوية قدرها 2,7%، كما زاد حجم التبادل التجاري بين أفريقيا وبقية دول العالم بنحو 200% منذ العام 2000. وتراجع التضخم من 22% في تسعينيات القرن الماضي، إلى 8% في العقد الماضي. كما بلغت نسبة التراجع في الديون الخارجية الربع، ونحو الثلثين في عجز الميزانيات. وسجل نمو جنوب الصحراء الكبرى في ثماني من جملة العشر سنوات الماضية، وتيرة نمو أسرع من دول شرق آسيا، وذلك بحسب “البنك الدولي”. وحتى بعد خفض “صندوق النقد الدولي” لتوقعاته للعام 2012 نظراً لحالة البطء التي لازمت دول الطرف الشمالي، إلا أنه لا يزال يتوقع زيادة نمو اقتصادات جنوب الصحراء بنحو 5,75% في العام المقبل. وربما تحقق عدداً من الدول الكبرى في القارة معدلات نمو تصل إلى 10%. ويقول “البنك الدولي” في تقرير له هذا العام “توشك أفريقيا على الوقوف على حافة الانطلاق الاقتصادي مثلما فعلت الصين قبل 30 عاماً والهند قبل 20”. وذلك على الرغم من اعتقاد العاملين في البنك بأن خفض نسبة كبيرة من الفقر تتطلب نمواً طويل الأجل أكثر من اليوم بنحو 7% أو ما يزيد. وبالمقارنة مرة أخرى مع آسيا، من المتوقع مضاعفة عدد سكان أفريقيا من مليار نسمة إلى ملياري نسمة خلال الأربعين عام المقبلة. وبنمو سكان أفريقيا يصحب ذلك بعض التغيير، حيث يبلغ متوسط العمر 20 عاما مقارنة مع 30 لآسيا و40 لأوروبا. ومن المتوقع أيضاً تحسن نسبة العاملين ودرجة الاعتماد على النفس. وأسهمت التركيبة السكانية بفاعلية كبيرة في نمو اقتصادات شرق آسيا قبل عقد، مما يبشر بتوفر فرصة كبيرة لأفريقيا اليوم. ويعزز ذلك إطلاق لقب “اقتصادات الأسود” على أفريقيا أسوة “بالنمور الآسيوية”، على الرغم من المحاذير التي تحيط بذلك. وربما لايزال الوقت مبكراً للحكم على قصص النجاح في أفريقيا، خاصة وأن هناك قصصا مشابهة في الماضي. ويبرز سؤال ما إذا كانت أفريقيا ستستمر في النمو، أم أن ذلك مجرد فقاعة تختفي بمرور الوقت. الذهب والألماس وتُدين معدلات النمو التي حققتها أفريقيا في الماضي بالكثير لأسعار السلع، حيث تمتلك القارة نصف احتياطي الذهب العالمي وثلث الماس، بالإضافة إلى وفرة النحاس والكولتان وكل أنواع المعادن الأخرى. وساعدت عائدات التعدين في ستينيات القرن الماضي في بناء الطرق والبنايات والقصور تلك الأموال التي ذهبت عند كساد الأسواق في الثمانينيات. كما ساعدت عائدات النفط في الأعوام القليلة الماضية على توفير الوظائف وحياة الترف. وفي أنجولا الغنية بالأحجار الكريمة، تتم إعادة استيراد الماس بعد قطعه في أوروبا. وعموماً يُعزى ثلث نمو أفريقيا في السنوات الأخيرة للسلع حيث تستفيد غرب وجنوب القارة من ذلك بشكل رئيسي. وتحصل غينيا الاستوائية على معظم دخلها من النفط، بينما النصف لزامبيا من النحاس. لكن شرق أفريقيا بيد أنها لا تملك الكثير من النفط والمعادن، إلا أن اقتصاداتها أسرع نمواً مقارنة مع بقية أقطار القارة. كما تحقق دول أخرى لا تعتمد على الموارد مثل بوركينا فاسو نمواً مشابهاً. ولا شك في أن ينتج تأثير بالغ عن انخفاض أسعار السلع لمدى طويل، لكن لم تكن آثار النمو الذي يعتمد على السلع عكسية على القارة هذه المرة، حيث يعود ذلك لاستثمار الحكومات الأفريقية بقدر كبير في البنية التحتية مثل الشوارع. وكذلك لاتساع رقعة الأسواق التي تقبل على شراء السلع الأفريقية. وقبل جيل، كانت تشكل دول مثل البرازيل وروسيا والهند والصين، 1% من تجارة أفريقيا، تلك النسبة التي ارتفعت إلى 20% اليوم وإلى 50% بحلول العام 2030. وربما تنمو أفريقيا في حالة استمرار النمو في الصين والهند. علاوة على ذلك، تحول الأجانب المشاركين في التجارة الأفريقية من مقيمين مؤقتين إلى دائمين، حيث تحول آلاف العمال الصينيين إلى رواد أعمال. وقامت إحدى الشركات الصينية للبناء والتعمير بإنشاء فرع لها في أنجولا لإنتاج المعدات التي يصعب استيرادها من الخارج ومن المتوقع أن تحذو شركات غربية كثيرة حذوها. وتملك أفريقيا اثنين من عوامل النمو الأخرى غير السلع، حتى وإن كانت لا تملك برميلاً واحداً من النفط وأوقية من الذهب، وهما تطبيق التقنية والاستقرار السياسي. الاستثمارات الأجنبية ويملك نحو 600 مليون فرد في القارة هواتف نقالة ساعدت في انتعاش حركة حسابات التوفير وتبادل معلومات المحاصيل. كما ساعدت التقنية في قطاع الرعاية الصحية، حيث ذكر “البنك الدولي” أن الملاريا تخصم نحو 12 مليار دولار سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي في القـارة. وفيمـا يخـص الاسـتقرار السـياسي لا تزال القارة تفتقر إلى الديمقراطية والسلام. وتشهد أفريقيا موجة من الخصخصة مما يقلص هيمنة الحكومات، كما تراجعت حدة القيود التجارية. وعلى الرغم من سوء الطرق، إلا أن التجارة الإقليمية بدأت في الانتعاش ليرتفع نصيبها من حجم التجارة العام من 6% إلى 13%. وقطعت تكتلات أفريقيا الاقتصادية شوطاً كبيراً نحو الوحدة، حيث قامت “جماعة شرق أفريقيا” في العام الماضي بإنشاء سوق عامة، و”جماعة التنمية لجنوب أفريقيا” وكذلك “الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا”. وبلغ مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العام الماضي أكثر من 55 مليار دولار في القارة، أي خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل عقد. ولم يعد اهتمام المستثمرين منصبا فقط على النفط والتعدين حيث دخلوا في مجال مؤسسات السلع الاستهلاكية متوسطة الحجم. كما تضاعف عدد السلاسل التجارية خلال الثلاثة أعوام الماضية مثل “ماركس آند سبنسر” البريطانية. وعلى الرغم من النهضة في قطاع التعدين، إلا أن نصيب استثمارات نشاطات الكشف عن أنواع الوقود والمعادن تراجع بنحو 13%. وبذلك، تتركز ثلاثة أرباع المجموع الكلي للاستثمارات في العشر دول الكبرى. ووفقاً لترتيب “البنك الدولي” السنوي للنشاطات التجارية، قامت 36 حكومة من مجموع 46 في أفريقيا بتسهيل إجراءات العمل التجاري في 2010. وربما تشكل الكثافة السكانية بعض المشاكل في حالة عدم توفير الغذاء والتعليم والصحة وفرص العمل المناسبة. وما يثير القلق أن أكثر البلدان الأفريقية نمواً في السكان، هي أقلها نمواً في الاقتصاد في الوقت الراهن. وينزح الفائض في عدد السكان إلى المدن التي يشكل عدد سكانها 40% من إجمالي السكان و50% بحلول 2025. وعلى الرغم من استيراد أفريقيا للمواد الغذائية بنسب كبيرة، إلا أنها تملك 60% من أراضي العالم الصالحة للزراعة. وتتميز الأراضي الأفريقية بصعوبة فلاحتها بالإضافة إلى تغيير الظروف المناخية من سنة إلى أخرى. ويعاني المزارع في الحصول على المخصبات وطرق الري الحديثة وعدم توفير وسائل التخزين المناسبة. وتمثل الزراعة واحدة من المشاكل الدائمة، لكن من القضايا الراهنة كيفية التصدي للكساد المتوقع في شمال القارة. وليس من المرجح أن يغامر المستثمرون الهاربون من مشاكل ديون أوروبا بوضع أموالهم في أفريقيا، بل ربما يقومون بسحب استثماراتهم الموجودة هناك حيث أكد المصرفيون تراجع معدل تدفق الصفقات التجارية. لكن لا يزال الكثيرون منهم متفائلين بمستقبل القارة ونموها الذي من الممكن أن يعوض من لهم قوة الصبر ويغري المتخوفين بالعودة مرة أخرى. ويؤكد التحول الدائم في التوقعات نمو القارة الأفريقية في الوقت الحالي، حيث بدأت حقوق المواطنة تعطي ثمارها في الكثير من أقطارها. كما جعلت زيادة الوعي السياسي من الصعب على الرؤساء غير المؤهلين الاستمرار في الحكم. ومع ذلك، أفريقيا ليست الصين المقبلة حيث لا يتعدى نصيبها من الناتج العالمي سوى 2,5%. كما أنها لا تمثل رهانا قويا للعاملين في قطاع التجزئة خاصة في ظل الكساد الذي يلازم أسواق الأسهم. ومهما يكن، تستمر النهضة الأفريقية في تقديم الفوائد لسكان القارة فقرائها وأغنيائها على حد سواء. نقلاً عن: «ذي إيكونوميست» ترجمة: حسونة الطيب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©