الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شبيبة الطيران: صداقات على الأرض ومعارك في السماء

شبيبة الطيران: صداقات على الأرض ومعارك في السماء
3 يونيو 2007 00:29
إبراهيم الملا: شبيبة الطيران أو (فلاي بويز) الفيلم الذي عرض مؤخرا في صالات الإمارات، هو من الأفلام التي تبذل الكثير من الوعود عندما يتعلق الأمر بالدعاية التي تسبق عرضه الجماهيري· والوعود هنا مشروعة لأنها تدخل في سياق الترويج البصري والإغواء الذهني وتجنب الخسارات المبكرة في سوق سينمائي لا يعرف الرحمة، و ''شبيبة الطيران'' ـ والحال هذه ـ يمكن وضعه في خانة الأعمال السينمائية الضخمة إذا قسنا حجم المصروف عليه من أموال والجهود التقنية التي بذلت لإخراجه، وفضاءات التصوير غير المسبوقة التي استخدمت فيه· أسئلة وأجوبة ولكن السؤال المشروع هنا، والذي يمكن أن يطرحه المشاهد، يتمثل في التالي: هل كانت الوعود المبذولة والافتراضية مساوية للواقع المرئي على الشاشة، وهل الفيلم الضخم إنتاجيا هو في المقابل فيلم ناجح موضوعيا؟· وبصيغة أخرى: هل التنفيذ التقني الجيد للفيلم وبمعزل عن قوة المحتوى القصصي، يجعله فيلماً قادراً على إشغال حيز مهم في ذاكرة السينما؟· قد تتأرجح الإجابات هنا، وقد تصطدم بمقارنات مع أفلام حربية شبيهة· ولكن ما لا يستطيع أن يختلف عليه اثنان هو أن السيناريو المنهار لا يمكن ترميمه بالتقنيات الحديثة، وأن القصص الميئوس منها لا يفيدها أي سحر إخراجي، مهما كان هذا السحر متبوعا بحيل وخدع وبرمجيات مبهرة· خسارات نفسية يتكيء فيلم ''شبيبة الطيران'' على خطوط عامة يسندها كتاب حول مذكرات شخصية للطيار جيمس برادلي، أحد المحاربين القدامى في القوات الجوية المشتركة بين الولايات المتحدة وفرنسا إبان الحرب العالمية الأولى· ويسرد الفيلم قصة مجموعة من الشبان الأميركان اليائسين من أوضاعهم في أميركا، والباحثين عن المجد أو التعويض المعنوي في سماء فرنسا أثناء حربها الشرسة مع ألمانيا النازية· ومرد هذا اليأس هو الحطام الاجتماعي والخسارات النفسية التي يحملها كل فرد من هؤلاء المتطوعين بعد انهيار النظام الاقتصادي في أميركا، وهيمنة فترة الكساد والنزاعات العرقية والطبقية في طيف مجتمعي وسكاني واسع هناك· صحيح أن فيلم ''شبيبة الطيران'' يستند على وقائع حقيقية، ولكنه وعلى مدار ساعتين وعشرين دقيقة هو زمن الفيلم، لا بد وأن يثير بعض التساؤلات حول مدى ضرورة إقحام مشاهد لا تضيف شيئا للمحتوى الدرامي، وحول ضخ الفيلم بشخصيات مركزية مزدحمة من دون ربط واضح وقوي بين هذه الشخصيات وبين الدعامات المؤسسة للحبكة، هذا إذا كانت هناك حبكة متينة أصلا في هذا الفيلم· تدور معظم الأحداث هنا في قاعدة ''لافاييت'' الجوية في فرنسا· أما الأحداث الباقية فتشغلها سماء ضارية مليئة بالأدخنة والحرائق والدماء· ورغم أنه من الظلم مقارنة الطائرات البدائية في الحرب العالمية الأولى بالطائرات الحربية الحديثة، إلا أن أكثر ما ميز الفيلم هو الأمانة التاريخية في نقل صور مفصلة ودقيقة لتلك الطائرات التي أصبحت من مقتنيات المتاحف الحربية والأرشيفات البصرية المنسية في ملفات الحرب العالمية الأولى· المرارة ونشوة المغامرة عندما يحضر هؤلاء الطيارون المبتدئون إلى القاعدة الجوية، يفاجئون بصرامة الحياة العسكرية وبالتمارين الخاصة والاختبارات المنهكة التي يخضعون لها، خصوصا وأن القائد العسكري الفرنسي (يقوم بدوره الممثل الفرنسي جان رينو) لا يترك شاردة أو واردة للأخطاء الجانبية أوالهامشية، فما بالك بالأخطاء التي تدخل في صلب التدريبات الجوية، وهذه الصرامة مبررة لأن ارتياد الطائرات البدائية تلك أشبه بعمليات الانتحار أوالمقامرة بالحياة، فلا وسائل أمان متوفرة، ولا مظلات هبوط تم اختراعها في ذلك الزمن ،وكل ما يمكن أن يحمله الطيار معه هو القليل من الحظ، والكثير من دعاء الأمهات! على الأرض نرى الصداقات التي تتشكل تدريجيا بين الطيارين، ونرى الأزمات الروحية وهي تعصف بهم وسط أجواء مليئة بروائح الموت، وهدير الذكريات البعيدة، وقسوة الغياب عن الموطن الأصلي· وفي قصة جانبية نرى قصة الحب التي تتنامى تدريجيا بين الطيار ''راولينج'' ـ يقوم بدوره الممثل الصاعد بقوة نحو النجومية جايمس فرانكو ـ وبين فتاة ريفية فرنسية ترعى ثلاثة أطفال فقدوا والديهم إثر قذيفة عشوائية على منزلهم، فتتحول قصة الحب هذه لدى الطيار إلى نوع من المقاومة الروحية والذاتية وسط حرب طاحنة ومغذية لليأس والجروح الوجودية غير القابلة للشفاء· مع تطور أحداث الفيلم ووصوله لمراحله النهائية نرى هيمنة المشاهد الجوية وتناقص عدد الطيارين الأميركان جراء حرب سماوية أخيرة وشرسة تنتهي بكسر شوكة التفوق الجوي الألماني في سماء فرنسا، وعودة الجنود الناجين إلى بلدانهم بذكريات متفاوتة بين المرارة ونشوة المغامرة، وبين فقدان الأصدقاء والعثور على قيم مضاعفة للحياة· الشاشة الزرقاء فيلم ''شبيبة الطيران'' من إخراج توني بيل وهو صاحب رصيد تمثيلي وافر، ولكنه وعلى مستوى الإخراج لا يناور سوى في منطقة الأعمال التلفزيونية والحلقات المسلسلة، ومن هنا فإن الفقر الموضوعي والانفلات القصصي كانا واضحين في سياق هذا الفيلم· ورغم أن المخرج بذل جهدا مقدرا في إيصال جو المعارك بحرفية عالية خصوصا في استخدامه لتقنية الشاشة الزرقاء التي رأيناها في فيلم (300 ) عن الجنود الرومان الذين يهزمون الجيش الفارسي المهيب إلا أن هذا الاهتمام التقني طغى على الالتفات نحو السرد القصصي المحكم والمفضي إلى حالات إنسانية متوهجة على ضفتي الحزن والسعادة وعلى محوري الصعود والانكسار· لقد خلا الفيلم أيضا من الأسماء الشهيرة ذات الأداء العالي والخبرة المتراكمة في هكذا نوعية من الأفلام، ولذلك لم يعبر الفيلم إلى صفة النجاح المدوي، بل توقف في منتصف الطريق بين الطموح العالي والنتيجة المخيبة للآمال· الصعود التقني والإنتاجي للفيلم كان شاهقا جدا، ولذلك كان هبوطه التجاري مدويا وبقوة أيضا!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©