الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أساليب هشام جعَيْط

أساليب هشام جعَيْط
31 ديسمبر 2015 00:39
إعداد وتنسيق الملف - ساسي جبيل «الأسلوب هو الإنسان»... هذه العبارة الشّهيرة مقتطفة من الخطاب الّذي ألقاه بوفون Buffon في الأكاديميّة الفرنسيّة في يوم استقباله بها يوم 25 أغسطس 1753، وهذا الخطاب معروف بعنوان «خطاب في الأسلوب». أمّا عبارة «الأسلوب هو الإنسان» فما فتئت تؤوّل على أساس كونها قد قيلت في مديح أصالة الكتّاب العظام، وتبرير شغفهم المتأجّج بالكتابة. والمتأمّل في كلّ ما كتبه المفكّر والمؤرّخ التونسيّ هشام جعَيْط لا بدّ أن يلاحظ تنوّع المواضيع الّتي طرقها، والتي تتوزع على محاور ثلاثة: كتب ذات طابع فكري فلسفي ثقافي، وكتب في الكتابة التّاريخيّة، وكتب في الدّين. والسّؤال: هل اقتضى هذا التنوّع تنوّعاً في أساليب الكتابة؟ أم أنّ المواضيع المطروقة عولجت دائماً بنفس الأسلوب، هو أسلوب جعَيْط في الكتابة؟ من هذا التّساؤل يمكن أن نشتقّ فرضيّتين: أولاهما أنّ الأسلوب هو الإنسان: ونفترض أنّ كلّ ما كتبه المؤلّف جعَيْط إنّما يحيل على«الإنسان» جعَيْط الّذي بدأت تطفو، منذ كتابه الأوّل«الشّخصيّة العربيّة الإسلاميّة والمصير العربي»، مقاطع من سيرته الفكريّة. والحقّ أنّه توجد قرائن كثيرة تدلّ على أنّ سيرة هذا المفكّر والمؤرّخ الفذّ متناثرة في متونه تارة على نحو صريح شبيه بالاعترافات، وطوراً على نحو مباغت تنبثق فيه العبارة عفو الخاطر. ولعلّ مقدّمات الكتب هي المواضع البارزة الّتي كانت «أنا» المؤرّخ تتجلّى فيها على نحو سافر، من قبيل «انطلق هذا التّفكير أساساً من تجربتي كإنسان تونسيّ [...] إنّني لم أكن في تونس مرتاحاً إلى أيّ محيط معيّن»، أو«ومن واجبي أن أقول للقارئ، إنّ المقصود هنا هو كتاب وضعه رجل تربّى في كنف التّقليد الإسلامي. ولا نرى فائدة في الإكثار من هذه الأمثلة، فالغاية من إيراد بعضها هو إظهار هذا الطّابع الذّاتي الّذي وسم أسلوب جعَيْط في بعض ما كتب. وهو في الواقع طابع لا يرسم قلق ذات كانت تستشعر«أزمة الثّقافة الإسلاميّة»، وهي تطرق أبواب الحداثة بعوائق كثيرة، بقدر ما يسم أزمة خطاب جديد هو الخطاب الجامعيّ، أو خطاب الجامعة، الّذي كان يجاهد لافتكاك حقيقة قد سكنت طويلاً في رحاب الجامع، وانقطعت بانكفائها الطّويل على نفسها عن حركة التّاريخ. هذا الانتقال من«خطاب الجامع» إلى«خطاب الجامعة» هو انتقال ثوريّ من خطاب أنتجه «مفكّرو الإسلام القدامى» في فضاء الجامع إلى خطاب أنشأه«مفكّرو الإسلام الجدد»في رحاب الجامعة. وهو لا محالة خطاب جديد غايته فهم الطّرق الّتي بفضلها استطاع الإسلام أن ينبني تاريخيّاً، وإخضاع المعرفة القديمة للنّقد و«مقاربة مختلف أوجه تلك الحقيقة الحيّة الّتي تدعى الإسلام من منظور مناهج البحث العلميّ وأسئلة العلوم الإنسانيّة». ضمن هذا الخطاب الجامعيّ تتنزّل كتابات هشام جعَيْط، رفقة كوكبة من مفكّري الإسلام الجدد. هذا الأسلوب يقودنا إلى الفرضيّة الثّانية الّتي تحملنا على تأويل لفظ الأسلوب بوصفه طريقة مخصوصة في التّفسير. ولا نعني من لفظ التّفسير كلّ أنواع التّفسير الّتي ضبطتها إبستمولوجيا العلوم، وإنّما نوع واحد فقط هو التّفسير التّاريخيّ، أو التّفسير الّذي اعتنت به إبستمولوجيا الكتابة التّاريخيّة. في هذا المجال يمكن أن يفاجأ القارئ بتنوّع التّفاسير التّاريخيّة عند جعَيْط. هذا التنوّع هو الذي فرض علينا أن نجعل عنوان هذا الملفّ «أساليب جعَيْط»، واقتضى منّا تنويعاً في المقاربات والاختصاصات لقراءة مدوّنة جعَيْط من زوايا نظر مختلفة لا غاية من هذا التّنويع سوى الإجابة عن سؤال: كيف كتب جعَيْط ما كتب طيلة أربعين سنة ونيف؟ علّنا من خلال الجواب (أو الأجوبة) نضيء مشكلاً يخصّ كلّ الكتّاب الكبار: هل للمؤلّف في أيّ مجال من مجالات الإبداع أسلوب واحد في الكتابة والتّفكير؟ أم له أكثر من أسلوب؟ ثانيهما أنّ الأسلوب هو الإنسان: هي فرضيّة تحيل على تنّوع أساليب الكتابة عند جعَيْط كلّما تغيّر موضوع الكتابة، سواء في التّاريخ أو الفكر أو الدّين. فأسلوب المؤرّخ المحلّل للوقائع والأحداث التّاريخيّة، غير أسلوب المفكّر المتفلسف في علاقة الإسلام بأوروبا وسائر الحضارات، وكلاهما غير أسلوب المؤرّخ المسلم، وهو يعيد قراءة السّيرة بأسلوب المؤمن العقلانيّ. بقيت الإشارة إلى أن المشاركين في هذا الملف هم: حسونة المصباحي ونسرين السنوسي وألفة يوسف ومحمد بن الطيب والعادل خضر وفوزي البدوي ونبيل خلدون قريسة، وقد قرأ كل منهم منجز جعَيْط بطريقته.. مؤلفاته * ولد المفكّر والمؤرخ التونسي هشام جعَيْط في تونس العاصمة في السادس من شهر ديسمبر- كانون الأول 1936. * درس في «المدرسة الصادقيّة» وهناك تعلم الفرنسية * التحق بدار المعلمين العليا في باريس، وحصل على شهادة التبريز عام 1962. * عمل أستاذا في كلية الشريعة وأصول الدين لمدة خمسة أعوام. قدم للمكتبة العربية مجموعة قيمة من المؤلفات والدراسات والبحوث منها: * الشّخصيّة العربية الإسلامية والمصير العربي. * أوروبا والإسلام: صدام الثّقافة والحداثة. * أزمة الثقافة الإسلاميّة. * الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية. * الفتنة: جدليّة الدّين والسّياسة في الإسلام المبكّر * في السيرة النبوية1- الوحي والقرآن والنّبوّة. * في السيرة النبوية 2 - تاريخية الدعوة المحمدية. ، في السيرة النبوية 3 - مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©