السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا وقيادة أوروبا

15 ديسمبر 2011 01:08
ناثان جاردلز رئيس تحرير شبكة «فيوبونت جولوبال» بعد عشرين عاماً على انتهاء الحرب الباردة تعود إلى الواجهة مرة أخرى قضايا اعتقد الجميع أنها من الماضي، فقد رأينا كيف ضجت شوارع موسكو بالمحتجين المطالبين بوضع حد للحكم السلطوي، وإن كانت موجهة هذه المرة إلى بوتين وليس إلى الحزب الشيوعي الذي قاد البلاد لعقود طويلة قبل انهياره، وفي أوروبا أعادت مسألة حل أزمة الديون السيادية وفقاً للشروط الألمانية إحياء "المسألة الألمانية" وبعثها مجدداً من رماد التاريخ. لكن في الوقت الذي سيستغرق فيه الأمر بعض الوقت قبل انجلاء الصورة على نحو واضح بالنسبة للنسخة الروسية من "الربيع العربي" المدفوعة بالفيسبوك ومآلات الوضع هناك، تبقى الهيمنة الألمانية المتحققة حالياً على أوروبا واقعاً ملموساً إلى درجة دفعت كاميرون، إلى الانسحاب من أي دور مستقبلي لاتحاد أوروبي تديره ألمانيا مخافة المساس بالسيادة البريطانية، والحقيقة أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تاتشر، تنبأت قبل فترة طويلة بالتحدي الذي يواجهه "كاميرون" اليوم وتوقعت السيطرة الألمانية على أوروبا. ففي نقاش صريح على مائدة مستديرة حول الوحدة الألمانية وانتهاء الحرب الباردة جمعها بالرئيس الفرنسي آنذاك ميتران ونظيره الأميركي بوش الأب، وجورباتشوف، الزعيم الأخير للاتحاد السوفييتي ونشرته إحدى الدوريات المتخصصة عام 1995 لم تتردد "تاتشر" في التعبير عن مخاوفها بصراحة ودون مواربة قائلة: "لقد كنت دائماً معارضة للوحدة الألمانية لأسباب وجيهة، فتوحيد ألمانيا سيحولها إلى البلد المهيمن في أوروبا، فالألمان أقوياء وفعالون". وتابعت رئيسة الوزراء البريطانية موجهة خطابها إلى بوش الأب وجورباتشوف قائلة: "أدرك أنا وميتران هذه الحقيقة، فنحن جلسنا إلى الطاولة مع ألمانيا أكثر من مرة، ونستطيع القول إن ألمانيا ستستغل قوتها، وتستخدم ورقتها، أنها المساهم الأكبر في الاتحاد الأوروبي لتقول لأوروبا: انظروا إني أضخ أموالاً في الاتحاد أكثر من أي طرف آخر ويحق لي إدارة الأمور بالطريقة التي أريد، لقد سمعت هذا الكلام مرات عديدة، وسمعت البلدان الصغيرة في أوروبا توافق ألمانيا الرأي طمعاً في الدعم والمساعدات المالية، لذا لن يصادق البرلمان الألماني على معاهدة ماستريخت إلا إذا استضافت ألمانيا البنك الأوروبي المركزي المسؤول عن العملة الموحدة، فبماذا أجاب الاتحاد الأوروبي؟ لم يتردد في قبول الشرط الألماني"، ثم واصلت "تاتشر" لتعبر تماماً عما يروج في ذهن "كاميرون" هذه الأيام "كل ما يجري الآن في أوروبا يناقض المثل الذي أؤمن به، فبعض الناس يقولون علينا ربط ألمانيا بأوروبا لمنع المشاكل من الظهور مجدداً، حسناً ما قمنا به ليس ربط ألمانيا بأوروبا، بل ربطنا أوروبا بألمانيا بسيطرتها الصاعدة، وهو السبب الذي يدفعني للقول إننا بصدد أوروبا ألمانية"، بيد أنه في ذلك النقاش الذي جرى في عام 1995 لم يشارك بوش ولا جورباتشوف مخاوف تاتشر، حينها أعلن بوش الأب بقوله "شعرت حينها أن الوقت قد جاء لنثق في الألمان أكثر بالنظر إلى الأعمال التي قاموا بها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية". ورغم المعارضة الأولية للاتحاد السوفييتي للوحدة الألمانية وافقت موسكو عليها في النهاية، وهو ما عبر عنه جورباتشوف بقوله "إن بوش كان محقاً بشأن ألمانيا، فقد قبل الألمان بالقيم الديمقراطية، وتصرفوا بمسؤولية عالية، فقد اعترفوا بذنبهم واعتذروا عن الماضي، وكان ذلك مهماً لنا، ومع أن الأمر كان صعباً في الاتحاد السوفييتي القبول بعودة ألمانيا مجدداً فإنه لا بد من الانسجام مع الواقع". لكن الرد النهائي على قلق تاتشر التاريخي من عودة ألمانيا إلى الواجهة جاء حاسماً من بولندا، الدولة التي عانت أكثر على يد الألمان، حيث رحب وزير الخارجية البولندي الحالي، "رادوسلو سيكورسكي"، بالقوة الألمانية باعتبارها أساسية لأوروبا التي تواجه سوق السندات العالمية وشبح النمو الاقتصادي المتباطئ، فقد قال الوزير البولندي في برلين مؤخراً "إن التهديد الأكبر لأمن بولندا وازدهارها ليس هو الإرهاب أو "طالبان"، أو حتى الدبابات الألمانية، أو الصواريخ الروسية، بل هو انهيار منطقة اليورو. والحقيقة أن تاتشر وسيكروسكي، رغم تعارض آرائهما، يمثلان وجهين لعملة واحدة، فأوروبا التي تعتبر فيها ألمانيا دولة لا غنى عنها هي بالفعل أوروبا ألمانية، لكن في المقابل تشكل ألمانيا الملتزمة اليوم بالقيم الديمقراطية، التي لا شك تقدرها تاتشر، وتبتعد عن حماقات الرايخ الثالث هي أيضاً البلد الذي تحتاجه أوروبا في هذه اللحظة العصيبة من تاريخها ولا عيب في أن تقود أوروبا في وقت الأزمة باعتبارها الأقدر على ذلك. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©