الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

الخوف والجهل أهم أسباب اللجوء إلى الدجل

الخوف والجهل أهم أسباب اللجوء إلى الدجل
25 ديسمبر 2014 02:12
لا تزال لظاهرة الارتباط بالدجل والشعوذة حساسيتها الخاصة في المجتمعات العربية التي لم تزل تعاني تحليق بعض أبنائها في تخوم فلسفة الغيب والانزلاق على وهم ناعم تدل عليه مؤشرات الخوف من المجهول وتستثيره دوافع الجهل المتوارث عبر سنوات طويلة وكذلك الاعتقادات الخاصة التي تنبثق من جهل داخلي لا يرتبط بحركة التطور وبزوغ نور العلم في أرجاء الدنيا لكن على الرغم من بواعث هذا المشهد الذي يصوره إنسان هذا العصر في رؤيته لعالم الغيبيات إلا أن أسباب الارتباط بهذه الظاهرة ربما يتلخص في أن العاطفة المشبوبة بالأمل هي التي ستكشف مفاتيح وشيفرات ولغز الوهم الكبير في حياة البسطاء والأغنياء وكل من يقع فريسة للاعتقادات المغلوطة. أشرف جمعة (أبوظبي) يقول رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي وعضو المجلس الرئاسي لكبار علماء مصر الدكتور أحمد عكاشة الذي رأس الجمعية العالمية للطب النفسي ثلاث سنوات: إنه قبل بزوغ فجر علوم الطب النفسي كان يقوم بمهمة علاج المرضى الذين يعانون اضطرابات نفسية الكهنة وبعض أدعياء الدين ورجال الفلسفة والسحرة وهو ما يؤكد أن الجهل كان سائداً بين الناس في الماضي ولم يزل سائداً في المناطق التي تعاني تخلفاً فكرياً والتي تعد من أسباب انتشار الدجل والشعوذة في عديد من البلاد إذ إن المشعوذين يأتون إلى هذه البلاد ويغرون الناس باللجوء إليهم مؤكداً أن الكثير من سكان البلاد العربية يسيطر عليهم هذا الفكر وهذه الفئة تتميز بالانغلاق الذهني والأمية في بعض الأحيان. تجارة رابحة ويشير إلى أنه من خلال أبحاث أجراها منذ 40 عاماً اكتشف أن نسبة كبيرة من الناس كانت تذهب للعلاج على أيدي المشعوذين إلى أن تقلصت النسبة في الآونة الأخيرة وهو ما يدل على أن الظاهرة لم تزل قائمة بأسبابها المختلفة. ويرى أن الشعور بالخوف من الوصمة هو الذي يدفع أهل المريض -بعارض نفسي- للذهاب إلى المشعوذين ولم يزل هذا الفكر سائداً لدى البعض وهو من الأسباب أيضاً التي تدعم وجود الظاهرة في هذا العصر. ويؤكد إنه لا يوجد اتصال بين عالم الجن والإنس، فالجن أحد مخلوقات الله كما يعلم الجميع وما يذكر في شأنه مجاز ومن يزعم أنه يسمع صوت الجن فهو مريض بالهلاوس السمعية، ومن يجزم بأنه يراه فهو مريض بالهلاوس البصرية، وهذه الأمراض لها علاج في الطب النفسي ومن الأسباب الحقيقية لبقاء ظاهرة الدجل والشعوذة أنها تجارة رابحة تستثمر مناطق الخوف والجهل والاعتقاد الخاطئ في الإنسان. عصور الجهلوينظر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الشارقة الدكتور عبدالله المغني إلى ظاهرة الدجل والشعوذة في العالم العربي على أنها نتاج التشبث بالخرافة والبحث عن ما يرضي غريزة الإنسان ونهمه في التعرف إلى الغيب وهو ما يشجع الناس الذين لديهم معتقدات رسختها العادة والتوارث التاريخي للذهاب إلى هؤلاء الذين يدعون قدرتهم على علاج الأمراض المستعصية وأهمها تحقيق حلم الأمومة أو هؤلاء الذين يبحثون عن استقرار لبيت عائلي على حافة الانهيار والنماذج كثيرة ومتعددة في المجتمعات كافة. ويرى المغني أن العقيدة الدينية السليمة لها دور أساسي في تحجيم هذا السلوك الموغل في تاريخ الإنسانية والذي يعيد الإنسان إلى عصور الجهل خصوصاً وأن الخوف والقلق والتردد أحياناً من العوامل التي تصيب الإنسان بفقدان التوازن وعدم القدرة على التفكير السليم وتزداد هذه الأمور عندما تواجه المرء مشكلة يعجز عن حلها بالطرق العادية فتمهد له النفس الذهاب إلى العرافيين والمشعوذين الذين يستترون خلف أقنعة معروفة تاريخياً لكن غلبة الهوى الشخصي على الأفراد هي التي تجعلهم يتشبثون بالوهم مؤكداً أن أسباب تفشي ظاهرة الدجل كثيرة ومن المهم مواجهتها بالطرق العلمية الصحيحة. توعية إعلامية ويذكر الدكتور فتحي قناوي رئيس شعبة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية المصري أن الناحية التوعوية لها أهمية كبيرة في التصدي بقوة للدجل والشعوذة بخاصة أنه لا توجد أرقام دقيقة تبين نسبة وحجم الإقبال عليها موضحاً أن تضافر الجهود التوعوية والإعلامية كافة سوف تسهم في تعديل الفكر السائد لكون لجوء الفرد لدجال يرجع لأسباب منها الاعتقاد الشخصي بأن هذا الدجال لديه حلول لحل مشكلة ما، ويجزم قناوي بأن تصحيح المفاهيم والاهتمام بالنشأة الدينة من العوامل المهمة في تعديل مسار الفرد الذي يعتقد في قدرة الدجالين على مساعدته بأي شكل من الأشكال. تركة ثقيلة يعزي رئيس جمعية للطب النفسي السعودية الدكتور مهدي القحطاني ظاهرة الدجل والشعوذة في العالم العربي إلى أنها نتاج تركة ثقيلة ورثها الناس منذ عصور سابقة نظراً للجهل العام أو الخاص مشيراً إلى أن التسويق للظاهرة من قبل المشعوذين من ضمن الأسباب الرئيسية لبقائها تتنفس في المحيط العالم وتغري الناس تحت أشكال ومسميات مختلفة يتم الترويج لها بوسائل متعددة ويلفت إلى أن بعض المرضى أو الذين يعانون مشكلات نفسية حين يتوجهون لعراف أو دجال فإن ذلك أهون لهم من الذهاب إلى طبيب نفسي أو معالج شرعي خوفاً من أن يوصف المريض بالمجنون، ويرى القحطاني أن الاهتمام الإعلامي بالمنجمين الذين يطلون على الفضائيات في بداية كل عام ليدلوا بتنبؤاتهم للأحداث السياسية والاجتماعية ونهاية العالم يدفع الناس لتصديق الخرافة ومن ثم الجري خلف الأوهام. زمن الخرافة ولا يخفي الكاتب الإماراتي عبدالله الهدية أن العالم العربي يفتقر لدراسات جادة في تقييم ظاهرة الدجل والشعوذة وأن ما يحدث في الفترة الحالية من استمرار واضح وصريح لها وهو عودة لزمن الجهل والخرافات وما كان يسيطر على أبناء القرى الطيبون لافتاً إلى إن السيرة الذاتية لعميد الأدب الأدب العربي طه حسين بينت غلبة التفكير في الغيبات على أهل الريف في مصر من إكبار «لأهل البركة» وأصحاب الكرامات، وخوف الناس من مخالفة «الأسياد» ويورد الهدية أن في مجتمع الإمارات وبعض دول الخليج الكثير من الناس الذين وقعوا ضحايا الخوف من المجهول ووقعوا فريسة سهلة للدجالين والمشعوذين منوهاً إلى أن هذه الظاهرة تحتاج إلى مجابهتها بكل حزم وأن يعمل أهل التخصص في مراكز البحث الكبرى على دراستها بأساليب علمية حديثة للوقوف على أسبابها الحقيقية ومن ثم مواجهتا بالسبل المطروحة. أسباب الدجل ويورد الدكتور أنس قصار الباحث والواعظ بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتية أن التداوي من الأمراض والأسقام أمر مشروع، لا ينافي التوكل على الله تعالى، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى لَمْ يُنْزِلْ داءً إلاَّ أنزَلَ لهُ شِفاءً، في دعوة صريحة إلى التداوي، والتداوي كما يكون بالأغذية والأدوية الطبية، يكون أيضاً بالرقية بآيات القرآنِ الكريمِ، وبالأذكارِ المعروفةِ، والأدعيةِ المأثورةِ، فيدفع الله بها شرّ الحسد والحاسدينَ، وتُبطِل بتقديرِ الله تعالى كيد السحرِ والساحرين. والمراد بالرقية ما يُقرأُ على المريض أوِ الملدوغِ أَوِ المحسود أَوِ المسحور ليبرأ من علّته، وقد تكون للصحيح أيضاً، وذلك من باب الوقاية والتحصين.. فالرقية جائزة للمريض والصحيح بشرط أن تكون بآيات من القرآنِ الكريمِ أَوِ الأذكارِ والأدعية النبوية الواردة. إلا أنّ بعض الناس قد يتمادون في نسبة الأمراض التي يصابون بها إلى الحسد والعين والجان والشياطين، فيُرجعون سبب كل الأمراض التي تصيبهم إلى مسّ الجن والحسد والعين.. وهذا بالتأكيد ليس صحيحاً، فهناك أمراض عضوية بحتة لابد من أن يراجع المريضُ الطبيبَ بشأنها، وهناك أمراض روحية بحتة تنفع معها الرقية بإذن الله تعالى. دور مجتمعي يقول مدير فرع الشرطة المجتمعية بالقيادة العامة لشرطة أبوظبي النقيب جمعة محمد البادي: «إن دور الشرطة المجتمعية في مجابهة ظاهرة مثل الدجل والشعوذة - التي تؤثر سلبياً على المجتمع - يأتي من الإيمان بضرورة التفاعل المجتمعي لمساعدة الأفراد على تخطي بعض العقبات، ومحاصرة هذه الظاهرة التي تعتمد على الجهل والخوف بأساليب علمية، تبدأ من توعية أفراد المجتمع عبر البرامج الإذاعية والتليفزيونية، وكذلك الإعلام المقروء، ويلفت إلى أن التوعية المجتمعية تعد حائط صد يقلل من المخاطر، ويرفع درجة الوعي لدى الناس، حتى لا يقع بعضهم تحت قبضة المشعوذين والدجالين. الودع والتنجيم الودع والتنجيم قزانة الودع أو الودع كما تسمى في موريتانيا هي نوع من التنجيم لمعرفة الطالع أو أسباب المشاكل أحياناً حيث إنها مهنة تمتهنها النساء في الغالب، وأحياناً تكون نوعا من التسلية وتتم عملية قراءة الطالع عبر ضرب الودع أو تحريكه بشكل عشوائي ينتج عنه شكل يمكن لقارئ الودع أن يفسره ويستخرج منه الطالع، عادة ما تكون المواضيع التي يبحث عنها من يذهبون إلى قارئي الودع تتمثل في الرغبة في معرفة أسباب مشكلاتهم مع أزواجهم مثلاً وأحياناً درجة حب الحبيب ودرجة إخلاص الصديق وغيرها وليس شرطاً أن تكون متعلقة بالمستقبل بل قد تكون متعلقة بالماضي أو المستقبل أو مزيج منهما. ومن الطريف أن بعض قارئي الودع يشترطون أن توضع قطع النقود التي ستدفع لهم مع الودع حيث إنها تساعد في قراءة الطالع. تصحيح المفاهيم يقول الكاتب الكبير صلاح فضل «مع أن الشعب العربي مر بفترة ازدهر فيها نور العقل وانتظم التفكير في فترات طويلة غير أن زحف تيارات الجهل والتخلف على شعوب العربية كلها خلال القرون العثمانية والمملوكية قبلها، أتاح الفرصة لشيوع الخرفات وانتشار الأساطير وغيبة التفكير المنتظم وتأخر هذا العلم كثيراً في اللحاق بعصر النهضة العلمية ثم بدأ يفيق من هذه الغيبوبة في مطلع القرن الـ 19 وزحف نور العلم على تفكيره مع التقدم المذهل في عصر الصناعة وما أعقبه من تطور حتى عصر الانفجار المعلوماتي الجديد. ويتابع فضل: بوسعنا القول -بصفة عامة- إن طريقة تفسير الظواهر الكونية والبشرية إن لم تخضع لقوانين العلم وتطورها في الكون والإنسان فهي مصابة بأدواء العصور الوسطى من الخرافة والأسطورة لكن المحزن في الوضع العربي على وجه الخصوص هو نسبة هذا التفكير إلى الدين والتمسح به وقد استغله البعض للهيمنة على وظائف ليست من حقه كالطب الروحاني والشفاء بالتعاويذ والرقى وغير ذلك من الأساليب البدائية التي لا تليق بعصر العلم فإنه من الضروري أن ندعو بقوة إلى تنزيه الدين وآياته ونصوصه عن استخدامها في الترويج للخرافة والأساطير المجافية لروح العلم وذلك باتباع قاعدة بسيطة تؤكد الحقائق التاريخية الموثقة وهو أن أي تناقض بين قاعدة علمية راسخة وبين فهم شائع لنص من نصوص الدين يقتضي تأويل هذا النص ليتوافق مع الحقائق العلمية. الاتجار بالرقية الأصل في الرقية أن يقرأها الإنسان على نفسه، لأنَّ رقية الإنسانِ لنفسه أدعى إلَى الإخلاصِ، وأكثر صدقاً في الالتجاء إلى الله والتضرعِ إليه، وحُسنِ التوكل عليه. وكما يرقي الإنسان نفسه يستطيع كذلك أن يَرقي أهل بيته وهو الأولى، رفعاً للحرج ومنعاً للفتنة، وصيانة للأموال والأوقات، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي أهل بيته، فإن عجز الإنسان عن رقية نفسه فلا مانع أن يستعين بغيره بعد أن يتأكد مِنْ أهليّة الرّاقي ديناً واستقامة وصِدقاً وأَمانةً، لأنّ هذا الميدانَ دخله أناس كثير لا يُعرفون بدينٍ أو فقه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©