السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أصوات خليجية».. خاصة جدا

«أصوات خليجية».. خاصة جدا
15 ديسمبر 2011 00:34
ما من اتفاق واضح ينطوي على ضرورة توفّر خصائص بعينها تجعلنا نحدد أن هذا الفيلم الروائي القصير هو كذلك بالفعل فيلم روائي قصير، سوى ما يحمله من شروط خاصة به ونابعة من ذاته بالدرجة الأولى، أو بالدرجة الثانية، أن يكون مشتملا على تلك الشروط التي تتوفر فيه وفي الفيلم الروائي الطويل معا لجهة مدة الزمن الطويلة التي تفيض عن السبعين دقيقة وتتوفر فيه عناصر الفيلم الروائي الطويل مثل أن يكون مركَّبا على سيناريو وحوار وفقا لرؤية سينمائية وفكرية خاصة بمخرج بعينه وسوها من الشروط تجعل الفيلم فيلما سينمائيا وليس مجرد شريط سينمائي فحسب. بهذا المعنى، وبقَدْر من القسوة ربما، فإن المرء لا يجد من بين الأفلام الخمسة التي جرى عرضها على شاشة سينما الإمارات مول رقم سبعة ضمن فعاليات مهرجان دبي السينمائي الدولي وشكلت وحدها قطاعا خاصا للعرض بها تحت العنوان “ أصوات خليجية”.. لا يجد المرء من بينها فيلما قصيرا روائيا مقنعا بأنه كذلك سوى اثنين: “بهارات” لعامر الروّاس من عمان، و”ست عيون عمياء” لعبد الله آل عيّاف من السعودية ثمّ “أتمنى لو كنّا راقصين” لمحمد وليد عيّاد من الكويت بدرجة لاحقة والتي هي جميعا من إنتاج هذا العام، إما بجهود إنتاجية خاصة أو من قبل شركات القطاع الخاص. إن الأفلام الأخرى: “سلاح الأجيال” لمحمد جاسم من البحرين و”نقصة” لمحمد الحارثي وشبيب الحبسي من عمان. “سلاح الأجيال” أشبه ما يكون بمشاهد حلمية أو اقتطاعة مجتزأة من فيلم روائي قصير أو رائي طويل دون تحديد مرجعية حكائية تؤطر المشاهد المتلاحقة وتخلق لها منطق حدوثها وحضورها الخاص، خاصة انه بلا حوار بل هناك وصف لحركة يتحرك في إطاره الممثل ويسعى إلى أن يكون أداؤه مثيرا في المشاهِد من خلال الإيقاع الخاص بالفيلم لكن المخرج لا يخرج به إلى إطار حكائي مكتمل يبدأ من النقطة ألف وينتهي بالنقطة ياء مثلما يحدث على جاري العادة في أي فيلم دون تصنيف زمني. والأرجح ان هذه هي النقطة الجوهرية التي تُبقي الفيلم على حواف ان يكتمل بوصفه فيلما روائيا قصيرا، فيظل شبيها بالدعاية الخاصة بالفيلم أو ما يُعرف بالبروميشن الذي يتم إطلاقه متضمنا مشاهد من الفيلم الروائي ليعرف به ويغري الجمهور بحضوره وترقب مواعيد عرضه. أما “النقصة” فيقوم نسيجه الحكائي على تتال للصور كما في “سلاح الأجيال” ليعطي انطباعا ما أو إحساسا بأنه ينطوي على شخصية تعرض أزمتها الشخصية إلى حد أنها تحاول الانتحار وهذا المر بالإضافة إلى سواه لا يفهمه المرء من طبيعة إيحاءات حركة الشخصية بل من المونولوغ والصورة معا لكنه دائما يمثل الشخصية الفاشلة المضطهدة التي تحيا في زمن خاص بذاكرتها المضطهدة. مع ذلك يشعر المتفرج ان الفيلم كان بحاجة ربما إلى دقيقتين أو ثلاث تتواجد فيه شخصية أخرى ضمن موقف أو أكثر وبحوار عبر إيماءات الجسد أو بضعة كلمات ورد فعل عليها من قبل ممثل مواز ليستكمل الفيلم شرطه الخاص به، لكن ما يُسجَّل ل”نقصة” وصاحبه هنا انه لا يتخلى عن اللغة السينمائية ولا يلجأ إلى ما قد يلجأ إليه المخرجون في برامج تلفزيونية أو الفيديو كليب كالكتابة على الشاشة او سوى ذلك مما يشير للمتفرج باتجاه معين يذهب الفيلم إليه من خلاله. وبالنسبة ل”أتمنى لو كنّا راقصين”، فالفيلم مباغت بحق لجهة الطريقة التي طرح فيها إشكالية امرأة شابة تعاني العجز في ساقيها بما يمنعها عن الحركة لكنه يحفز فيها دائما تلك الرغبة الكامنة في داخلها بممارسة الرقص مثلما هي العروس (لعبة الأطفال التي تتلهى بها) التي تجعل من ساقيها فائقي المرونة ويوحيان بما لا توحي به في طاقة الجسد الأنثوي العادي بل يوحيان بما تحركه طاقة الجسد ومخيلته في جسد العروس فتحرضاه على القيام بحركات متخيلة. هنا فقد اختار المخرج ممثلته وفقا لدور مرسوم ولم يرسم الدور وفقا لجسد ممثلة بعينها كتكوين بل بما تتوفر فيه من مرونة على أداء دور صعب ومركّب. ولن الفيلم لا يطرح سوى إشكالية معاصرة وراهنة ولا يلتفت سوى إلى الإنسان في قضاياه الاجتماعية الضاغطة فربما نرى في أقرب وقت ممكن فيلما روائيا مكتمل الشروط يحمل توقيع المخرج محمد وليد عيّاد ويطرح إشكالية بالاتجاه نفسه. وفي الأصل، فإن فيلم “ست عيون بيضاء” أقرب إلى المسرح او لنقل لقَدْر من التجاوز المسرح السينمائي، إذ أن ما يطرحه الفيلم هو مشهد واحد بلقطات متعددة تدور في مكان واحد ويمارس فيه ممثلان: احمد الملا طبيبا وعبد المجيد الكناني مريضا، حوارا لا تنقطع معه الكاميرا ولا تتنقل بين الأمكنة بل هو الثبات فحسب، ومن ثم الدوران حول الكاميرا دخولا إلى الكادر أو خروجا منه ثم العودة إليه. لكن هذا الحوار رغم ما يتوفر فيه من عمق في طرح الفكرة وفرادة في الحكاية التي هي حكاية المريض هو وحده الذي يمنح “ست عيون عمياء شرطه السينمائي الخاص به دون التطرق إلى واقع من نوع ما قد يعين المتفرج على خلق ما مرجعية ما تساعد في التأويل وتركيب حكاية الفيلم وفقا لمنطق فهمها من قبله هو، أي من قبل المتفرج. وأخيرا فإن لغة السينما تبدو اكثر وضوحا وإقناعا، بل وأكثر جاذبية في فيلم “بهارات”، إذ يضع المخرجُ الناظر إلى فيلمه أما شخصيات متعددة وحكاية تكشف عن ذاتها بمقطع من أغنية وشخصية تتحرك في أمكنة وأزمنة تحمل دلاليا العديد من المعاني وتحتمل التقليب على أوجه التأويل مثلما هو حال التمثيل وتحديدا شخصية الرجل العجوز في لحظة تتوتر فيها مشاعر المتفرج في اللحظة التي تذهب فيها المرأة غريقةً نحو الحافة والعجوز فيما يجرّ قدميه إلى الوراء وبما يجعل الصورة تدور في إطار فانتازي حكائي مقنع ضمن الإطار الذي ظهر فيه وجعله غير فائض عن اللغة البصرية إنما يحسب المرء أن الفيلم قد انتهى بالفعل عند هذه النهاية التراجيدية بكل ما فيها من مزج بين الشخصيات وحكاياها وأمكنتها. بهذا المعنى، فإن “أصوات خليجية” بوصفها قطاعا من قطاعات مهرجان دبي السينمائي الدولي قد وفّرت للمخرجين فرصة في أن تتوفر أعمالهم وان تتم مناقشتها مع أصحابها فيتحدثون عن طموحاتهم السينمائية وعن أشواقهم العليا بإنتاج مرتفع يتيح لهم ما ينقلوا ما في مخيلاتهم إلى الشاشة وبهذا المعنى أيضا تكون ال”أصوات خليجية” قد أوصلت رسالتها لمن أراد الإصغاء إلى أحلام كبرى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©