الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غرب أفريقيا وتداعيات «إيبولا»

24 ديسمبر 2014 00:41
عندما سقط الدكتور «توماس روجرز» في مطلع شهر ديسمبر مريضاً بفيروس إيبولا في سيراليون، لم يجد أية طائرة في انتظاره متجهة إلى الولايات المتحدة أو أوروبا، وبدلاً من ذلك، ناضل الطبيب الذي تلقى تدريبا عالياً ليتم السماح له بدخول أحد المراكز القليلة لعلاج إيبولا في البلد الواقع غرب أفريقيا. وبعد أن تمكن أخيراً من الحصول على سرير، توفي «روجرز» في 5 ديسمبر، ليتقاسم بذلك الطريق المأسوي لوباء الإيبولا مع مواطنيه. ومع وفاة «روجرز»، يكون ما يقرب من 10% من الأطباء في سيراليون قد لقوا حتفهم بسبب «إيبولا» منذ تفشي الوباء في مارس. ومن بين هؤلاء «أولفيه باك»، واحدة من عدد قليل من الطبيبات في الدولة، و«الشيخ عمر خان»، الذي قاد الاستجابة الأولى لإيبولا. ولم تكن هاتان الوفيتان مجرد مآس شخصية للعائلة والأحباء، ولكنها أيضاً مأساة بالنسبة للدولة في حربها ضد «إيبولا»، وغيرها من المشاكل الصحية. كنت قد التقيت «روجرز» عام 2005، أثناء وجوده في سيراليون، باعتباره باحثاً في هيئة «فولبرايت» التي ترعاها الولايات المتحدة لإجراء أبحاث حول مشاريع المساعدات الإنسانية. وفي هذه الفترة المبكرة التي أعقبت الحرب، كانت قوات حفظ السلام الدولية ما زالت تقوم بدوريات في البلاد، وكان عمال الطوارئ الطبية، أو المستشفيات الخيرية يقدمون معظم أشكال الرعاية الصحية الحديثة. وقد خدم «روجرز»، الذي تلقى تدريبه في ألمانيا لعدم وجود تدريب طبي متقدم في سيراليون، كواحد من عدد قليل من المتخصصين في الأمراض المزمنة، ومكث في الخارج أثناء الحرب. لكنه عاد إلى وطنه بعد استتباب السلام، وتخلى عن مناصب في أوروبا كانت تجزل العطاء للظروف الصعبة المتمثلة في ممارسة الطب في سيراليون التي تعد واحدة من أفقر بلدان العالم. وفي «فريتاون»، عاصمة سيراليون الحيوية والمزدحمة، تدرب «روجرز» في أحد المكاتب الكائنة في شارع تجاري مزدحم. وكان مكتبه خافت الإضاءة يقع في الطابق الأول، ويضم العديد من الغرف الصغيرة؛ إحداها تستخدم كساحة للانتظار، والأخرى عيادة للجراحات البسيطة. وكان «روجرز» يوزع النصائح والقليل من العقاقير التي كانت متاحة، ومع تحسن الأوضاع في سيراليون، غادرت قوات حفظ السلام وعمال الطوارئ، لكن «روجرز» واصل العمل من عيادته وشغل منصباً في مستشفى عام كبير. وخلال زياراتي اللاحقة إلى «فريتاون» مع مجموعات من المتطوعين من جامعة لورانس، كان «روجرز» يستقطع وقتاً من جدول أعماله المزدحم للقاء طلابي من الأطباء تحت التمرين. وباعتباره متخصصاً في الأمراض المزمنة، كان «روجرز» قادراً على تقاسم أسلوبه التقليدي - وكان يقوم بزيارات منزلية – ومعرفة القضايا الصحية التي تواجه شعبه. كما أن دراسته لمرض السكري، وهو مرض شائع بشكل متزايد بين الناس في المدن الأفريقية، جعلت خبرته نادرة وذات قيمة بالنسبة لمرضاه، ورأى الطلاب حقيقة الرعاية الصحية في سيراليون بينما كانوا يشاهدونه، يرعى الكثيرين دون الحصول على المعدات ذات التقنية العالية، وكطبيب في سيراليون، كان «روجرز» واحداً من النخبة القليلة. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن الولايات المتحدة لديها 245 طبيباً لكل مائة ألف شخص، وفي المقابل، فإن سيراليون لديها طبيبان فقط. وفي حين أن هناك اتفاقاً واسع النطاق على أن نظم الرعاية الصحية الضعيفة هي المساهم الرئيسي لانتشار «إيبولا»، ينبغي أن يكون واضحاً أن هذا النقص ليس بسبب الافتقار إلى التفاني بين المتخصصين في مجال الرعاية الصحية. وعندما انتشر فيروس «إيبولا» في سيراليون في مارس، استمر «روجرز» في علاج مرضاه، على الرغم من المخاطر التي يتعرض لها العاملون في المجال الطبي. وقد ذكرت منظمة الصحة في تقرير لها هذا الشهر أنه من بين الـ6388 شخصا الذين ماتوا بسبب إيبولا في غرب أفريقيا، كان هناك 349 من العاملين في مجال الرعاية الصحية. وحتى مع انخفاض عدد الحالات الجديدة في غرب أفريقيا، ما زالت إيبولا يواصل انتشارها في سيراليون، بينما يعوق استجابة البلاد لهذا لوباء الفقدان المأسوي لمعظم العاملين المدربين في مجال الرعاية الصحية. ويجب أن يذكرنا موت «روجرز» بأن كفاح فيروس الإيبولا هو كفاح شخصي، وتكلفته غالية، وللفوز في هذه المعركة، سيحتاج الآخرون إلى التدخل لملء الفراغ الذي خلفه موت «روجرز» وزملائه من الأطباء في سيراليون. كلوديا سكران * أستاذ علوم الاقتصاد والمجتمع بجامعة لورانس، ويسكونسن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»ص
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©