الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«حنظلة» اغتيل مرتين

11 ديسمبر 2013 19:33
“أنا الآن متأكد أنهم سوف يقتلونني إن لم أمدح”.. هذا ما قاله فنان الكاريكاتير ناجي العلي قبل ست وأربعين ساعة من اغتياله بلندن في يوليو 1987.. عبارة اقتبسها الدكتور عادل سماره في تقديمه لمؤلف الباحث الفلسطيني خالد الفقيه الجديد، بعنوان “حركة الوعي في كاريكاتير ناجي العلي” الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان. ويقول سماره ـ صديق ناجي العلي الشخصي ـ في تقديمه “كان بحث الفقيه بمثابة تأكيد لأن الفن المشتبك يهب الحياة للفنان بعد رحيله كالبندقية النظيفة تواصل إطلاق النار بعد الشهيد وكالأصيلة “الفرس العربية” تحمل فارسها وتعود للبيت وهي تبكي.. بحث يقيم حوارا بين الميت والأحياء.. الميت الحي رغم أحياء هم موتى بلا قبور وإن كانوا في قصور. المؤلف أهدى عمله لروح الفنان الشهيد والشاهد ناجي العلي، الذي كما قال، تركت إبداعاته أثرا عظيما في صياغة وتكوين شخصيته وألهمته الانحياز الكامل للفقراء والمهمشين والمسحوقين، كما أهداه لكل من سار على درب ناجي مؤمنا بصرخته القوية “كلما ذكروا ليّ الخطوط الحمراء طار صوابي.. أنا أعرف خطا أحمر واحدا.. إنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقع على وثيقة استسلام وتنازل لإسرائيل.. هكذا أفهم الصراع أن نصلب قاماتنا كالرماح ولا نتعب”.والكتاب 363 صفحة من القطع الكبير يضم سبعة فصول تتناول تطورات رسومات الفنان المغدور ومواقفه بالريشة والفكرة تجاه مختلف القضايا الفلسطينية والعربية والعالمية والقوى التحررية والقرارات الدولية الخاصة بفلسطين، وتفسر بوضوح لماذا كان وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر الأكثر حضورا في رسوماته وريشته التي طالت المتخندقين في الخندق الأميركي وكامب ديفيد!!. ويعرض الكتاب موقع المخيم في فن ناجي العلي.. المخيم المشتبك مع العدو وتعقيدات الحياة.. المخيم الذي خطط له أن يكون حالة اغتراب تحول الوطن لحالة مفترضة متخيلة لوطن في ذاكرة لا تلبث أن تتآكل.. عايش المغدور مرحلة المقاومة التي رأى اغتيالها قبل اغتياله. ولذا كان أول رسم في حياته عبارة عن خيمة على شكل هرم وفي قمتها بركان ترتفع منه يد مصممّة على التحرير نشره في مجلة “الحرية” التي كان يرأس تحريرها الشهيد غسان كنفاني وتنطق باسم القوميين العرب.. ظل يرسم على جدران مخيم عين الحلوة ما بقي عالقا بذاكرته عن الوطن وما رآه محبوسا في العيون، ثم انتقلت رسوماته إلى جدران سجون الجيش اللبناني. الباحث الفقيه أثبت أن العلي كان اشتراكي الهوى قومي التوجه، وجعل من “حنظلة” مدافعا عن الاشتراكية في وجه الرأسمالية سارقة خيرات الشعوب من وجهة نظره، ورهن مواقفه من الاتحاد السوفييتي آنذاك والكتلة الشرقية بمدى دعمها للقضية الفلسطينية والحقوق العربية، محاولا تطوير وعي سياسي لدى قرائه لفهم طبيعة العلاقة بين الطرفين، لكنه نقم ـ أي العلي ـ على الروس بعد وفاة الرئيس المصري عبدالناصر لأنهم أول من طالب الراحل أنور السادات بدخول حلبة الحل السياسي مع إسرائيل، حيث يقول في واحد من رسوماته “لا اليسار نافع ولا اليمين شافع.. وجالك العمى ياللي كنت قاشع”. ووفق الكتاب، فقد كانت القوى التحررية العالمية نموذج العلي المفضل فقد عبر عن حزنه الشديد بلوحات معبرة على إعدام الشاعر الإيراني سعيد سلطانبور في طهران، وجعل دموع امرأة إيرانية تعزف شعره نوتة موسيقية كما دفع بحنظلة ليقصل رأس أميركي بمنجل يرمز للشيوعية. ولشدة عدائه لأميركا وخاصة عندما وضع على واحد من رسوماته عبارة “أن أميركا لم ولن تكون في يوم من الأيام صديقا للعرب”، قالت عنه صحيفة “نيويورك تايمز”: “إذا أردت أن تعرف رأي العرب في أميركا فانظر إلى رسومات ناجي العلي”. وبالنسبة لناجي العلي فهو يعتبر بريطانيا المسؤول الأول والمباشر عن معاناته الشخصية وألم شعبه عقب وعد بلفور ودورها كدولة منتدبة على فلسطين.وحسب “حركة الوعي في كاريكاتير ناجي العلي” الذي تضمن عشرات الرسومات فقد طالت سهام ريشته النارية القيادة الفلسطينية ووضعتها في السلة نفسها مع النظام العربي، فمنظمة التحرير منذ قبولها الدخول في دهاليز الحل السلمي وقعت في حب أميركا وغرامها، وتحولت إلى لاعب ورق متيم بالولايات المتحدة مقابل الشعب الفلسطيني الذي بقي ولهانا وعاشقا لفلسطين والكوفية المقاتلة.. المنظمة لدى ناجي العلي أضاعت بوصلتها ولم تعد هي قيادة المقاومة بعد تخليها عن البندقية المقاتلة والكوفية الثائرة، وراحت تستعطف أميركا فقدّمها في رسوماته على أنها رجل يتشح بالكوفية على كتفيه وقد أنزلها عن رأسه وحلق شعر رأسه على شكل العلم الأميركي. وقبل اغتياله عام 1987 خاض ناجي العلي معارك ضارية مع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي أدلى بحديث لصحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية أشار فيها لأهمية فتح حوار مع اليسار الإسرائيلي، وهو ما دفع ناجي لمهاجمته ووصفه بالخيبة. كما فتح نار رسوماته على الرئيس الراحل عرفات في رسمته التي تناول فيها الكاتبة المصرية رشيدة مهران التي كانت تربطها علاقة وطيدة بياسر عرفات، مثلما لم يجامل أحدا أيا كان فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحقوق العربية حتى زعيم الجبهة الشعبية الراحل جورج حبش. ووفق “حركة الوعي في كاريكاتير ناجي العلي” فقد تلقى ناجي تهديدات كثيرة ممن طالتهم رسوماته بالنقد والسخرية، وضاقوا بحرية الرأي والتعبير وحسب الباحث، هناك سبع عشرة جهة فلسطينية وأجنبية وإسرائيلية ضاقت ذرعا برسوماته. فالسلطات البريطانية نسبت الاغتيال لشاب مجهول الهوية، لكنها في الوقت ذاته اعتقلت ـ أي السلطات البريطانية ـ فلسطينياً على خلفية الحادث يدعى حسن صوان الذي اعترف كما جاء في الكتاب بعلاقته مع الموساد. لكن صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية نشرت قائمة بعمليات اغتيال ناجحة للموساد كان ناجي العلي ضمنها، واعترفت إسرائيل باغتيالها ناجي العلي الذي وصفته بـ”الغزال الهادر”. وفي ذات الوقت يتهم البعض منظمة التحرير الفلسطينية مستندين لحوار جرى بين ناجي العلي قبل اغتياله مع مسؤول رفيع في المنظمة، لم يذكر الكتاب اسمه، قدم إلى لندن لإقناعه بتخفيف لهجته ضد الراحل ياسر عرفات. لقد اغتيل ناجي العلي مرتين الأولى في لندن، والثانية عندما تم تفجير نصبه التذكاري في المدخل الشمالي لمخيم عين الحلوة، الذي صنعه النحات اللبناني شربل فارس، لكن “حنظلة” بقي وبقيت رسوماته من بعده.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©