الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علامات إماراتية بألوان سعودية

علامات إماراتية بألوان سعودية
11 ديسمبر 2013 19:25
يشكل الفنان التشكيلي والباحث في التراث الشعبي السعودي عبد العزيز خليل المبرزي، ظاهرة فنية خاصة ومتفرّدة على مستوى المملكة العربية السعودية بوجه خاص، ومنطقة الخليج العربي بوجه عام، من حيث تخصصه وتركيزه في نقل تراث وآثار المنطقة من خلال اللوحة التشكيلية، أما جملة أعماله فهي شاهد حيّ على نجاحه في توثيق العديد من المواقع التراثية والحرف الشعبية والموروث الشعبي، ومن أمثلة ما أنجزه على الصعيد المحلّي، لوحاته عن بوابة الثميري، بوابة مكة بمدينة جدّة، وهي واحدة من البوابات التراثية القديمة، وكان الناس يعبرون منها متجهين إلى مكة المكرمة، باب المدينة المنوّرة، كما وثّق تشكيليا لتجارة اللؤلؤ، صناعة الطبول، صناعة النسيج، صناعة القطن، الألعاب الشعبية، رياضة الصيد بالصقور، الأسواق الشعبية، صناعة الفخار، ومختلف المهن التقليدية التي تكاد تتشابه في كافة دول المنطقة. أما على مستوى دولة الامارات، فقد أكد المبرزي امتداده مع تراثها من خلال مشاركته بأعماله الفنية التراثية في بينالي الشارقة لأكثر من دولة، ومعرض (تراث من الشارقة) ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية، أما العاصمة أبوظبي، فقد شهدت له أكثر من معرض، كان آخرها بعنوان “صروح الوطن” والذي أقيم في قاعة بيت الشعر بمركز زايد للدراسات والبحوث، وتضمن ثلاثا وعشرين لوحة وثقت لعديد المواقع التراثية والتاريخية في الدولة، وبرزت من خلالها موهبة التشكيلي المبرزي في تتبع تفاصيل طرز العمارة التقليدية، بما في ذلك طرز العمارتين الدينية والعسكرية، وبخاصة لوحاته التي تعكس قوة وجمال الحصون والقلاع والقصور، في إطار ما عرف قديما بـ(العمران الجبلي الدفاعي)، وفي إطار فنّه الممتد نحو استلهام التراث الخليجي كركيزة أساسية في منجزه التشكيلي الذي حقق له عبر سنوات عدد كبير من المعارض الشخصية والجماعية، والجوائز، والمشاركات المهرجانية ذات الصلة بالإبداع. في معرض “صروح الوطن” ثمة حوار سعودي إماراتي بديع، على مستوى المفردة التشكيلية، الألوان الصحراوية المشبعة باللونين الأصفر القشي والبني، وقليل من الزرقاويات حينما يتعلق الموضوع بثيمة البحر، ولهذا وقبل الدخول في قراءة أعمال المعرض، ينبغي القول إن مبادرة تنظيم الحدث، تؤكد قاعدة الحوار والتبادل الغائبين بين تجارب تشكيلية عربية تفضل البحث عن الاعتراف من محافل فنية دولية، بدلا من الانخلاط في جسور تفاعل بين المبدعين التشكيليين العرب، ولهذا نسجل للمبرزي خطوته في عرض أعماله هنا في أبوظبي، كما نسجل لمركز زايد للدراسات والبحوث مبادرته ودعمه لهذا الحوار البصري الذي يفتح لنا نافذة فنية جديدة نحو الهوية والشخصية الخليجية عبر الخط واللون والريشة والفكرة والمعلم التراثي والتاريخي على مستوى المرجعية والأسلوب، ما يفضي في النهاية إلى مساهمة فاعلة في الحفاظ على سجلات الماضي من الاندثار والنسيان، وتقريب الجيل الجديد من من تلك السجلات التي تحتضن أحداثا وتواريخ وشخصيات ذات صلة وثيقة بهوية المكان وإبراز القيمة الانسانية والفكرية والتاريخية والوجدانية لهذا المكان. مجموعة القصور القديمة التي حفلت بها أعمال المعرض، تصدرتها لوحات: قصر الحصن بأبوظبي، قصر الجاهلي، قصر الشيخ زايد بمدينة العين، ويعتبر الأول تاريخيا من اقدم مباني العاصمة أبوظبي إذ تم إنشاؤه عام 1760، أما الثاني فهو واحد من أكبر قلاع مدينة العين، حيث بدأت خطط إنشائها بتوجيهات من الشيخ زايد عام 1891، وتتمتع بطراز رائع في فن البناء والعمارة العسكرية الاسلامية المحلّية، ويعد قصر (متحف) الشيخ زايد بمدينة العين أحد أهم المواقع الثقافية، بل من أفضل الحصون التي تم ترميمها في إمارة أبوظبي، ويعود تاريخ بنائه إلى عام 1937. نقل المبرزي جماليات هذه القصور، بأسلوبية واقعية، عبر ألوان لا تخلو طريقة استخدامها من حداثة مبهجة، مع التركيز على النسب، وإبراز العديد من مفردات العمارة التقليدية.. من القصور إلى الأبراج، نعبر إلى الجمال الانساني وذاكرة المكان، حيث لوحة “برج المقطع” في العاصمة أبوظبي، المكان والمعلم التاريخي الذي يختزن في داخله ثقافته ونمطه المعماري الفريد، وعمقه التاريخي، وربما يكون أجمل ما في هذا المكان، أنّه ما زال قائما يغالب عواتي الزمن وثورة الحداثة العمرانية منذ أكثر من 200 عام. لقد حاول الفنان المبرزي في هذه اللوحة رغم تقيده الشديد بمعطيات حجم ونسب المكان، الخروج من التقليدية وفق تركيبية تشغل نفسها بملء الفراغات والفضاءات المحيطة، ولهذا ومن خلال فرشاة وخطوط انسيابية عميقة، نجح في أن يقدّم لنا عملا فنيا يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وكأن اللوحة هنا قد اصبحت حاضنة لونية تمتص حدة التناقضات اللونية المحيطة بين الكتل والأرضية، مما سبغ على العمل الفني إيقاعا بصريا دفاقا وفق تركيبة متكاملة من الأحداث الاجتماعية والسياسية والعلاقات الجمالية التي تؤطر العمل الفني بوحدة متماسكة. من أبوظبي إلى دبي، حيث منطقة البستكية، في لوحه تذكرنا بتاريخ وجمال هذه المنطقة التي تعتبر أحد أهم المواقع التراثية في الامارة، بل وآخر أحياء البراجيل (أبراج الهواء) المتبقية على الجانب العربي من الخليج، ولمن لا يعرفها فقد جاءت تسميتها من كلمة (بستك) الايرانية، التي انطلق منها عدد كبير من أوائل التجار المهاجرين إلى دبي في مطلع القرن التاسع عشر، وإن أجمل ما في البستكية هو بيوتها ومنازلها ذات الأسوار الصلبة التي توفر الخصوصية لساكنيها من العائلات الثرية التي كانت تعيش فيها، ولعل هذا النمط العمراني من البناء الذي يعلوه على الدوام مجموعة من الأبراج الهوائية، هو ما يميزه، مضافا إلى كل ذلك تلك الزخارف البديعة التي تتسم بها هذه المنازل، مع تصميمات من الباحات، والنوافذ والأبواب التراثية، لقد أبدع المبرزي في نقل جماليات البستكية ومعالمها، بحيث يمكن القول أن لوحته هذه ومثيلاتها من ذات الاهتمام بالعمارة التقليدية، هي جزء لا يتجزأ من التراث العمراني للدولة، في إطار بصري خلاّب. من اللوحات الجميلة التي قادنا من خلالها الفنان السعودي إلى إمارة الشارقة، ما جاء تحت عنوان “حصن الشارقة” وهو في الواقع مكان أثير ومميز، سواء لجهة طريقة بنائه، أو لمكانته التاريخية والسياسية، فقد كان المقر السابق لعائلة القاسمي الحاكمة، كما أنه نموذج مثالي من نماذج العمارة العربية التقليدية في الامارات، وقد أصبح اليوم وجهة سياحية ثقافية بعد ان تحول إلى متحف يحتوي على أركان عديدة لعرض صور قديمة، أسلحة تقليدية، أدوات صيد تقتفي آثار مائتي سنة من تاريخ الشارقة، وقد شيّد في عام 1820، وهو فريد في طرازه، حيث يتسم بهندسة وتصميم معماري تتجلى فيه روح العمارة العربية، وكان فيما مضى ملتقى لأهل الشارقة، يفدون إليه في أفراحهم وأتراحهم، كما اعتبروه رمزا لعزّتهم ومأمن خوفهم، ويرصد المبرزي في هذه اللوحة جماليات اللون الواقعي، كما بدا لنا هذا الحصن بمكانته التاريخية والاجتماعية مثالا حيا للرسم الذي ينقل لك صمت المكان، على انه شاهد حي على العصر، بدء من المدخل الرئيس وانتهاء بالتكوينات الداخلية، تاركا لفرشاته السلسة حريتها في رصد المكان والزمن المعاش، بطريقة تجعلك تدخل إلى عمقه وانت تستحضر كل تاريخه وجماله وبهائه عبر الزمن. رسم الفنان المبرزي مجموعة من اللوحات التي تعكس صورا مختلفة للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه)، وكان في تصويره البارع للشيخ زايد، متأملا، واضحا وصادقا في التعبير عن الحالة والفكرة والموضوع ضمن عناصر واقعية، لا مبالغة فيها. مربعة الشندغة بدبي اكثر غنى وتنوعا على المستوى التراثي من أماكن وقرى تراثية، بل إنها من العناصر التقليدية الهامة التي ميّزت العمارة الدفاعية في إمارة دبي، والمربعات ذات أشكال مختلفة، وتتألف عادة من عدة طبقات يتواجد فيها الحرس من أجل المراقبة والدفاع، وربما يكون الفنان المبرزي أكثر وضوحا وهو ينقل لنا صلابة وجمال هذه المربعات ما بين ثبات التكوين، وقسوته، وما بين عمقه وتأثيره وتصميمه، ومن حيث الاستحكامات وهي عنصر أساسي في هذا المعمار، وكان أكثر جمالا ذلك الالتزام التشكيلي في توزيع النسب واستخدام الألوان التي تعكس جماليات المواد المستخرجة من الطبيعة والبيئة المحلية. توقف المبرزي في إمارة الفجيرة لكي ينقل لنا منها أهم وأجمل المعالم التاريخية “قلعة الفجيرة” بما تتميز به من تخطيط هندسي أخذ شكل الربوة التي بنيت عليها أو قل شكل تل صخري يرتفع عن الأرض بنحو عشرين مترا، حيث تم إنشاؤها من مواد محلية هي: الحصى، الجص، التبن، مادة الصاروخ، لأغراض دفاعية حيث تذكر السجلات التاريخية أن أهالي المنطقة الذين تطوعوا لبناء القلعة قد استخدموها للدفاع عن إرادتهم ضد البرتغاليين والانجليز، إلى جانب استخدامها كمركز إداري في فترة ماضية من تاريخ الامارات. نقل الرسام هذا التصميم الفريد للقلعة من خلال ألوانه الطبيعية الترابية مع استخدام أمثل للون البرتقالي الخفيف، مع توضيح جميل للأبراج الثلاثة التي تتكون منها القلعة، ما بين برجين دائريين وآخر مستطيل الشكل، وطابقين وسطح، تحيط به شرفات. لقد أضفى الرسام بتوزيعاته اللونية الدقيقة هالة من السحر على هذا البناء الذي لا يمكن لأحد تخطيه أو زيارته عندما يكون في الفجيرة المبتسمة والمسترخية على الدوام على خليج عمان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©