السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراق وخطر تشظي خريطته

13 ديسمبر 2011 14:23
لا شك أن الانسحاب الأميركي من العراق أحد الأنباء الطيبة للسنة 2011، بل لعله من أهمها لأنه يمثل نهاية احتلال ونهاية مرحلة صعبة في تاريخ العراق الذي عرفناه. ورغم أن رحيل الأميركيين يلقى ترحيباً من العراقيين، على اختلاف انتماءاتهم، فإن نظرتهم إلى الحدث تتفاوت بين جنوب وشمال ووسط، كذلك المخاوف والآمال مما بعد الانسحاب. نشرت العديد من الصحف مقالاً للمالكي يتناول فيه تحديات ما بعد الحقبة الأميركية، مشدداً على إعادة الإعمار وإنهاض الاقتصاد. لكنه يولي الأمن والاستقرار أولوية قصوى، مؤكداً أن الطموح الرئيسي هو "بناء دولة مواطنين لا دولة طوائف". والمعروف أن هذه الاستحقاقات المنشودة كانت هي ذاتها منذ غداة سقوط النظام السابق، وكان مؤملاً أن تساعد سلطة الوصاية الأميركية في تحقيقها، ولو فعلت لكانت وفّرت على نفسها وعلى العراقيين الكثير من المتاعب التي ساهمت على العكس في إفساد الأوضاع القائمة وفي تنكيد حياة أهل البلد. فهل أن زوال الاحتلال سيجعل ممكناً كل ما كان صعباً؟ في المقابل لمس العديد من الصحفيين والمحللين الذين زاروا العراق عشية الانسحاب الأميركي، والتقوا مع ممثلين لقوى سياسية مختلفة، أن اليوم التالي للانسحاب سيكون ثقيلاً ومثيراً لكل أنواع التوجّسات. إنه يوم جميل، يوم فرح، لايبدو أحد واثقاً بإمكان الحفاظ عليه كموعد مع مستقبل يعيد إلى العراقيين الثقة بأنفسهم. وتراوح التوقعات بين بقاء الحال على ما هي عليه الآن في أفضل الأحوال، وبين احتمال اندفاع حرب أهلية في أسوأها. غير أنها توقعات تقرأ المرحلة المقبلة بمعطيات الفترة الممتدة من 2003 - 2011 التي كان وجود قوات الاحتلال فيها والتعامل معها أو التقاتل معها محور الخلاف الرئيسي. إذا كان الانسحاب الأميركي ينهي هذا الخلاف، إلا أنه لا يحل تداعيات أخطاء سلطة الاحتلال وأهمها على الاطلاق إلغاء الدولة السابقة وحل مؤسساتها جميعاً، بما فيها الوزارات المدنية، ناهيك عن مؤسستي الجيش والأمن. كما أنه لا يبدد الانعكاسات الصراعية للتغيير الجذري الذي طرأ على بنية الحكم استناداً إلى دستور جديد أنصف البعض وأغدق المكاسب على بعض آخر وأجحف في حق بعض ثالث. ففي ظل الاحتلال، واعتماداً عليه، تمكنت كيانات مذهبية أو إثنية من تحصيل مصالحها وفرض حقائقها، وبذلك انزرعت بذور نزاع أهلي يرفض الحكم الحالي الاعتراف به. وليست المشكلة في وجود طوائف ومذاهب متمايزة، وإنما هي الآن في أن الدستور لم يستطع احتواء الخلافات أو إيجاد آليات لقوننة الحقوق. بل إن المشكلة تعمقت وتفاقمت من خلال ممارسات القوى الأمنية الناشئة على أنقاض القوى السابقة، إذ انسل التناحر الطائفي فيها وانعكس على أدائها. الأكيد أن لا العراق ولا نظامه يستطيعان العودة إلى الوراء، بمعزل عن وجود الأميركيين أو رحيلهم، وعن وقوع النظام الجديد الحالي تحت هيمنة النفوذ الإيراني، وحتى عن التحولات العربية الجارية بفعل الثورات والانتفاضات الشعبية. لكنه لن يتمكن من اتّباع مسار سلمي في المرحلة المقبلة ما لم يتحقق أمران: حوار وطني ومصالحة وطنية. فمن خلال الحوار يمكن أن تنبثق رؤية موحدة للنظام والدولة، وعلى أساس هذه الرؤية تتأمن أسباب وعناصر لابد منها لبناء وفاق أهداف أو وفاق مصالح يؤسس لتعايش سلمي ينبذ أي لجوء إلى العنف لتحصيل الحقوق أو لنيل المطالب. هذه المصالحة هي التحدي الحقيقي الذي سيواجهه النظام بعد زوال الاحتلال، وسيكون عليه أن يرفعه بقدراته الخاصة وبحلول عراقية مئة في المئة. وطالما أن المسافة رسمت الآن مع الولايات المتحدة، بفعل اتفاق التعاون، ربما يتوجب لاحقاً بل عاجلاً توضيح العلاقة مع إيران، لأن ثمة حدوداً لكل صداقة -أو حتى أخوة- بين الدول سواء تجاورت أو تباعدت جغرافياً. وطبعاً، ينبغي إنعاش العلاقات مع العرب على أسس جديدة متخففة من رواسب الحقبة الماضية. في الآونة الأخيرة علت المطالبات بإنشاء أقاليم مستقلة (صلاح الدين والأنبار) على خلفية السأم من علاقة غير مستقرة مع الحكومة المركزية في بغداد. صحيح أن الدستور يجيز ذلك وفقاً لشروط محددة، لكن البعد الطائفي للمطالبة وظروفها ودوافعها تعبر عن تعايش صعب يعجز الدستور عن التعامل مع تقلباته كما تعجز القوانين عن تطبيعه. قد تزيد من صعوبات المشكلة، الطريقة الانفعالية التي تتبعها الحكومة لمعالجتها، فهذا تحد وشيك وماثل أمامها، ومن شأنها تفعيل المصالحة وخيار البلد الموحد أرضاً وشعباً ودولة، أو أن تترك خريطة العراق تتشظى. عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©