الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مهرجان دبي السينمائي الثامن يستمر في لعبة الإدهاش

مهرجان دبي السينمائي الثامن يستمر في لعبة الإدهاش
13 ديسمبر 2011 14:55
إنه يوم آخر من أيام مهرجان دبي السينمائي الثامن، والصخب لا يزال في أوجه، نجوم سينمائيون ومخرجون من شتى أنحاء الأرض وأهل إعلام من منابت متنوعة، ومعهم جماهير غفيرة من المتابعين التائقين لرؤية مملثين أعجبوا بهم عبر الشاشة البلورية، فأتوا يستغلون الفرصة لمواجهتهم مباشرة في فرصة يندر حدوثها، السجادة الحمراء لا تزال تفترش الأرض المحيطة بأروقة المهرجان، بعضهم يطلب من نجمه المفضل التوقف برهة لأخذ صورته عبر الموبايل، فيستجيب النجم حريصاً على أن يمنح اللقطة كل ما تستحقه من وضوح تعابير ورسوخ ملامح، وايحاء قسمات... لا تملك وأنت تراقب المشهد من زواية قصية، هي أقصى ما يتاح لك من هذا المكان الشاسع، إلا أن تتساءل عن طبيعة المزاج الذي يتحكم بهؤلاء النجوم في اللحظة الراهنة: هل يشعرون بالبهجة كونهم محاطين بهذا القدر من الصخب الضوئي؟ هل يخالجهم شعور، ولو ضئيل، بضيق الصدر؟ هل يتعاملون مع الأمر بوصفه ضريبة لا بد منها للشهرة المتحققة؟ أياً يكن الأمر فالنجوم ينصاعون غالباً لإرادة معجبيهم، وهم يتعاملون مع الموقف بخبرة ودراية، يعرفون كيف يتخلصون فوراً من كل ما يربطهم بتفاصيل الحياة اليومية، ليبدوا في أرقى حالات التواصل والانسجام مع مصوريهم، سواء أكانوا محترفين أو هواة، الأرجح أنهم يدركون أن هذه الصورة هي التي ستبقى في الوجدان الجماعي، أما ما عداها من تفاصيل فستغدو عابرة مهما كان مستوى إلحاحها ودرجة الجدية فيها. متعة الاستحالة ليس صدفة أن يكون المهرجان قد اختار فيلم توم كروز «المهمة المستحيلة» ليفتتح به نشاطه، وليتوجه كحبة فاكهة ناضجة فوق كعكة الحلوى الشهية، ذلك أن كثيراً من التجليات الأساسية للمهرجان هي أقرب إلى مهمة مستحيلة، هذا الجمع المتنوع القادم من كل بقاع الأرض، هذه الخلطة السحرية بين أفلام الإثارة والتوثيق والكوميديا والإنسانيات والغرابة والواقعية، تجد طريقها إلى التحقق في منطقة كان يقال عنها حتى الأمس القريب أنها غير معنية، أو غير مهتمة بالسينما، لتغدو في برهة من الزمن زاخرة بالحراك السينمائي الحيوي، وليتدفق منها وعبرها سيل من المحفزات الباعثة على نهضة سينمائية واعدة، وفقاً لما يقوله عبد الحميد جمعة، رئيس مهرجان دبي السينمائي، نائب المدير العام لسلطة المنطقة الحرة للتكنولوجيا والإعلام، يبدو جمعة معتزاً بالجهود، وهو محق في ذلك، فالمناسبة فرصة ملائمة للاحتفاء بما تمثله دبي من فرادة على صعيد التفاعل الحضاري واللغوي والإنجاز والإعجاز، حتى لتكاد هي نفسها أن تصنف في عداد المدن المستحيلة التي يميزها عن الفيلم، وقد صورت معظم مشاهده في حنايا أبراجها الشاهقة، كونها حقيقية بقدر ما تبدو عصية على التصديق.. عالم دافئ بين فعاليات المهرجان التي تعكس هويته الحقيقية بدقة، يمكن رصد أنشطة الجسر الثقافي، حيث تتلاقى في سياقها مختلف الإبداعات والثقافات لتقيم حواراً اعتماداً على مفردات التعبير الإبداعي المختلفة، وتتخللها عروض سينمائية وفنية في الهواء الطلق، وتلحق بها ندوات وحوارات سرعان ما تتضح مهمتها بوضوح: يمكن لهذه الأرض أن تكون ملجأً آمناً ودافئاً يحتضن أبناءها جميعاً، بغض النظر عن تفاصيل العرق والدين وسائر الحواجز المصطنعة التي أقامها البشر في ما بينهم على امتداد وجودهم. المتابعون لفعالية «الجسر» كانوا على موعد مع فيلم الافتتاح «تيرافيراما» من إخراج الإيطالي إيمانويل كرياليس، وهو الرابع في سلسلة انجازاته الروائية، حيث تابعوا حكاية الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، إيطاليا خاصة، وما يتخللها من صعوبات فاقمت منها قوانين وضعية حرمت على أهل البلاد مد يد العون للقادمين من خلف البحار، وليس كرياليس محايداً حيال هذه المسألة، فهو يقول ساخراً: «أن يموت الناس غرقاً اثناء محاولتهم الهجرة إلى بلادنا يوضح مقدار التحضر الذي نجسده»! يكثف المخرج رؤيته الفنية عبر إشكالية لا تعاني أي قدر من الافتعال: عائلة إيطالية تعتاش من السياحة البحرية وتجد نفسها أمام مجموعة من المهاجرين الملاحقين من الشرطة، والذين تقع أي مساعدة تقدم لهم تحت طائلة ملاحقة القانون. أي قانون هو ذلك الذي يشرع الموت ويحرم الحياة؟ هذا ما يحاول الفيلم مناقشته. افتح يا سمسم المهرجان لم ينس الأطفال في خضم اهتماماته المتنوعة، هو أفرد لهم مساحة تواصل عبر برنامج «افتح يا سمسم» وهو تندرج في سياقه مجموعة من الأعمال السينمائية التي تستهدف الذائقة الغضة، عديدة هي الأفلام التي أمكن للمرتادين الصغار مشاهدتها:»الدمى»، «تشابي درمز»، أعياد أرثر» وهو فيلم ثلاثي الأبعاد، وثمة فيلم مميز بانتظارهم هو «عندما هبط سانتا إلى الأرض»، وهو من أجواء مناسبة عيد الميلاد الذي يصادف موعده قريباً. العبث حاضراً كذلك خصص مهرجان دبي الثامن بعض قاعاته للندوات وورش العمل المتصلة بالسينما، فكانت جلسة حوارية متعلقة بالروائي الفرنسي ألبير كامو، صاحب رواية الطاعون، وقد تمحورت الجلسة حول فيلم «الرجل الأول» الذي أنجز كامو روايته بأسلوبه العبثي المألوف، وقضى في حادث سيارة قبل أن تجد طريقها للنشر، حيث كان يومها برفقة ناشر أعماله غاستون غاليمار، الرواية التي تجسد الكثير من التفاصيل الحياتية لصاحبها تحولت فيلما سينمائياً من انتاج برونو بيسيري، وقد حاز الفيلم جائزة النقاد، في مهرجان تورينتو السينمائي، عالجت الندوة إشكالية تحويل عمل روائي يحمل الكثير من سمات صاحبه إلى السينما، والصعوبات التي يواجهها هذا التحويل، خاصة أنه يأتي بعد وفاة صاحبها، وتدخل الورثة في مختلف التفاصيل. واقعية متواصلة لم يقتصر البعد النظري في المهرجان على ندوة الرجل الأول وحدها، بل تناول جملة من القضايا المرتبطة بالفن السابع من مداخل شتى: العملية التسويقية، أثر التلفزيون على قيام نهضة سينمائية، كما جرى تسليط الضوء على بعض التجارب السينمائية العالمية، وحظيت ألمانيا بحصة كبيرة على هذا الصعيد. كذلك جرى تناول الواقعية السينمائية عبر أحد أعمدتها في العالم العربي المخرج محمد خان، حيث دافع عن وجهة نظره المتصلة برؤيته لجرعة الواقعية التي يمكن للسينما، أو يجدر بها، أن تقدمها، كما وعد خان بأعمال قادمة تتسم بقدر لافت من الالتصاق بالواقع. بين الأفلام التي شاركت فيها الإمارات بالمهرجان، ووضعت على لائحة المنافسة في مسابقة المهر الإماراتية، فيلم «أمل» للمخرجة الإماراتية نجوم الغانم، وهي سبق لفيلمها «حمامة» أن فاز بجائزة لجنة التحكيم في الدورة السابقة لمهرجان دبي. يتناول فيلم «أمل»، وهو وثائقي طويل، حكاية واقعية لفنانة سورية هي أمل حويجة، كانت معروفة في بلادها، ثم جاءت إلى دبي بهدف تحسين ظروف حياتها، حيث تكون مرتبطة بعقد للعمل في مشروع تلفزيوني لعام واحد، لكنها تستمر لسنوات طويلة، حيث تأتي ضرورات الحياة لتؤجل الأحلام والطموحات، أيضاً ثمة ما يؤطره الفيلم في سياق الانتقال من الضوء إلى الظلمة، فالغربة تفترض تحديات شتى، لكن لعل أقسى ما يتعرض له المهاجر هو أن يتحول إلى مجرد رقم إضافي، فيفقد مقومات تمايزه بعد أن يكون قد أسس لنفسه في بلاده مكانة ما، وحقق بعضاً من الحضور والشهرة.. فخاخ أنثوية السينما الهندية حاضرة كذلك في المهرجان، وهي استمدت ألقاً متجدداً على أيدي الأسماء المتميزة: شاه روخان، بريناكا شوبرا، رانفينغ سينغ، أنوشكا شارما.. وغيرهم. أما من الأفلام الهندية التي يتوقع أن تجد قبول فئة واسعة من المشاهدين، فيقع فيلم «السيدات مقابل ريكي بال»، وهو من إخراج مانيش شارما، في المقدمة. يدور الفيلم حول دون جوان عصري، يحترف صيد النساء، ويكون مطمئناً إلى براعته في هذه المهمة قبل أن يجد نفسه فجأة عرضة لمؤامرة تحيكها بعض النسوة من ضحاياه، اللواتي قررن الثأر منه، وقد وحدن جهودهن لتحقيق الهدف. البديهي أن المجال سيكون مفتوحاً حينها على مفارقات شتى، ومواقف كوميدية لا حصر لها، يتعرض لها صائد النساء وبعد أن يقع في أفخاخهن الماكرة. كذلك يشهد المهرجان عروضاً لأفلام هندية مميزة منها «السابع من أغسطس» الذي يتناول قضية الشعر والشعراء في الهند، و»إتلاف» الذي يروي تفاصيل علاقة غريبة بين فتاة ومنحوتة فنية غير مكتملة، إضافة إلى فيلم «الحياة لعبة» للمخرج موثوسامي ساكثيفل.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©