الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة الأوروبية... والاتحاد المالي الجديد

11 ديسمبر 2011 21:31
أشاد الزعماء الأوروبيون بقمتهم الطارئة الأخيرة باعتبارها نجاحاً حقيقيّاً، في حين ينظر إليها الاقتصاديون بغير قليل من التشكك. ولكن في جميع الأحوال، فإن هذه القمة التي عقدت في بروكسل وافقت على مخطط لمواجهة أزمة الديون السيادية في الاتحاد من خلال مزيد من الاندماج بين بلدان منطقة اليورو. غير أن المقترح -الذي أعدته ألمانيا وفرنسا- يبدو أنه نجح في القيام بذلك مقابل توسيع هوة الانقسام بين أوروبا القارية وبريطانيا. فبعد مناقشات مسائية طويلة، وافق 26 من أصل 27 زعيماً أوروبيّاً على اعتماد ما تسميه المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الفرنسي ساركوزي اتحاداً ماليّاً -مجموعة من الدول داخل الاتحاد الأوروبي تتقيد بقواعد ميزانية أكثر صرامة وتقبل بعقوبات في حال خرق هذه القواعد. وفي هذا الإطار، قالت ميركل للصحفيين في بروكسل يوم الجمعة الماضي: "لقد حققنا الليلة خطوة كبيرة جدّاً نحو أوروبا مستقرة"، بينما قال الرئيس ساركوزي: "إن هذه القمة ستظل محفوظة في التاريخ". والمخطط الفرنسي- الألماني كان يرمي في الأصل إلى تغيير اتفاقية لشبونة، التي تمثل الإطار القانوني الأساسي الذي يحكم الاتحاد الأوروبي، بما يجعل التعديلات ملزمة لكل أعضاء الاتحاد السبعة والعشرين. ولكن المملكة المتحدة رفضت دعم هذه الخطوة على اعتبار أنها لم تحصل على إعفاء من ضريبة مخطط لها على الصفقات المالية، علماً بأن الخدمات المالية في بريطانيا تمثل نحو 10 في المئة من اقتصاد البلاد. وللالتفاف على "الفيتو" البريطاني، اقترحت فرنسا وألمانيا بدلاً من ذلك اتفاقية جديدة، بالتوازي مع اتفاقية الاتحاد الأوروبي، من أجل تطبيق التغييرات المقترحة. وقد وافقت معظم بلدان الاتحاد الأوروبي الحالية على المقترح، في حين اعتبر عدد من البلدان مثل السويد والمجر وجمهورية التشيك في البداية أنه سيتعين عليها أولًا أن تحصل على موافقة برلماناتها على المقترح الجديد، قبل أن تعلن لاحقاً أنها مستعدة لتوقيع الاتفاقية، لتترك بذلك بريطانيا وحيدة ومنعزلة. بيد أن العديد من الاقتصاديين الأوروبيين أبدوا حماساً أقل تجاه مخطط ميركل وساركوزي. وفي هذا السياق، يقول فرديناند فيختنر من المعهد الألماني للبحث الاقتصادي في برلين: "لقد خطت أوروبا خطوة نحو حل الأزمـة لأن تعزيـز التنسيـق المالـي يمثل ركنـاً مهمّاً من أركان اتحاد نقدي مستقر، ولكنه لا يعالج المشكلة الرئيسية للاقتصادات التي تكافح في جنوب أوروبا: غياب النمو". فالمسار الحالي هو مسار التقشف الحكومي، الذي يمكن أن يبطئ نمو الناتج المحلي الخام بشكل أكبر، والاقتصاديون مثل "فيختنر" يخشون أنه بدون اتخاذ تدابير لتحفيز النمو، فلن يتم جمع الأموال لتسديد الديون. وفي هذه الأثناء، رحب ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، بنتيجـة القمـة قائلا "إن الاتفاقيـة ستصبح أسـاس اتفاقية مالية جديدة ومدعاة لمزيـد من الانضباط فـي السياسة الاقتصادية لأعضاء منطقة اليورو"، مضيفاً "لقد خرجنا بخلاصات سيتعين تطويرها وتفصيلها أكثر في الأيام المقبلة". وكان "دراجي" قد أوضح بشكل أكثر تفصيلاً قبل القمة أن انخراطاً أقوى من قبل البنك المركزي الأوروبي -مثل شراء سندات من بلدان كاليونان أو إسبانيا أو إيطاليا- يعتمد على إدخال قواعد ميزانية أكثر صرامة، والحال أن العديد من المحللين ينظرون إلى جعل البنك المركزي الأوروبي الملجأ الأخير للإقراض باعتباره الوسيلة الفعالة الوحيدة في حل الأزمة. غير أن "سايمون تيلفورد"، كبير الاقتصاديين في مركز الإصلاح الأوروبي الذي يوجد مقره في لندن، يقول: "إن ما تم الاتفاق عليه ليس قطعاً اتحاداً ماليّاً"، مضيفاً "ذلك أنه لا توجد ميزانية مشتركة، ولا إصدار مشترك للديون، ولا آلية لتحويل الأموال بين الاقتصادات المشاركة. إنه اتفاقية لإرساء الاستقرار المالي ولكنها مجمَّلة بمساحيق". ويؤكد "تيلفورد" أن التقشف المالي وحده لن يحل الأزمة وأن المطلوب هو نمو اقتصادي. هذا ومن المرتقب أن يتم العمل على وضع تفاصيل الاتفاقية الخاصة باتحاد مالي خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وفي غضون ذلك، قلل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من شأن التداعيات الممكنة لغياب بلاده عن هذه المفاوضات، قائلاً إن بريطانيا لن تستفيد من المشاركة في هذه المفاوضات نظراً لأنها ليست عضواً في منطقة اليورو. ولكن "تيلفورد" يقول: "إنه من الصعب جدّاً فهم استراتيجية كاميرون"، مضيفاً "إن بريطانيا لن تستطيع التأثير في السياسات على نحو مفيد لها إن هي عزلت نفسها. كما أن ذلك لا يساعد السوق الأوروبية المشتركة، التي تعد بريطانيا أحد أكبر أعضائها". وعلاوة على التوصل لاتفاق حول اتحاد مالي، وافقت الاتفاقية أيضاً على تقديم صندوق الإنقاذ المالي الجديد لأوروبا، الذي يدعى "آلية الاستقرار الأوروبية"، في يوليو 2012، وعلى أن توفر بلدان الاتحاد الأوروبي 200 مليار يورو لصندوق النقد الدولي من أجل المساعدة على معالجة الأزمة. ولئن كان من غير المعروف ما إن كانت هذه التدابير كافية لإقناع الأسواق المالية العالمية بأن أوروبا تمكنت أخيراً من السيطرة على أزمة الديون، فإن "تيلفورد" لا يعتقد ذلك إذ يقول: "أغلب الظن أنه سيتم عقد قمة طارئة أخرى بعد شهر من اليوم". مايكل شتاينينجر - برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©