الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تحديات التجارة العالمية بعد «بالي»

8 ديسمبر 2013 23:04
قبل الاتفاق الأخير الذي أُعلن التوصل إليه في اجتماعات منظمة التجارة العالمية بمدينة بالي الإندونيسية انبرى المدافعون عن الأسواق الحرة يروجون للاتفاق في مقالات الرأي المنشورة بالصحف ومن خلال التصريحات العامة، باعتباره إنجازاً غير مسبوق خرج بنتائج مهمة على الصعيد الدولي، وهو ما أكده المدير العام للمنظمة «روبرتو أزيفيدو» في مقال نشره بصحيفة «وول ستريت جورنال»، قال فيه: «سيستفيد الناس في جميع أنحاء العالم من فرص جديدة لخلق الوظائف وما سيتبع ذلك من إمكانات أخرى»، مضيفاً أنه «في أوقات ارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ النمو يعتبر هذا التطور أمراً جيداً نحن في أمس الحاجة إليه». والحقيقة أن ما نحن في حاجة إليه بالفعل هو التحلي بجرعة من الواقعية، فاجتماع بالي ليس في واقع الأمر أكثر من محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لمنع انهيار منظمة التجارة العالمية في وقت تسعى فيه لانتزاع ولو نتيجة متواضعة من سلسلة المفاوضات السابقة والممتدة المعروفة باسم جولة الدوحة. ولعل الحجة التي أقنعت الدول المشاركة في اجتماع بالي باستثمار وقتها وجهدها معاً هي أن هذه التغييرات طفيفة وغير ذات أهمية إلى درجة يمكن معها تقديم تنازلات لمنع فشل الاجتماع والحيلولة دون تراجع دور المنظمة، فعلى رغم كل العيوب التي تنطوي عليها منظمة التجارة العالمية، تظل مع ذلك أحد الأعمدة الأساسية للنظام التجاري الذي أنشئ بعيد الحرب العالمية الثانية لمنع العودة مجدداً إلى نفس السياسات الحمائية التي سادت في ثلاثينيات القرن الماضي وأشعلت الحروب التجارية بين القوى الدولية آنذاك. وقد كان الهدف من استحداث المنظمة هو ضبط قواعد التجارة العالمية بمراقبة الإجراءات الحمائية التي تفرض على الواردات، ووضع آلية تمكن أعضاءها البالغ عددهم 159 دولة من حل النزاعات التجارية عبر اللجوء إلى المنظمة بدل تبادل الإجراءات الانتقامية. ولفهم ما يجري في بالي والاتفاق الذي تمخض عنه الاجتماع لابد من تذكر ما جرى خلال الشهور المتوترة التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر عندما أطلقت المنظمة جولة الدوحة بقطر، فقد أدت الأجواء التي خيمت على العالم وقتها والخوف من الإرهاب إلى خلق شعور لدى الجميع بأن قراراً تاريخياً بصدد الاتخاذ. وفي اليوم السادس للاجتماع بعد فترة من الحوار الشاق والنزاع المستمر أعلن ممثلو الدول عن عقد جولة أخرى ظلت مفتوحة حتى عام 2005، محددين أجندة طموحة تسعى من خلالها المنظمة إلى تغيير منظومة التجارة العالمية حتى تكون أكثر استجابة لمصالح البلدان النامية. ومن أبرز ما جاءت به أجندة الدوحة خفض الرسوم الجمركية المرتفعة التي يفرضها عدد من البلدان الغنية على المنتوجات الزراعية، وتحسين فرص المزارعين في الدول الفقيرة حتى يتمكنوا من تصدير محاصيلهم، وفي المقابل تخفض الدول النامية الرسوم الجمركية على البضائع المصنعة التي يصدرها الشمال. ولكن سرعان ما اصطدمت مباحثات الدوحة بعراقيل كثيرة بسبب سعي الأطراف المشاركة، ولاسيما اللاعبين الكبار مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند والصين واليابان والبرازيل، إلى تعزيز وحماية مصالح الأطراف الداخلية القوية التي تضغط على الحكومات، وبدلاً من حل هذه الإشكالات على مستوى وزاري قررت الأطراف المشاركة في المباحثات تخفيف الطموحات وتقليص النقاط المدرجة في الأجندة بالتخلي عن جزء كبير منها. وتفادياً لمثل هذا الفشل الذي لحق بجولة الدوحة وتجنب المهانة التي ستتعرض لها منظمة التجارة العالمية قررت الدول المشاركة في بالي تقليص التطلعات منذ البداية والتركيز فقط على «تسهيل التجارة» من خلال إجراءات غير خلافية مثل التخفيف من التدابير البيروقراطية في مكاتب الجمارك التي تعيق إلى حد ما تدفق البضائع عندما تصل الحدود، وخاصة بعد الدراسة التي قامت بها غرفة التجارة الدولية، والتي خلصت إلى أن اتفاقاً لتسهيل التجارة بين الدول من شأنه إضافة تريليون دولار إلى الناتج الإجمالي للاقتصاد العالمي. ولكن تلك التقديرات والأرقام كثيراً ما تنطوي على مبالغة وتعوزها الدقة، تماماً مثل توقعات البنك الدولي في 2001 التي قال فيها إن الفقر سينحسر على نحو كبير بعد جولة الدوحة، ليتراجع البنك في النهاية عن هذه التقديرات في 2005. والحقيقة أنه حتى بعد الاتفاق الأخير في بالي الذي ينعش التوقعات غير الواقعية فإنه ما أن تعود الوفود المشاركة إلى بلدانها حتى ينصرف الانتباه إلى عقد الاتفاقيات التجارية الثنائية والإقليمية مثل الشراكة بين دول المحيط الهادي التي من المتوقع أن تضم الولايات المتحدة واليابان وعشر دول أخرى مطلة على المحيط الهادي. وأيضاً الشراكة الأطلسية بين أميركا والاتحاد الأوروبي. وهو ما سيترك منظمة التجارة العالمية في وضع صعب، إذ إن التوقيع على كل تلك الشراكات ينزع عنها سبب وجودها أصلًا. هذا بالإضافة إلى المشاكل الأخرى المرتبطة بالمستجدات الدولية والتحديات الطارئة، فبعد مرور عقدين على مراجعة قواعد التجارة العالمية ظهرت إشكالات جديدة منها على سبيل المثال التلاعب بالعملة، فهل يمكن السماح لدول مثل الصين بالاستمرار في خفض سعر عملتها والاستفادة من القدرة التنافسية المرتفعة؟ ثم هناك أيضاً مسألة التغير المناخي واحتمال إقدام الدول التي تفرض معايير صارمة على شركاتها فيما يتعلق بانبعاثات الكربون رسوماً جمركية على الدول التي لا تفرض تلك الضوابط على شركاتها، ولذا وما لم تعمل منظمة التجارة العالمية على معالجة هذه الإشكالات والتصدي للتحديات الجديدة فإنها ستسقط في مجاهل النسيان ويفقد العالم الحاجة إلى محاكمها واجتماعاتها من الأساس. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©